سابقة مصرف لبنان في الزمن الصعب: تخطّي المليار دولار زيادةً في الإحتياط
(النهار)-04/03/2024
شكّلت السياسة النقدية المتّبعة لدى مصرف لبنان نجاحاً لافتاً بالارقام في الاشهر الماضية، رغم ان الظروف السياسة والاقتصادية الداخلية، وشلل المؤسسات بالاضرابات المتتالية، وإقفال دوائر أساسية كالعقارية، والاوضاع الميدانية الحدودية والاقليمية، كلّها ضاغطة جداً، لا تخدم المسار النقدي والمالي في بلد مأزوم أساساً، فأدّت حرب غزة ومواجهات الجنوب الى تجميد حركة السياحة والمغتربين منذ مطلع تشرين الاول الماضي، وبالتالي الحدّ من الايرادات بالدولار.
من هنا يمكن وصف الصمود النقدي في لبنان حالياً بالمهم، لكن الإنجاز الأهم لـ”المركزي” هو نجاحه في جمع مبلغ مالي، علمت “النهار” انه وصل الى مليار وتسعة ملايين دولار كاحتياط إضافي، لغاية مطلع شهر آذار الحالي، من دون تكاليف. وبحسب المعلومات فإنّ “المركزي” سينشر الارقام بالتفصيل والتي ستبيّن الزيادات في الاحتياط، وعدم المسّ بالإيداعات، وهي المرة الاولى التي يستطيع فيها مصرف لبنان ان يصل الى جمع هذا الرقم من دون أعباء، في وقت ثبّتت اجراءات المركزي سعر صرف الليرة، فلم يهتز منذ مطلع الصيف الماضي، مما أوجد استقراراً نفسياً بالدرجة الاولى عند المواطنين، ومنع المضاربين من استغلال تبدّلات سعر الصرف التي كانت سائدة سابقاً. كيف ذلك؟
يقول مطّلعون إن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري استطاع ان يضبط لعبة النقد بميزان حسّاس، بدءاً من وقف المسّ بأموال المودعين وعدم تمويل الدولة، وهو التزام مبدئي اتبعه، مروراً بإخراج المضاربين من خريطة السوق، وصولاً الى تنفيذ عمليات بيع الليرة مقابل الحصول على الدولار بصورة مدروسة ومتوازنة، مما أوجد ركيزة احتياطية بالعملة الصعبة، ودفعِ رواتب موظفي القطاع العام بالدولار، وصرف أموال المتعهدين والشركات ودفع مستحقاتهم بالليرة من موازنة الدولة اللبنانية حصراً، كشركات الاتصالات، والكهرباء، وجمع النفايات، ومستحقات المستشفيات والدواء، والمؤسسات الامنية والعسكرية، وغيرها.
واذا كان هناك مَن سأل: لماذا يصرّ منصوري على دفع الرواتب بالدولار بدل الليرة، وما هي علاقته بالمسألة؟ الجواب يكمن في قيام “المركزي” بتحويل الرواتب التي تدفعها الدولة من موازنتها لموظفيها من الليرة الى الدولار، من اجل الحفاظ على الاستقرار النقدي، لأن ضخ اموال كبيرة بالليرة حالياً، خصوصاً بعد الزيادات التي أقرها مجلس الوزراء سيُغرق السوق بها ويسبب التضخّم، في ظرف لبناني صعب تغيب عنه الاصلاحات، ويعيد المضاربين والتجّار الى لعبة تقضم من قيمة الرواتب عملياً.
وكان قرار عدم تمويل الدولة أجبر مؤسساتها ووزاراتها على ضبط الهدر المالي والتهرب الجمركي والضريبي، وعندما تثبّت الاستقرار النقدي، أقدمت المؤسسات والشركات على دفع مستحقات الدولة الضريبية عليها، مما ساهم في زيادة ايرادات الدولة التي تستطيع حالياً ان تموّل رواتب الموظفين من موازنتها، من دون الاستعانة بمصرف مركزي لم ولن يموّلها، رغم ان دوائر عدّة تُدخل الايرادات الى خزينة الدولة، كالعقارية والنافعة، تُقفل ابوابها، في ظل عجز الحكومة عن فرض حل نهائي لتلك المعضلة.
يعتبر المطّلعون ان تلك الاجراءات التي اتخذها المصرف المركزي ساهمت في الحد من تداعيات الازمة المالية التي تصيب لبنان، فقدّم أداء منصوري نموذجاً لإمكان فرض حلول داخلية صرفة لحماية الدولة ومنع انهيارها، لكن الكرة تبقى في ملعب السياسيين بدءاً من الحكومة الى مجلس النواب وخلفهما القوى السياسية، الذين يتقاذفون مشاريع اصلاحية باتت ممراً اجبارياً لأي حل في لبنان. وهو ما يشدّد عليه الحاكم بالإنابة في كل جلساته: لا بدّ من سلوك درب الاصلاح المالي عبر تشريعات لإيجاد حلول جذرية، وخصوصاً في قضية الايداعات المصرفية التي تشكّل قاعدة أي حلّ.
وبحسب معلومات “النهار” فإن العواصم الدولية تراقب من كثب مسار الوضع المالي، وتحرص على منع انهيار الدولة اللبنانية، ومن هنا جاءت الإشادة بخطوات منصوري في زياراته المتتالية الى عواصم عربية وغربية، كان آخرها بريطانيا وفرنسا، واجتماعاته مع مسؤولي صناديق النقد الدولية والعربية، في خطوات تعكس اهمية الاهتمام الدولي بلبنان، وتُنهي القطيعة الدولية المالية للمصرف المركزي. ثم جاء لقاء السفيرة الكندية مع منصوري في منزلها في بيروت قبل يومين، بحضور سفراء دول عدّة، لتأكيد متابعة عواصم العالم للوضعين المالي والنقدي اللبناني.