المدير العام لجمعية البنوك في الأردن الدكتور ماهر المحروق:
الإستدامة والتحوُّل نحو معايير الحوكمة البيئية والإجتماعية
ستبقى في قلب التحوُّلات الحالية والمستقبلية للقطاع المصرفي
أصبحت معايير الحوكمة البيئية والإجتماعية وحوكمة الشركات (ESG)
تُعبّر عن توجّهات القطاع المصرفي وتعكس إلتزام البنوك بالمسؤولية
الإجتماعية والبيئية لديها
يُوضح المدير العام لجمعية البنوك في الأردن الدكتور ماهر المحروق «أن القطاع المصرفي يلعب دوراً محورياً في الإقتصاد الوطني، ويُساهم بشكل مباشر في تحقيق النمو المستدام من خلال تقديمه مجموعة واسعة من المساهمات الإقتصادية، بسبب تداخل القطاع مع القطاعات الإقتصادية الأخرى وإعتباره محرّكاً ودافعاً لها. ولا تقف مساهمات القطاع عند الحاجز الإقتصادي؛ بل تتخطّاه إلى دور محوري في تحقيق التنمية الإجتماعية والبيئية في المملكة، فالقناعة لدى القطاع المصرفي أن التنمية الإقتصادية الحقيقية مبنية على مجموعة من المحرّكات الإقتصادية والإجتماعية والبيئية، ولا يُمكن أن يزدهر أيّ مجتمع، إذا لم تظهر نتائج النمو الإقتصادي على بنية وتركيبة المجتمع».
ويرى الدكتور ماهر المحروق أنه «ضمن رؤية القطاع المصرفي، أصبحت معايير الحوكمة البيئية والإجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) ذات أهمية بالغة الأهمية، لأنها تُعبّر عن توجّهات القطاع وتعكس إلتزام البنوك بالمسؤولية الإجتماعية والبيئية لديها، بالإضافة إلى إرتباط هذه المعايير بتعزيز الأداء المالي للقطاع وتحسين إدارة المخاطر وتعزيز السمعة وغيرها، هذه المعايير لا تعكس فقط إلتزام البنوك بالمسؤولية الإجتماعية والبيئية، بل تلعب أيضاً دوراً محورياً في تعزيز الأداء المالي، إدارة المخاطر وتحسين السمعة على المدى الطويل.
ولهذا تسعى البنوك الأردنية مع البنك المركزي الأردني للعمل بشكل تشاركي على تعزيز نهج الإستدامة في القطاع من خلال تبنّي معايير الحوكمة البيئية والإجتماعية، حيث يرتكز هذا النهج التشاركي على مجموعة من العناصر، من أبرزها تعزيز البنك المركزي تصوُّراته عن الحوكمة البيئية والاجتماعية وتشجيع البنوك لتبنّي هذا النهج وذلك من خلال إستراتيجية التمويل الأخضر التي أصدرها البنك المركزي الأردني، وثانياً قيام البنوك بتعزيز توجُّهاتها نحو أدوات الإستدامة والتحوُّل نحو التمويل الأخضر لتعزيز الدفع نحو الإقتصاد الأخضر والدائري».
ويضيف الدكتور المحروق أنه «من أبرز المستجدات في هذا الجانب، العمل على مجموعة من الأطر المتعلّقة بالحوكمة البيئية والإجتماعية من قبل سوق عمّان المالي، وهو ما ساهم في دفع العملية التطبيقية خصوصاً في جوانب الإفصاح وإعداد تقارير الإستدامة، وقد إرتبط هذا السياق أيضا بالتوجُّهات نحو تعزيز أطر الحوكمة الداخلية في القطاع من خلال تطوير وإنشاء وحدات اللجان المعنية بإدارة المخاطر البيئية والتوجه نحو التمويل المستدام.
وفي السياق عينه، قامت جمعية البنوك في الأردن بتحديد مواضيع الاستدامة وبناء معايير الحوكمة البيئية والإجتماعية كأحد المواضيع ذات الأولية في نطاق عملها، فكان العمل بشكل مباشر على بناء القدرات في مجموعة واسعة من البرامج التدريبية المعنية بتطبيق معايير الحوكمة البيئية والإجتماعية في المؤسسات المالية (ESG)، وتحليل مخاطر المناخ في المحافظ المصرفية، وإعداد تقارير الإستدامة، وسبل بناء أنظمة المتابعة والتقييم وتطوير المنتجات الخضراء، بالإضافة الى التركيز المباشر في جانب بناء القدرات والتدريب على مواضيع نظم الإدارة البيئية والإجتماعية في القطاع المالي (ESMS). ويذكر في هذا الجانب أن عدد المتدرّبين من القطاع المصرفي ضمن هذا المواضيع بلغ قرابة 210 متدربين في العام 2024».
ويتابع الدكتور ماهر المحروق قائلاً: «لتوضيح مدى أهمية جوانب الإستدامة والتحوُّل نحو معايير الحوكمة البيئية والإجتماعية لدى القطاع المصرفي، إنضمّت الجمعية إلى الميثاق العالمي للأمم المتحدة، الذي يُعتبر أكبر مبادرة تطوُّعية عالمية تُعنى بتشجيع الشركات والمؤسسات على تبنّي مبادئ الإستدامة والمسؤولية الإجتماعية، بالإضافة إلى الإنضمام إلى شبكة الخدمات المصرفية والتمويل المستدام (SBFN). كما خصّصت الجمعية أهمية كبيرة لعقد النسخة الثانية من منتدى التمويل الأخضر والذي جاء بعنوان «التمويل الأخضر: ضرورة ملحّة لمستقبل القطاع المصرفي»، والذي شهد مشاركة واسعة من القيادات المصرفية من رؤساء مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية، بالإضافة إلى مشاركة العديد من الجهات الحكومية والمؤسسات والمنظمات الدولية».
ويختم الدكتور ماهر المحروق: «يُمكن القول: إن التطوُّرات المرتبطة بمعايير الحوكمة البيئية والإجتماعية في القطاع المالي ذات عملية مستمرة ونهج مستدام، وهي مستجدات متسارعة لا يُمكن حصرها أو تقييدها، نظراً إلى أهميتها، والحاجة إليها في بناء ممارسات التطبيق، بالإضافة إلى إرتباطها بالجوانب القانونية ومعايير الإفصاح. ولا بد من الإشارة إلى أن هذا النهج قد لا يُمكن قياسه فقط في جانب القطاع المصرفي فقط بل سيمتد أيضاً للقطاعات الإقتصادية نظراً إلى الإرتباط مع القطاع المصرفي من جهة، ونظراً إلى أهمية التحوُّل في تلك القطاعات نحو المعايير المستدامة على مستوى الشركات العاملة من جهة أخرى. ويتكامل هذا الطرح أيضاً مع التوجُّهات الوطنية التي تُعنى بتطبيق معايير الحوكمة البيئية والإجتماعية وإرتباطها في مستهدفات رؤية التحديث الإقتصادي للمملكة.
كما سيستمر الجميع خلال الفترات المقبلة في تعزيز التشاركية وبناء القدرات لتحقيق أفضل الممارسات التطبيقية وإستكمال قصة النجاح المصرفي مستقبلاً».
وعن رؤيته عن التحوُّلات المستقبلية في جوانب الإستدامة للقطاع المصرفي، وخصوصاً معايير الحوكمة البيئية والإجتماعية، يقول المدير العام لجمعية البنوك في الأردن الدكتور ماهر المحروق: «يشهد القطاع المصرفي تحوُّلات جذرية في ظل التوجُّه العالمي المتزايد نحو الإستدامة، هذه التحوُّلات لا تعكس فقط إلتزاماً أخلاقياً وإجتماعياً، بل أيضاً فرصة لتعزيز الكفاءة والتنافسية في القطاع المصرفي وخصوصاً تطبيق معايير الحوكمة البيئية والإجتماعية (ESG). وأعتقد في هذا الجانب، أن القطاع المصرفي سيُواصل رحلته نحو التطبيق الكامل لمعايير الحوكمة البيئية وبما يتماشى مع التوجيهات العالمية، وأيضاً لتعزيز الإنجاز والتطبيق في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDGs) والإتفاقيات الدولية المعنية بالبيئة وعلى رأسها إتفاقية باريس للمناخ».
ويضيف الدكتور ماهر المحروق: «في المستقبل القريب، أعتقد أن آثار التطبيق لمعايير الحوكمة البيئية والإجتماعية، ستصبح أكثر وضوحاً في جوانب عديدة، منها تضمين إستراتيجيات البنوك طولية الأجل لهذه المعايير، تعزيز معايير الحوكمة الداخلية في البنوك وإرتباط ذلك بتعزيز مستويات الشفافية، بالإضافة إلى إستدامة نهج إصدار تقارير الإستدامة للبنوك وآثار ذلك المباشرة على الإستثمار في القطاع وسمعة البنك وغيرها من الأمور الهامة.
وفي سياق متصل، سينعكس التطبيق لمعايير الحوكمة البيئية والإجتماعية في البنوك على مستوى الإقتصاد الوطني، حيث سيُساهم ذلك في تعزيز دور البنوك في الإقتصاد الوطني ودعم التحوُّل نحو الإقتصاد الأخضر وتوجيه الموارد والتمويل نحو المشاريع الخضراء الصديقة للبيئة، والمساعدة على التحوُّل نحو الإقتصاد الدائري والإقتصاد المستدام، وهو ما سيُعزّز من إمكانية تحقيق مستويات النمو المستهدفة وتعزيز فرص العمل والوظائف الخضراء في القطاع، فضلاً عن تعزيز الإرتباط مع البيئة المجتمعية وفهم احتياجاتها وتطلُّعاتها».
وتابع الدكتور المحروق: «أما عن التصوُّر المستقبلي، فأعتقد أن الإرتباط بين المعايير البيئية والتطوُّرات التكنولوجية، هو ما تعكسه الوقائع، حيث سيشهد القطاع المصرفي إستثمارات كبيرة في التكنولوجيا لتعزيز كفاءة العمليات وتقليل البصمة الكربونية. كما ستلعب تقنيات مثل الذكاء الإصطناعي والبلوك تشين دوراً رئيسياً في تحسين إدارة الموارد وزيادة الشفافية، وتالياً تطبيق أطر الحوكمة. كما ستُطوّر البنوك منتجات وخدمات مالية مبتكرة وخضراء تدعم الإستدامة، مثل حسابات التوفير الخضراء وقروض الطاقة المتجدّدة، والسندات الخضراء، وغيرها الكثير من المنتجات».
في الخلاصة، يُمكن القول، بحسب الدكتور ماهر المحروق «إن الإستدامة والتحوُّل نحو معايير الحوكمة البيئية والإجتماعية ستبقى في قلب التحوُّلات الحالية والمستقبلية للقطاع المصرفي، وهو ما سيُعزّز من نطاق ودور مساهمة القطاع المصرفي في الإقتصاد الأخضر والدائري المستدام وتطوير أدوات التمويل الأخضر، والإبتكار التكنولوجي، والتعاون مع الجهات المختلفة. لهذا ستبقى عملية المتابعة والتطبيق عملية مستمرة ومستدامة في ذاتها».