تعيينات مالية على وقع الفشل.. أموال المودعين في لبنان من يحميها
(العربية)-30/04/2025
تستكمل الحكومة اللبنانية ملف التعيينات في المراكز المالية، وذلك بعد تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان كريم سعيد. بدأت الحملات من لجنة الرقابة على المصارف التي عينت في منتصف العام، للسعي للتجديد لها من قبل رئاسة الحكومة، إذ تعدّ اللجنة أعلى سلطة رقابية على القطاع المصرفي، حيث تتألف من رئيس وأربعة أعضاء آخرين.
وتقود هذه الحملة رئيسة اللجنة ميا الدباغ، وبعيدًا عن الكيفية التي تتم فيها التعيينات في لبنان، إلا أن مصادر قانونية متابعة لملف أموال المودعين منذ اندلاع الأزمة تستغرب الحشد للتجديد للجنة، الذين يسجل عليهم أنهم لم يقوموا بحد أدنى من الموجبات القانونية الملقاة على عاتقهم لحماية المودعين والنظام المصرفي أيضًا.
يقول أحد المصادر إن لجنة الرقابة على المصارف عندما أُنشئت بموجب القانون 67/28، منحها القانون استقلالية أي جعلها غير خاضعة في أعمالها لسلطة مصرف لبنان، وأن لها صلاحية الرقابة على المصارف، بمعنى أنها مخولة بمراجعة وضع كل مصرف ووضع تقرير عنه لترفعه إلى حاكم المصرف المركزي، كما ومنح القانون اللجنة إمكانية وضع نظام خاص لأي مصرف متعثر أو يعاني من مشاكل للسير عليه من أجل إعادة انتظامه، وهذا ما لم تقم به اللجنة التي استلمت مهامها مع بداية الأزمة.
وكانت اللجنة على دراية بأن المصارف مثقلة بالمشاكل دون حلول من الأجهزة الرقابية وحتى التشريعية. والحد الأدنى من اللجنة أنه كان عليها أن تستشرف أن المصارف مقبلة على التوقف عن الدفع بسبب المشكلات التي تعاني منها، فلو بادرت يومها ووضعت لكل مصرف برنامجًا على حدة، من خلال تقييم وضعيته بداية الأزمة، لكانت تفادت كل التعقيدات التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه، فأصبحنا وفقًا للمصدر، بحاجة لإصدار حزمة قوانين جديدة كقانون إصلاح وضعية المصارف الذي يعد خليطًا من قوانين عدة موجودة في الأساس.
كما لم تقم اللجنة بإعداد التقارير الدورية المتعلقة بالرقابة على أعمال المصارف والشركات المالية، ودراسة السوق لتتبُّع بدء تفشي ظاهرة الاقتصاد النقدي، أو ما يعرف بالكاش إيكونومي، والتي تشكل بيئة جاذبة لتبييض الأموال. لو قامت بذلك ورفعته إلى هيئة التحقيق الخاصة لما كان الاقتصاد النقدي ليتخطى بحسب البنك الدولي، قيمة 10 مليار دولار في السوق اللبنانية.
لمن الأولوية؟ للمودعين أم لحمَلة السندات؟
بينما يتسابق العالم اليوم لاستقطاب رؤوس الأموال وجذبها، لا سيما الخليجية منها، لم يبادر المسؤولون في لبنان بالتواصل مع كبار المودعين الذين كان لهم الدور الأبرز بدعم القطاع المصرفي ورفده بالعملة الصعبة، إذ تشكل ودائع غير المقيمين حتى نهاية العام 2024، ما يقارب 20.9 مليار دولار، وتقدر مصادر مصرفية أن أكثر من نصف هذه الأموال، عائد لمودعين خليجيين.
ولم تكلف لجنة الرقابة على المصارف حماية هذه الأموال كما سائر أموال المودعين، والمقدرة لغاية التاريخ المذكور آنفًا بـ67.3 مليار دولار، على أساس أنها محمية بموجب الدستور. بل على العكس، إن الخوف اليوم هو مما ستؤول إليه الأمور مع إقرار قانون معالجة وضعية المصارف وقانون تحديد الفجوة المالية ليبنى على الشيء مقتضاه بعودة الانتظام المالي في لبنان. إذ إن كل الشكاوى التي تقدم بها الوكلاء القانونيون للمودعين لم تأخذها لجنة الرقابة على المصارف على محمل الجد، بل على العكس ذهب مسؤولو اللجنة أبعد من ذلك، ولم يستقبلوا الجمعيات التي ينتمي إليها المودعون. فكيف ستجدد الحكومة للجنة لم تلتزم أحكام القانون، والغاية التي شكلت من أجلها، ألا وهي حماية النظام المصرفي والمودعين.
وفي ظل تعقيدات المشهد الحالية من المفترض اليوم الإتيان بأهل الاختصاص وتعيينهم لمعالجة الأزمات المتكدسة، لا تدوير الأزمة مع الوجوه الشاهدة عليها، والتي خولها القانون ومنحها صلاحيات التصرف لحماية القطاع المصرفي، ولم تحرك ساكنًا. وكأن ثمة ما يوحي بأن الأمر متروك للاستمرار بسياسة ذوبان الودائع وخسارة قيمتها بسبب عوامل التضخم ناهيك عمّا يدور في الكواليس من خطط لشطب جزء من الودائع التي تفوق 500 ألف دولار، وهو أمر مرفوض وربما سيواجه بأشد حملات الدعاوى الدولية.
في ظل تعقّد أزمة الودائع في القطاع المصرفي، بات من الضروري على الدولة اللبنانية الدخول في مفاوضات جدّية مع المودعين، لا سيما كبارهم، من أجل التوصّل إلى آليات واضحة وعادلة لإعادة أموالهم، بما يراعي حقوق أصحاب المصلحة ويحفظ الاستقرار المالي. ويقتضي ذلك أيضاً الاستعانة بشخصيات ذات كفاءة ونزاهة لتطبيق القانون وإنفاذ الحلول المطروحة بفعالية ومصداقية.