هل الأسواق المالية بحاجة إلى الاستعداد لخطر غزو صيني لتايوان؟
(العربية)-14/07/2025
برهنت الأعوام القليلة الماضية للمستثمرين على ضرورة توقع ما لا يمكن توقعه في المجال الجيوسياسي.
فقد كان اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا وكذلك النزاع واسع النطاق في الشرق الأوسط، من السيناريوهات الكبرى التي لم تكن واردة في حسابات كثيرين لتصور ما قد يحدث.
وتسلط مثل هذه التجارب الضوء على أهمية أن يتعامل صانعو السياسات، والمتعاملون في الأسواق، والمستثمرون بجدية مع واحد من أكبر المخاطر الجيوسياسية وأكثرها خطورة منذ وقت طويل، وهو احتمال غزو الصين لتايوان، وضرورة الاستعداد المسبق لمثل هذا السيناريو.
يعتقد الخبراء العسكريون في الولايات المتحدة أن الرئيس شي جين بينغ أصدر أوامره للجيش الصيني بالعمل على إمكانية غزو تايوان بحلول عام 2027، وفق تقرير نشرته «فاينانشال تايمز».
وعلى الرغم من أن هؤلاء الخبراء لا ينظرون إلى مثل هذا الهجوم باعتباره خطراً وشيكاً، إلا أن بيت هيغسيث، وزير الدفاع الأمريكي، حذر في الآونة الأخيرة من أن «الخطر الذي تشكله الصين حقيقي، وقد يكون وشيكاً».
ورغم هذا الخطر، إلا أنه لم يكن هناك الكثير من الاستعداد للتأثير المهم والبالغ الذي يمكن أن تشكله هذه المخاطر على الأسواق المالية العالمية.
حينها، ستكون التقلبات الناجمة عن إعلان التعريفات الجمركية في أبريل الماضي بمثابة قطرة في بحر الفوضى المهولة التي قد نشهدها حال عزل تايوان، وهي المصدر المهيمن عالمياً على إمدادات رقاقات الحاسوب وتقنيات مهمة أخرى، أو إذا جابهت الصين عقوبات أدت إلى شطب أسهمها من الأسواق الأمريكية.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن شركة «إنفيديا»، وهي دعامة رئيسة للأسواق، ما زالت تحقق قرابة نصف مبيعاتها في تايوان والصين وسنغافورة.
وتشير تقديرات شركة «جي تي إس»، المتخصصة في التداول الخاص والمسؤولة عن صناعة السوق لأكثر من 900 شركة متداولة، إلى أن الانهيار قصير المدى لسوق الأسهم الأمريكية قد يصل إلى 34% في حال حدوث الغزو الصيني لتايوان.
كذلك تشير دراسة أجراها أخيراً خبير اقتصادي يعمل بالمجلس الفيدرالي بسانت لويس، إلى أن «مثل هذا النزاع سيسفر على الأرجح عن هروب كثيرين إلى الأمان في أسواق الأصول، واضطرابات هائلة في التجارة العالمية، بالإضافة إلى مشكلات مصرفية، وهو ما سيفاقم إلى حد كبير من الضغوط المالية الراهنة».
وبالرغم من حتمية التأثر بالاضطرابات السوقية في مثل هذا السيناريو، إلا أن التأثير الإجمالي على المستثمرين الأمريكيين سيكون أخف وطأة إذا بدأ التخطيط له من يومنا الحاضر.
فعلى سبيل المثال، من المرجح أن يؤدي الغزو إلى دعوات لشطب الشركات الصينية من البورصات الأمريكية، وإلى حظر تداول الشركات الأمريكية لأسهم الشركات الصينية. لكن سيتفتق عن ذلك الخطر عدم يقين فوري للمتعاملين في السوق المالية.
وإذا كان صانعو السياسات سيسلكون هذا الطريق، فهم بحاجة إلى تحديد المدى الذي سيذهب إليه حظر تداول أسهم الشركات الصينية.
وهل سيكون الأمر مقصوراً على الولايات المتحدة فحسب، أم سيمتد أيضاً إلى كيانات مرتبطة بالشركات الأمريكية في الخارج؟ كما أننا لا نعلم كيف سيطبق هذا الحظر على الصناديق المتداولة في البورصة التي تشتمل على هذه الشركات في محفظتها الأساسية، أو حتى الصناديق التي تتبع المؤشرات التي تستند إلى أسعارها.
وقد يبدو للبعض أن هذه تفاصيل هامشية في سياق عقوبات اقتصادية شاملة، لكن الإجابات مهمة حينما ينطوي الإنفاذ على فرض عقوبات مدنية وجنائية شديدة ضد أي انتهاك.
وقد تكون التداعيات المرتبطة بالصين واسعة النطاق، فالولايات المتحدة لديها في الوقت الراهن قرابة 450 صندوقاً متداولاً في البورصة لديها انكشافات كبيرة على أسهم مدرجة بالصين.
وتشكل الصين نحو 30% من مؤشر «إم إس سي آي» للأسواق الناشئة البالغة قيمته 8.8 تريليونات دولار أمريكي، متفوقة بذلك على أي دولة أخرى في هذا، وتحتل كل من «تنسنت» و«علي بابا» قمة قائمة الشركات المدرجة في المؤشر.
واعتباراً من 7 مارس الماضي، كانت هناك 286 شركة صينية مدرجة في الولايات المتحدة تبلغ قيمتها السوقية مجتمعة 1.1 تريليون دولار، بزيادة قدرها 250 مليار دولار مقارنة ببداية عام 2024، بحسب لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأمريكية الصينية.
كذلك، يتعين على صانعي السياسة والمتعاملين في السوق النظر أيضاً إلى ما يطرأ على السوق من تغيرات في أوقات الأزمات، بما في ذلك الحدود القصوى للارتفاع والانخفاض للأسهم الفردية، وتجميد التداول الذي يشمل السوق برمتها، بالإضافة إلى تدخلات تنظيمية محتملة أخرى من شأنها تخفيف التقلبات.
ويجب إخضاع وسائل الحماية المهمة هذه للمراجعة استناداً إلى الخبرات الأخيرة؛ ضماناً لأن تؤتي ثمارها بصورة صحيحة.
وقد اتخذت أمريكا خطوة مهمة في هذا الصدد، بتقديم تشريع مشترك بين الحزبين في مايو الماضي بعنوان «مشروع قانون تحصين الأسواق الأمريكية من العدوان العسكري الصيني».
وبموجب مشروع القانون هذا، ستؤسس لجنة استشارية مكونة من خبراء في أسواق المال من القطاعين العام والخاص، تحت قيادة مجلس مراقبة الاستقرار المالي التابع لوزارة الخزانة، لتطوير خطة تستهدف حماية الأسواق الأمريكية في حال شن الجيش الصيني أي اعتداء ضد تايوان.
إنه من دون التخطيط المدروس والتواصل، يمكن أن يتسبب التهديد واسع النطاق في نضوب سيولة السوق فوراً في الوقت الذي تشتد الحاجة إليها.