زيارة إيجابية للعالم .. من الرياض
(العربية)-14/05/2025
م. عبدالرحمن النمري
زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية تمثل محطة مهمة جدا في مسار العلاقات السعودية الأميركية، وتأتي في وقت يمر فيه العالم بتحولات عميقة على المستويين السياسي والاقتصادي. هذه الزيارة ليست مجرد مناسبة بروتكولية، بل يجب أن تكون في رأيي فرصة حقيقية لإعادة صياغة العلاقة بين الرياض وواشنطن وفق معطيات المرحلة والتغيرات العالمية المتسارعة، والطاقة بلا شك من الملفات الجوهرية التي تتطلب مزيدا من التكامل.
العلاقات السعودية الأميركية ليست جديدة، لكنها بحاجة اليوم إلى تجديد المفاهيم بما يتجاوز النماذج التقليدية للتعاون. في عالم يتغير بسرعة، بات من الضروري أن تتحول الشراكة بين البلدين إلى شراكة تقوم على الابتكار المشترك، وتبادل المصالح في ملفات إستراتيجية مثل تحولات الطاقة، وأمن سلاسل الإمداد، وتقنيات الطاقة بأنواعها.
السعودية، كأكبر مصدر للنفط في العالم، ليست مجرد مزود تقليدي للطاقة، بل لاعب محوري في صياغة مستقبل القطاع. رؤية السعودية 2030، التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تسعى إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، لكنها في الوقت نفسه تعيد تعريف دور السعودية في سوق الطاقة العالمية. من الهيدروجين النظيف إلى الاستثمارات في الطاقة المتجددة، وكذلك الطاقة النووية، وكذلك تتحرك لتصبح مركزا للطاقة بمفهومها الشامل، وليس فقط التقليدي منها.
من جانب آخر، تواجه الولايات المتحدة تحديات كبيرة في مجال الطاقة، خصوصا مع تزايد الطلب المحلي، وتحولات السوق العالمية، والضغوط البيئية والتشريعية. من هنا، تبدو الفرص واضحة لتعاون سعودي أميركي جديد، يقوم على تطوير تقنيات الطاقة لرفع كفاءة استخراج واستهلاك جميع مصادر الطاقة، وتبادل الخبرات في مجالات مثل احتجاز الكربون، وتخزين الطاقة، والبحث العلمي.
كما أن الاستثمار في البنية التحتية للطاقة بين البلدين يمكن أن يفتح آفاقا جديدة، فالشركات الأميركية تمتلك التقنية، والسعودية تمتلك الموارد والأسواق والرؤية والأهم من ذلك كله الالتزام. هذه المعادلة قادرة على خلق قيمة مضافة حقيقية، بعيدا عن نمط العلاقات التقليدي.
زيارة الرئيس ترامب يجب أن تقرأ ضمن هذا السياق الأوسع، كونها ليست فقط تعبيرا عن علاقات تاريخية، بل فرصة لإطلاق حوار إستراتيجي اقتصادي جديد، تكون الطاقة محوره، والابتكار محركه، والمصالح المشتركة أساسه.
ختاما، لا تكمن أهمية الزيارة في عدد الصفقات الموقعة، بل في نوعية التفكير الذي تقوده، وفي مدى قدرتها على فتح مسارات تعاون فعالة تواكب التحديات العالمية وتخلق مستقبلا اقتصاديا مستداما للبلدين، وأعتقد أن تكون مخرجات هذه الزيارة إيجابية للعالم بأسره وليس للبلدين فقط.