صكوك الجزائر: مساعٍ لتخفيف عبء تمويل المشاريع العمومية
(الدستور)-24/06/2025
فيما كانت أسعار النفط تشهد تراجعاً حاداً يؤثر على إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، اتخذت الجزائر قرارًا يؤسس لإصدار صكوك سيادية إسلامية لأول مرة في تاريخها، في إجراء يهدف إلى تخفيف العبء عن الخزينة العمومية لتمويل منشآت وتجهيزات ذات طابع تجاري تعود ملكيتها للدولة.
وبحسب ما نشرته « العربي الجديد «، فقد جاء هذا الإجراء ضمن قرار مؤرخ في 1 يونيو/حزيران 2025، صادر عن وزارة الخزانة (المالية)، في إطار تنفيذ ما نص عليه قانون الموازنة العامة لسنة 2025، لا سيما المادة 179، التي تسمح للخزينة العمومية بإصدار أدوات مالية بديلة، بما في ذلك الصكوك الإسلامية. كما يستند القرار إلى القانون النقدي والمصرفي لسنة 2023، الذي وضع الإطار القانوني للتمويل الإسلامي في الجزائر، بالإضافة إلى المرسوم التنفيذي رقم 20-02 الذي ينظم نشاطات التمويل الإسلامي على مستوى البنوك والمؤسسات المالية.
صكوك قابلة للتداول:
وبحسب القرار، تهدف الصكوك السيادية إلى تمويل أصول منقولة أو غير منقولة، قائمة أو سيتم إنجازها، بشرط أن تكون ذات طابع تجاري وتعود ملكيتها الكاملة للدولة. وتشمل صيغ التمويل المعتمدة: الإجارة، والمشاركة، والمضاربة، والاستصناع، والوكالة، على أن تكون هذه الصيغ مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية، ويشترط إصدارها باسم الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
ويشدد القرار على أن هذه الصكوك ستكون قابلة للتداول، ولا تصدر إلا من الخزينة العمومية أو من هيئة مفوضة لهذا الغرض. ويجب أن تكون محل ملكية جماعية بين حاملي الصكوك، وتمثل حصة شائعة في أصول مادية أو منافع أو خدمات أو صكوك استثمار، بما ينسجم مع المعيار الشرعي رقم 17 الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية. منح القرار الجديد السلطات الجزائرية مسؤولية الإشراف على العملية لوزير المالية، الذي يحدد شروط وتفاصيل كل إصدار، كما يمكن له تفويض مدير الخزينة والمحاسبة بمتابعة العمليات المرتبطة بإصدار الصكوك، بما في ذلك فتح سجلات الاكتتاب وإصدار الصكوك والتصرف في عائداتها.
وتُنفذ العمليات المالية للصكوك السيادية عبر حسابات خاصة تُفتح لدى بنك الجزائر المركزي باسم الخزينة العمومية، مع إمكانية إسناد هذه المهام إلى بنك أو مؤسسة مالية خاضعة للقانون الجزائري.
كما يُسمح بإعادة شراء الصكوك من الدولة، كليًا أو جزئيًا، قبل نهاية أجل الاستحقاق، وفقًا لشروط يتم الإعلان عنها مسبقًا. ويعكس هذا القرار رغبة السلطات الجزائرية في البحث عن بدائل تمويلية جديدة بعيدًا عن الآليات التقليدية التي أثقلت كاهل الخزينة خلال السنوات الأخيرة، لا سيما في ظل انخفاض عائدات النفط وتذبذب السوق العالمية. محاولة لسد العجز وتُعتبر الصكوك السيادية الإسلامية أداة استراتيجية لاستقطاب المدخرات المحلية وتشجيع الاستثمار في مشاريع إنتاجية تعود ملكيتها للدولة، من دون اللجوء إلى الاقتراض الداخلي التقليدي الذي ترفضه شرائح واسعة من الجزائريين بسبب القروض الربوية، أو الاستدانة الخارجية التي تتحسس منها السلطات الجزائرية كثيرًا، أو سياسة التمويل غير التقليدي (طبع العملة).
وكانت السلطات الجزائرية قد أطلقت في إبريل/نيسان 2016، عملية اقتراض داخلية في شكل سندات خزانة بنسب فوائد فاقت 5%، مكنتها من تحصيل قرابة 6 مليارات دولار، وهي نتيجة وصفها خبراء حينها بـ»الضعيفة»، وتعكس عزوف مواطنين عن العملية بسبب الفوائد الربوية.
في هذا السياق، يرى الخبير المالي وأستاذ الاقتصاد بجامعة ورقلة الحكومية جنوبي البلاد، سليمان ناصر، أن التراجع الحاد في أسعار النفط في السوق الدولية قد يشكل محفزًا لتسريع إطلاق الصكوك السيادية الإسلامية. ومع ذلك، يشير إلى أن هذه الخطوة تأخرت كثيرًا، لا سيما أننا في منتصف السنة بينما تواصل الدولة نفقاتها، في ظل عجز موازنة يُقدَّر بأكثر من 8 آلاف مليار دينار (حوالي 62 مليار دولار).
وأوضح الخبير في حديث لـ «العربي الجديد»، أن الحكومة تهدف من وراء هذا الإجراء إلى تقليص عجز الموازنة، بالإضافة إلى المضي قدمًا في تطبيق المالية الإسلامية في الجزائر التي تعتمد على ثلاثة أسس رئيسية: الصيرفة الإسلامية، التأمين التكافلي، والصكوك. وأشار المتحدث إلى أن الصيرفة الإسلامية والتأمين التكافلي قد تم إدراجهما بالفعل في القانون النقدي والمصرفي لعام 2023، وجاء الدور الآن على الصكوك لاستكمال الأساس الثالث للمالية الإسلامية.
أكبر موازنة في تاريخ الجزائر:
ويشرح سليمان ناصر أن موازنة هذا العام، وهي الأكبر في تاريخ البلاد، تُقدَّر بما قيمته 126 مليار دولار، اللافت أن نصفها عبارة عن عجز، بينما لم تقدم الحكومة لنواب البرلمان خلال المناقشات جوابًا واضحًا عن كيفية سد هذا العجز. وحسب الخبير، فإن الحكومة تسعى من وراء هذا الإجراء إلى تعبئة مدخرات من الاقتصاد الموازي، خاصة من خلال الصكوك الإسلامية.
وتساءل: «هذا الإجراء تأخر كثيرًا لأننا في منتصف السنة بينما نفقات الدولة مستمرة، والسؤال المطروح: هل المدة المتبقية كافية لكي تكون الحكومة قادرة على تقليص العجز من خلال إصدار هذه الصكوك السيادية الإسلامية؟». ويؤكد أستاذ الاقتصاد بجامعة ورقلة أن الحكومة اختارت هذا المنحى، أي صكوكًا إسلامية، لتضمن انخراطًا واسعًا للجزائريين في العملية، وبالتالي تحصيل أموال معتبرة في إطار مالية إسلامية، لكونها خالية من الفوائد الربوية، التي يتحرج منها الكثير من الجزائريين.
ويقول في هذا الصدد إن «الحكومة تعول عليها لامتصاص قدر كبير من الأموال المتداولة في الاقتصاد الموازي، لكن هل تنجح الحكومة في تعبئة مدخرات كبيرة من وراء هذه العملية ولا تكرر نكسة القرض السندي لعام 2016؟ هذا يعتمد على اقتناع الشعب بمدى مشروعية هذه الصكوك السيادية الإسلامية، وهل هي مطابقة للشريعة الإسلامية أم لا؟
وهذا الاقتناع، وفق ناصر، يعتمد على حصول هذه الصكوك على صفة الشرعية من طرف هيئة رقابة مخوّلة قانونًا، لأن الهيئة السابقة (الهيئة الشرعية الوطنية للإفتاء للصناعة الإسلامية) التي شكّلها المجلس الإسلامي الأعلى (هيئة دينية استشارية تابعة لرئاسة الجمهورية)، جُمّد نشاطها حاليًا.
ويلفت الخبير المالي إلى أن القرار الجديد لوزارة المالية لم يشر إلى أن الصكوك سوف تحصل على المطابقة الشرعية من طرف هذه الهيئة المخولة قانونًا للإفتاء في هذا الأمر، واكتفى بالإشارة إلى أن المطابقة سوف تحصل عليها من طرف المجلس الإسلامي الأعلى. ويعلق بالقول: «إذا لم يثق المواطن في هذا الإجراء، فأخشى ما أخشاه أن تكون الحصيلة هزيلة، خصوصًا أن الجزائر ليست موحدة في ما يتعلق بالفتوى، لأن هناك من يعتمد على المرجعية الوطنية المالكية، وهناك من ينتظرها من وراء البحار ..».