كيف نحمي المصارف العربية من الجريمة المالية ومخاطرها الجسيمة؟
د. وسام فتوح
الأمين العام لإتحاد المصارف العربية
لا شك في أن المصارف والمؤسسات المالية العربية تُعد خط الدفاع الأول لمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، شرط أن تمتلك، لذلك الموارد والخبرة والمعرفة الكافية والعميقة للآليات والقنوات.
وفي هذا السياق، يُولي إتحاد المصارف العربية مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أهمية قصوى، نظراً إلى خطورتها الكبيرة على المصارف والإقتصاد في كل أنحاء العالم. فالخدمات والمنتجات المصرفية التي تتطوّر وتتشعّب وتتعقّد بإستمرار، قد تتيح المزيد من الفرص لمرتكبي الجرائم المالية.
وبينما تُعدُّ المصارف الأكثر إستهدافاً للجرائم المالية وغسل الأموال، إلاّ أنها في الوقت عينه، الوسيلة والأداة الرئيسية لمكافحة ذلك. من هنا يُلاحظ أن الهدف الرئيسي من تنظيم إتحاد المصارف العربية للنشاطات والفعّاليات هو تبيان التطوُّرات في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتعرُّف على القواعد الدولية الجديدة في هذا المجال.
وفي السياق عينه، نؤكد أهمية تعزيز التعاون القائم بين القطاعين العام والخاص بما فيه التعاون مع المؤسسات المالية العربية، بهدف حماية القطاع المصرفي العربي والحفاظ على العلاقات بين المصارف ضد هذه الآفة.
ولا يزال إتحاد المصارف العربية يعمل على حماية القطاع المصرفي منذ أعوام عدة، بما فيها مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب ومكافحة الفساد والرشوة، وهذه أهم متطلّبات العمل المصرفي، وهي كذلك إحدى متطلّبات البنوك المراسلة. ولا يستطيع أيّ بنك مراسل التعامل مع أي بنك آخر إلاّ من خلال قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والفساد والرشوة.
وفي ظل التكنولوجيا والتطوُّر الحاصل في العالم، برز موضوع الأمن السيبراني، واليوم أصبحنا نتحدث عن digital banks و digital assets والعملة الرقمية، وبالتالي إحتمال خرق هذه الأنظمة المصرفية، بات إحتمالاً كبيراً لا بل أكثر خطورة في هذه الفترة. من هنا، يحرص إتحاد المصارف العربية على التعاون مع شركائه الدوليين والخبراء العالميين في هذا المجال.
إننا نعيش حالياً في عصر تسوده التغيُّرات غير المسبوقة وحالة من عدم اليقين، ولا يُمكن أن يكون موضوع الإتجاهات الناشئة في إدارة المخاطر أكثر أهمية أو تأثيراً مما هو عليه الآن، فالبيئة التي نعمل فيها ديناميكية ومعقّدة حيال التطورات التكنولوجية والتغيُّرات التنظيمية، إضافة إلى الأزمات العالمية والمخاطر البيئية، مما يفرض علينا إتباع نهج متكامل وإستباقي لإدارة المخاطر.
ولا شك في أن التحوُّل الرقمي في القطاع المصرفي أحدث ثورة في طريقة تقديم الخدمات المالية، فمن المصرفية الإلكترونية إلى الخدمات المالية عبر الهواتف الذكية، حيث أصبحت التقنيات الرقمية جزءاً لا يتجزأ من العمليات المصرفية. لكن مع هذه الفرص تأتي مخاطر جديدة، أبرزها مخاطر الأمن السيبراني.
في المحصّلة، من الضروري أن تدمج المصارف المخاطر البيئية في إستراتيجياتها لإدارة المخاطر، ومن خلال تبنّي معايير الحوكمة البيئية والإجتماعية (ESG)، يُمكن للمصارف أن تحمي نفسها من المخاطر المستقبلية، وفي الوقت نفسه تستفيد من الفرص المتاحة للإستثمار في المشاريع المستدامة، أما في ما يتعلّق بالمخاطر الإئتمانية والتي هي من أكبر التحدّيات التي تُواجه المصارف، ومع إزدياد التقلُّبات الإقتصادية العالمية، يُصبح من الضروري للمصارف أن تُعيد النظر في سياساتها المتعلّقة بتقييم الجدارة الإئتمانية.