ترمب ينهي 46 عاماً من العقوبات على سوريا.. ما الذي تغيّر؟
(الوفد)-07/02/2025
على مدى أكثر من أربعة عقود، ظلت سوريا ترزح تحت وطأة العقوبات الأميركية، محرومة من أدوات التنمية والانفتاح الدولي، ومعزولة عن النظام المالي العالمي. غير أن قراراً تاريخياً صدر في 30 يونيو 2025، عندما وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمراً تنفيذياً ينهي العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، في خطوة تهدف إلى دعم الاقتصاد السوري المتعثر ومساندة الحكومة الجديدة التي تولّت السلطة عقب الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في العام الماضي.
لم يكن القرار مجرد تعديل إداري، بل مثّل نقطة تحوّل تاريخية تعيد الأمل لشعب أنهكته الحرب والعزلة. ومع بدء صفحة جديدة في العلاقات الدولية، تستعد دمشق للعودة إلى محيطها العربي والدولي من بوابة الاقتصاد.
فيما يلي، نستعرض أبرز ملامح العقوبات التي فُرضت على سوريا، والقطاعات المستفيدة من رفعها، وما تبقّى من قيود لم تُلغَ بعد، ومبررات القرار الأميركي المفاجئ.
1) العقوبات الأميركية على سوريا.. متى بدأت ولماذا؟
بدأت أولى العقوبات الأميركية على سوريا في عام 1979، حين أدرجتها واشنطن على قائمة الدول الراعية للإرهاب. وشملت تلك العقوبات حظراً على تصدير الأسلحة وقيوداً مالية مشددة. وفي عام 2004، أصدر الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأمر التنفيذي رقم 13338، الذي فرض مزيداً من القيود على تصدير السلع الأميركية إلى سوريا باستثناء الأغذية والأدوية، استناداً إلى “قانون محاسبة سوريا” الذي أقره الكونغرس.
ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، توسعت واشنطن في فرض عقوبات إضافية، تضمنت تجميد أصول كبار المسؤولين وعلى رأسهم بشار الأسد، وحظر الاستثمارات والمعاملات المالية، إلى جانب فرض قيود على استيراد النفط السوري.
2) ما العقوبات التي رُفعت عن سوريا؟
القرار التنفيذي الذي وقّعه ترمب رفع حزمة واسعة من العقوبات الاقتصادية، شملت:
رفع الحظر عن البنك المركزي السوري، ما يتيح عودة التحويلات المالية والتعاملات المصرفية الدولية.
السماح بالاستثمار في قطاع الطاقة، بما في ذلك شركات النفط والغاز الحكومية.
إلغاء القيود على شركات الشحن والتأمين والطيران والنقل البحري المرتبطة بالدولة.
إعادة فتح باب التبادل التجاري مع سوريا، باستثناء المواد ذات الاستخدام المزدوج أو المحظورة أمنياً.
السماح بتقديم الخدمات المالية والتجارية للمؤسسات الحكومية السورية.
رفع الحظر الأوروبي على استيراد النفط والمعادن الثمينة من سوريا، والذي فُرض منذ عام 2011.
بهذا، تخرج سوريا من قائمة أكثر الدول تعرضاً للعقوبات بعد روسيا وإيران، كما كانت في عهد بشار الأسد.
3) ما العقوبات التي لا تزال قائمة؟
رغم الخطوة الأميركية، لا تزال عدة قيود سارية، أبرزها:
“قانون قيصر” الذي يُعد من أشد العقوبات، ويمنع أي تعامل مالي أو تجاري مع الحكومة السورية السابقة أو الداعمين لها، ولا يمكن رفعه إلا عبر تشريع في الكونغرس.
قانون “الكبتاغون”، المخصص لمحاربة تجارة المخدرات في سوريا، ولا يزال يستهدف شخصيات مثل ماهر الأسد.
العقوبات المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان، والتي تشمل الرئيس بشار الأسد وكبار مسؤولي نظامه.
4) لماذا قررت واشنطن رفع العقوبات الآن؟
جاء القرار عقب مراجعة شاملة للسياسات الأميركية تجاه سوريا بعد سقوط نظام الأسد. وأظهرت المراجعة أن استمرار العقوبات الشاملة لم يعد يحقق أهداف واشنطن، بل يفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسانية ويعوق عملية إعادة الإعمار.
التحول في الموقف الأميركي جاء بعد لقاء جمع ترمب بالمعارض السوري السابق أحمد الشرع، الذي عرض تصوراً عملياً للمرحلة الانتقالية في سوريا، يركز على فصل النظام السياسي عن مؤسسات الدولة، وتمهيد الطريق لإصلاح اقتصادي متين.
وبناءً عليه، بدأت واشنطن بتخفيف القيود الاقتصادية، دون المساس بالعقوبات الفردية المتعلقة بانتهاكات موثقة.
5) من المستفيد من رفع العقوبات؟
شهد سعر صرف الليرة السورية تحسناً ملحوظاً فور إعلان القرار، ليستقر بين 11200 و11500 ليرة للدولار، مقارنة بـ12000 ليرة في نهاية يونيو. وساهم “التصريح العام 25” (GL25) الصادر في مايو، في فتح قنوات محدودة للتحويلات عبر منظمات إنسانية وبنوك خليجية، مما ساعد في تهدئة الأسواق.
وتتوقع الحكومة السورية أن ينخفض معدل التضخم السنوي من 79% إلى نحو 50% بنهاية عام 2025، إذا استمرت المؤشرات الاقتصادية في التحسن.
ووفقاً لتصريحات وزير المالية السوري محمد يسر برنية، فإن رفع العقوبات سينعكس إيجاباً على أكثر من 500 مؤسسة وهيئة داخل البلاد، مما يفتح آفاقاً جديدة للاستثمار وإعادة الإعمار.
بهذا القرار، تكون واشنطن قد دشّنت بداية مرحلة جديدة في العلاقة مع سوريا، قائمة على دعم الاستقرار الاقتصادي والإصلاح المؤسسي، مع الإبقاء على الضغط السياسي ضد رموز النظام السابق. ومع تخفيف القيود، تبقى عيون السوريين معلقة بما سيجلبه المستقبل من تحوّل فعلي في حياتهم اليومية وفرصهم التنموية.