المالية: «رؤية 2030» علّمت السعودية إعادة تقييم أولويات الإنفاق
(الشرق الاوسط)-07/08/2025
أكدت وزارة المالية السعودية أن المملكة باتت أكثر قدرة على «إعادة تقييم» أولويات الإنفاق في أوقات التحديات الاقتصادية، وذلك بفضل «رؤية 2030».
هذا ما أفصحته وزارة المالية السعودية في بيان خاص إلى «الشرق الأوسط» حول تقرير نتائج مشاورات المادة الرابعة الذي أصدره صندوق النقد الدولي حول اقتصاد المملكة، قبل أيام، والذي أشار إلى المرونة التي يتمتع بها، ومدى قدرته على مواجهة أي صدمات خارجية. كما تضمّن التقرير إشادات واضحة بالجهود التي تبذلها المملكة في تنويع اقتصادها، وتنفيذ خططها المالية، والحفاظ على استقرار سياستها النقدية.
وقال رئيس بعثة صندوق النقد الدولي، أمين ماتي، لـ«الشرق الأوسط» خلال عرض نتائج التقرير الذي وافق عليه المجلس التنفيذي للصندوق إنه لا حاجة للمملكة بأن تقوم بخفض إضافي في إنفاقها حتى لو تراجعت أسعار النفط.
وأوضحت وزارة المالية أن الخبرة الطويلة للمملكة في أسواق الطاقة، بالإضافة إلى الخبرة المتسارعة التي اكتسبتها عبر «رؤية 2030»، مكّنتاها من معرفة الوقت المناسب لإعادة تقييم أولوياتها في الإنفاق. وقالت: «مع خبرة تتجاوز نصف قرن في أسواق الطاقة، وفي خطط التنمية، ثم الخبرة الكبيرة والمتسارعة التي اختصرتها المملكة في العقد الأخير مع انطلاق (رؤية 2030)، أصبحت المملكة تعرف متى تنفذ إعادة تقييم أولوياتها في الإنفاق عندما تتراجع الإيرادات النفطية، وتزداد التوترات والظروف الجيوسياسية».
وأضافت: «إلى جانب تنميتها في الاقتصاد غير النفطي لتقليل تأثير أسواق النفط عليها، فهي دائماً تعمل خلال فترات انخفاض أسعار النفط أو وجود مشكلات في الاقتصاد العالمي على تقييم كيفية إدارتها للمشروعات التنموية الكبرى المدرجة ضمن الرؤية، أو الاستراتيجيات المنبثقة عنها، لتضمن سير النمو الاقتصادي والمالية العامة بشكل ثابت وجيد». وأكدت أن المملكة لم تعد تتبع سياسات مسايرة للدورة الاقتصادية، بل تركز على تحقيق التوازن المالي، وتحرص على أن يكون الإنفاق داعماً للنمو الاقتصادي.
هذا المنهج يتفق مع تصريح سابق لوزير المالية، محمد الجدعان، الذي أشار في أبريل (نيسان) 2024 إلى أن المملكة ستعدل خطط «رؤية 2030» حسب الحاجة.
ولفتت الوزارة في بيانها إلى أن «هذه السياسة جعلت كثيراً من الأهداف تتحقق، أو في طريقها للتحقق، خاصة أن الحكومة رغم ثقتها في أدائها وسياساتها لا تركن إلى الاكتفاء أو الرضا، وتواصل العمل بقوة نحو المزيد من الإنجازات التي تجنبها تأثيرات الأزمات العالمية».
وقالت إن «ما ورد في التقرير يعكس تنامي التقدير الدولي لما تحققه المملكة من نجاحات، خصوصاً في القطاعات غير النفطية، في ظل رؤية استراتيجية شاملة تستهدف تحقيق التحول الاقتصادي، وتعزيز استدامة المالية العامة، مدفوعة بالخبرات السعودية.
وأعادت الوزارة التذكير بالتقارير الاقتصادية العالمية التي تناولت نجاح السعودية في تنويع اقتصادها، وتنفيذ خططها المالية، والمحافظة على سياستها النقدية. وقالت: «يتنامى التقدير بنجاحاتها، وأحياناً يزيد من تفاصيل التقييم والتدقيق، خاصة فيما يتعلق بنجاحاتها غير النفطية، إن صح الوصف. ولعل من آخر التقارير هو مشاورات المادة الرابعة للعام 2025 والخاص بالاقتصاد السعودي والذي أعلنه صندوق النقد الدولي بعد انتهاء خبرائه من مراجعتهم الدورية التي شارك فيها العديد من المسؤولين في الحكومة والقطاع الخاص السعودي».
وشرحت أنه «رغم مخاوف تراجع أسعار النفط البادية في ثنايا التقرير، فإنه يؤكد تبني المملكة العديد من الإصلاحات الهيكلية، وتطويرها إطاراً مالياً قوياً مرتكزاً على سياسة محكمة، وتخطيط طويل المدى لمواجهة الأزمات دون المساس بالخطط التنموية، أو استدامة المالية العامة».
وأضافت أن التقرير أشاد بتبني الحكومة رؤية طويلة المدى لدعم التحول الاقتصادي، وهي رؤية شملت، وستشمل، تحسين مرونة الاقتصاد السعودي، وتوفر مجموعة واسعة من خيارات السياسة للتعامل مع أي ظرف. كما تضمّن التقرير إشارة إلى حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي التي تؤكد أهمية الإصلاحات التي تمت، وتتم، لدورها في تقليل الآثار المحتملة.
قوة اقتصادية
وتتابع الوزارة أن التقرير شدد على الدور الاقتصادي الإقليمي والعالمي المهم الذي تلعبه السعودية. فهي تُمثل نصف اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي، وتمتلك أصولاً دولية بقيمة 1.5 تريليون دولار، ويبلغ صافي وضع الاستثمار الدولي فيها 59 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مشيرةً إلى أن التحول الاقتصادي المستمر في المملكة -المرتكز على الإصلاحات الهيكلية والسياسات الحصيفة وعملية إعادة التقييم الأخيرة- قد عزز بشكل كبير من قدرة اقتصادها على الصمود في وجه الصدمات الخارجية، مما يضعه في وضع قوي لتجاوز حالة عدم اليقين المتزايدة.
هذا ويتوقع تقرير صندوق النقد الدولي أن يتعافى إنتاج النفط تدريجياً على المدى المتوسط ليصل إلى 11 مليون برميل يومياً بحلول العام 2030، ورغم أنه لا يزال أقل من الحد الأقصى للطاقة المستدامة البالغة 12.3 مليون برميل يومياً، لكنه يتماشى مع توقعات السوق بناءً على ديناميكيات العرض والطلب.
ويتوقع أيضاً حدوث زيادة طفيفة في النمو غير النفطي في العام 2027، مدفوعةً بالاستثمارات المتسارعة في البنية التحتية الجديدة، وتحديث المرافق القائمة استعداداً لاستضافة المملكة للعديد من الفعاليات الدولية الكبرى، بما في ذلك كأس آسيا 2027، ودورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029، ومعرض إكسبو العالمي 2030، وكأس العالم لكرة القدم 2034.
كما أنه من المتوقع أن يتجه النمو غير النفطي نحو 3.5 في المائة في المدى المتوسط، مع نمو الاستثمار الخاص غير النفطي بوتيرة ثابتة، بما في ذلك من خلال المساهمات المستمرة من صندوق الاستثمارات العامة بما لا يقل عن 40 مليار دولار سنوياً في الاقتصاد المحلي.
وأعطى التقرير أهمية كبيرة لمواصلة جهود الإصلاح الهيكلي للحفاظ على نمو القطاع غير النفطي وتنويع الاقتصاد، وقال إنه ومنذ العام 2016 نفذت المملكة إصلاحات واسعة النطاق في تنظيم الأعمال والحوكمة وأسواق العمل ورأس المال. وأن الأنظمة الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ بما في ذلك نظام الاستثمار المحدث، وتعديلات نظام العمل، وقانون التسجيل التجاري الجديد زادت من اليقين التعاقدي للمستثمرين والشركات، إلى جانب دعم مكاسب الإنتاجية، بحسب الوزارة.
القدرة على الصمود
وأشارت الوزارة إلى أن تقرير مشاورات المادة الرابعة «تناول تأكيدات الحكومة على أن التحول الاقتصادي المستمر قد عزز بشكل كبير من قدرة الاقتصاد على الصمود في وجه الصدمات الخارجية، مما يضعه في وضع قوي لتجاوز حالة عدم اليقين المتزايدة»، مشيرة إلى أن «التوقعات الاقتصادية والمالية المحلية تشير إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي قد يتجاوز تقديرات الخبراء، ليصل إلى 4-5 في المائة على المدى المتوسط، مدعوماً بالطلب المحلي الديناميكي، والاستثمار القوي، وتسارع زخم الإصلاح».
نمو متواصل
وقالت وزارة المالية إن خبراء الصندوق يبدون واثقين من استمرار الطلب المحلي القوي بما في ذلك من المشروعات التي تقودها الحكومة، ودورها في دفع عجلة النمو رغم ارتفاع حالة عدم اليقين العالمية، وتراجع آفاق أسعار السلع. متوقعين أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي بنسبة 3.4 في المائة في 2025، ومن أسباب ذلك -وفقاً للتقرير- المضي قدماً في تنفيذ مشروعات رؤية السعودية 2030 عبر الاستثمارات العامة والخاصة، فضلاً عن قوة نمو الائتمان، والتي ستساعد على الحفاظ على الطلب المحلي، والتخفيف من أثر انخفاض أسعار النفط. وثمن التقرير ما نفذته المملكة من إصلاحات، ودعا للاستمرار فيها، مضيفاً بعض الملاحظات التي توليها المملكة اهتماماً كبيراً في السنوات الماضية، مثل تعزيز رأس المال البشري من خلال مواءمة مهارات المواطنين السعوديين مع احتياجات سوق العمل المتطورة، وتحسين الوصول إلى التمويل، وتعزيز التحول الرقمي، وهي عوامل رئيسة لتقدم أهداف التنويع الاقتصادي للمملكة التي يعززها كذلك إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية. وبالإضافة إلى تعزيز المؤسسات المالية، ستساعد متابعة هذه الإصلاحات على تعزيز قدرة المملكة على مقاومة تقلبات أسعار النفط، وفق ما ذكرته وزارة المالية.