هل سيعزز الاقتصاد الأميركي النمو العالمي؟
(العربية)-04/03/2024
*محمد العريان
إن ما يحدث في الولايات المتحدة لا يقتصر عليها وحدها، بل يعتمد الاقتصاد العالمي على أميركا، باعتبارها المحرك الرئيس للنمو، كما تعتمد الأسواق المالية العالمية على رغبة المستثمرين الأميركيين الملحة لخوض المخاطر. أصبح هذا الأمر واضحا بشكل خاص في 2023 عندما عانت الاقتصادات الكبرى مثل اليابان والمملكة المتحدة الركود، وتجنبت ألمانيا أزمة مماثلة بصعوبة، وواجهت الصين عقبات أمام النمو وجيوب الديون المرتفعة.
ومع ذلك، تعتمد قدرة الاقتصاد الأميركي على دفع النمو العالمي في 2024 على أجوبة ثلاثة أسئلة رئيسة. أولا، هل يستطيع الاقتصاد المحلي الحفاظ على زخم النمو الحالي وتحقيق أقل مستويات الهبوط الناعم؟ وثانيا، هل يمكن أن يظل مرنا في مواجهة الانقسامات السياسية الداخلية والشكوك الجيوسياسية في مختلف أنحاء العالم؟ وأخيرا، هل سيتمكن المستثمرون من تأمين السيولة الكافية لإعادة تمويل الديون المتراكمة خلال عصر أسعار الفائدة المنخفضة بشكل مصطنع وضخ السيولة المرتفعة بشكل استثنائي من قبل البنوك المركزية؟
أجد نفسي أتخذ وجهة نظر أكثر دقة. يجب النظر في القضايا الرئيسة الثلاث.
فلا شك أن الاقتصاد الأميركي يتمتع بميزتين كبيرتين مقارنة بالاقتصادات الكبرى الأخرى: تعد محركات النمو الحالية الخاصة به أكثر ديناميكية، وقد اتخذ تدابير مهمة لتعزيز محركات النمو المستقبلية والاستثمار فيها. ويساعد هذا في تفسير سبب تجاوز الولايات المتحدة التوقعات في 2023، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.9 % و3.3 % في الربعين الثالث والرابع على التوالي. وفي المقابل، انكمشت اقتصادات ألمانيا واليابان والمملكة المتحدة، في حين جازفت الصين، التي تعاني مشكلات دورية، بالوقوع في فخ الدخل المتوسط المثير للقلق.
ومع ذلك، يواجه الاقتصاد الأميركي أيضا تحديات هائلة. فقد قدمت الولايات المتحدة في 2024 ميزانية أسرية أضعف، التي تميزت بانخفاض المدخرات وارتفاع مستويات الديون. وهذا يقلل من الفعالية المستقبلية للإنفاق الاستهلاكي كمحرك مباشر وغير مباشر للنمو. علاوة على ذلك، في ظل تراجع معدلات التضخم، يتمثل الخطر الأكبر في أن يؤدي اعتماد بنك الاحتياطي الفيدرالي المفرط على البيانات التاريخية إلى ارتكاب خطأ آخر على صعيد السياسة النقدية.
وتتفاقم هذه التحديات نتيجة الشكوك المحلية والجيوسياسية التي لم تنعكس بشكل كاف في علاوات مخاطر السوق والتقييمات الاقتصادية. وقد أصبح احتمال التصعيد في الشرق الأوسط كبيرا مع ارتفاع عدد الوفيات بين المدنيين وزيادة المعاناة الإنسانية في غزة بشكل مقلق بالفعل.
وتتمثل المسألة الثالثة فيما إذا كان بإمكان الأسواق مواجهة إرث إعادة التمويل المتمثل في الإفراط في خوض المجازفات والذي عملت على تغذيته السنوات التي عرفت أسعار الفائدة المنخفضة بشكل مصطنع، وضخ كميات هائلة من السيولة، والاعتماد المتبادل غير الصحي بين بنك الاحتياطي الفيدرالي والأسواق المالية. ويعد قطاع العقارات التجارية، حيث من المقرر استحقاق دفع ديون بقيمة نحو 1.5 تريليون دولار بحلول نهاية 2025، مثالا رئيسا على ذلك.
ومع ذلك، هناك مجالات أخرى مثيرة للقلق، خاصة في إطار القطاع غير المصرفي الذي يخضع لقيود تنظيمية خفيفة وغير المفهوم بالقدر الكافي.
وتشكل كل هذه العوامل مجتمعة تحديا لتلقائية التوقعات المتفق عليها المتمثلة في الهبوط الناعم لاقتصاد الولايات المتحدة وقدرته على تعزيز النمو العالمي. وبالنظر إلى بقية العام، فإنني أقدر احتمالات الهبوط الناعم بنحو 55 %. وهناك أيضا احتمال بنسبة 30 % أن تعاني الولايات المتحدة الركود، وهناك احتمال بنسبة 15 % أن تؤدي الابتكارات التحويلية المستمرة – خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، وعلوم الحياة، والتكنولوجيات الخضراء ــ إلى تحقيق نجاح غير متوقع.