بين القلق والأمل.. هل يمكن للعالم قلب موازين أزمة المناخ؟
(البيان)-11/08/2025
*بليتا كلارك
تمضي الولايات المتحدة في تفكيك القوانين المناخية بوتيرة مذهلة، فيما تتخلى شركات عدة عن خططها البيئية.
وقد باتت الموافقة التاريخية على اتفاق باريس لعام 2015 للحد من الاحتباس الحراري تبدو وكأنها ذكرى بعيدة.
وفي الوقت نفسه، يواصل كوكب الأرض تسجيل ارتفاع في درجات الحرارة مع إحراقنا كميات قياسية من الوقود الأحفوري. ولذلك، تنتشر موجات الحر وتصيب الحرائق والعواصف بلدان العالم بلا هوادة.
ومن الصعب لدى كثيرين تصور أي بارقة أمل حقيقية في مواجهة الخطر المتصاعد لتغير المناخ في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
وليس غريباً أن تُظهر استطلاعات الرأي، مراراً، أن الشباب حول العالم ينظرون إلى مستقبل المناخ بقلق بالغ، إلى درجة تجعل كثيرين منهم يترددون في إنجاب الأطفال.
وتزداد الصورة قتامة إذا تأملنا اثنين من أبرز مسارات تعامل البشرية مع هذا التهديد: الأبحاث العلمية حول تغير المناخ، والمفاوضات الأممية بين حكومات العالم لمعالجة ما تكشفه هذه الأبحاث.
لقد وعد اتفاق باريس، الذي مثّل ذروة ثلاثة عقود من مؤتمرات الأمم المتحدة السنوية للمناخ، منذ البداية بخفض الانبعاثات وفق مستويات تحددها كل دولة لنفسها، غير أن هذه المستويات أثبتت عدم كفايتها، ما دفع العلماء إلى التحذير من ارتفاع خطر الوصول إلى «نقاط التحول المناخية» — وهي العتبات الحرجة التي قد يؤدي تجاوزها إلى تغييرات لا رجعة فيها، وربما كارثية، في أنظمة كبرى مثل التيارات البحرية الأساسية أو الصفائح الجليدية التي تحتوي على كميات كافية من المياه لرفع مستويات البحار عالمياً.
ويُعتقد أن بعض هذه النقاط، مثل ذوبان طبقة الصقيع الدائمة أو تدهور غابات الأمازون المطيرة، قد تؤدي بدورها إلى إطلاق غازات دفيئة تزيد من الاحتباس الحراري، ما يضاعف فرص حدوث سلسلة من نقاط التحول المتعاقبة التي قد تزعزع في نهاية المطاف نظام الحياة الذي تعتمد عليه البشرية بأكملها.
وبالنظر إلى كل ذلك، تبدو الدبلوماسية والبحث العلمي مصادر غير محتملة للتفاؤل المناخي. غير أن كتابين صدرا حديثاً لرموز بارزة في كلٍّ من هذين المجالين يقدّمان أسباباً تدعو إلى إعادة النظر.
إن المنظور المقلق لعالم ينحدر نحو فوضى مناخية يمكن أن يحمل في طياته بعض الأمل، وفق ما يرى البروفيسور تيم لينتون من جامعة إكسيتر، وهو خبير عالمي بارز في مجال نقاط التحول المناخي.
ويقول لينتون في كتابه «نقاط التحول الإيجابية» إن «هناك طريقة بسيطة وملهمة للتعامل مع التعقيد الذي يواجهنا: علينا أن نفهم كيف يمكن لنقاط التحول أن تدفع التغيير بنفسها».
ويقصد بذلك التحولات الاجتماعية والتكنولوجية الجذرية التي وقعت في الماضي ولا رجعة عنها، والتي بدأت اليوم بإحداث تغييرات مماثلة تتجه نحو معالجة الانبعاثات.
ويؤكد لينتون أن التغيير الحاسم استغرق وقتاً قبل أن تتمكن شخصيات مثل قريبته المناضلة ليليان لينتون، من ترجيح كفة الرأي العام لصالح منح المرأة حق التصويت، أو قبل أن يتمكن دعاة إلغاء العبودية من تحقيق هدفهم.
لكن التحول الحتمي وقع بعد أن بدأ عدد قليل من الأشخاص بالتحرك، رغم المقاومة الشرسة من القوى المهيمنة، وهي مقاومة تشبه في جوانب كثيرة اعتراض بعض مصدّري الوقود الأحفوري اليوم على جهود إزالة الكربون.
وقد تمحورت نقاط تحول تاريخية أخرى حول التقدم التكنولوجي، وعلى رأسها السيارات. فصور العروض السنوية في مانهاتن تُظهر أنه في عام 1900، بالكاد وكانت توجد سيارات، حيث كانت الشوارع مكتظة بعربات تجرها الخيول. أما بحلول عام 1913، فقد أصبح من النادر رؤية حصان واحد بين السيارات.
لقد أسهم النمو المتفجر للسيارة العاملة بالوقود في بداية القرن العشرين في تعزيز هذا التحول، مدفوعاً بعوامل مثل «التعلم بالممارسة»، واقتصاديات الحجم، وغيرها من العوامل التي تجعل المنتجات الجديدة أفضل وأرخص كلما ازداد إنتاجها.
وفي هذا القرن، شهدنا بالفعل انخفاضات لافتة في تكاليف تقنيات الطاقة الخضراء، مثل البطاريات، والتوربينات الهوائية، والألواح الشمسية التي تقف وراء الطفرة في الطاقة الشمسية، وهي طفرة وصفتها شركة «غولدمان ساكس» الشهر الماضي بأنها «الأسرع في تاريخ قطاع الكهرباء».
وهنا يطرح السؤال نفسه: هل يمكن تسخير المعرفة بكيفية حدوث هذه التحولات لإشعال مزيد من نقاط التحول الخضراء الإيجابية المتعاقبة؟
يقدّم لينتون عدة أمثلة لسياسات حكومية، وحملات بيئية، أو مليارديرات عازمين على دفع عجلة التقدم، وذلك خارج الصين التي تُعد القوة العالمية الرائدة في الطاقة الخضراء.
ففي بريطانيا، أدى تطبيق حد أدنى لسعر الكربون إلى قلب موازين اقتصاديات توليد الكهرباء بعيداً عن الفحم نحو الغاز.
وفي أوروغواي، عززت إصلاحات قطاع الطاقة من إنتاج الكهرباء المتجددة.
أما الملياردير الأسترالي أندرو فورست، إمبراطور خام الحديد، فينفق ملايين الدولارات لإثبات كيف يمكن للبطاريات والوقود الأخضر إزالة الكربون من قطاعات الشحن والتعدين والصناعات الثقيلة الأخرى.
وهناك قصة لم تحظَ بقدرٍ كافٍ من الاهتمام والتغطية حول كيفية تحول النرويج إلى قوة عظمى في مجال السيارات الكهربائية. فقد بدأ التحول هناك بعد أن انضم المغني مورتن هاركت، قائد فرقة البوب الشهيرة «آها»، إلى ناشطين بيئيين في حملة عصيان مدني هدفت إلى تسليط الضوء على الحاجة لجعل السيارات الكهربائية أكثر جاذبية.
وبعد أن رفض المحتجون دفع رسوم الطرق، وتكاليف مواقف السيارات، وغيرها من الرسوم، بدأت السلطات بإعفاء المركبات الكهربائية تدريجياً من عشرات الضرائب والرسوم.
وقد مهّد ذلك لعصر من «التعلم بالاستخدام» جعل مبيعات السيارات الخضراء ترتفع من أقل من 1 % من السوق في عام 2010 إلى نحو 90 % العام الماضي.
ومع انخفاض تكاليف السيارات الكهربائية، يرى لينتون دلائل مشجعة على أن هذه المركبات ربما تكون قد «وصلت إلى نقطة التحول» بالفعل في الأسواق الأوروبية والصينية، فيما ترتفع مبيعات المركبات الكهربائية ذات العجلتين أو الثلاث عجلات بسرعة في دول مثل الهند.
وكل ذلك يبشّر بإمكانات واعدة في قطاع النقل البري، الذي يتسبب بنحو 12 % من الانبعاثات العالمية. أما مصادر الطاقة المتجددة، فبوسعها تحقيق أثر أكبر في قطاعي الكهرباء والتدفئة، اللذين يطلقان ضعف هذه النسبة من الانبعاثات.
لكنّ هناك تحفظاً مهماً، فقد أُنجز كتاب لينتون قبل أن يُجهض الكونغرس الأمريكي الدعم المقرّر في عهد بايدن للطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية. كما تواصل الصين بناء عشرات محطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم.
وتواجه تقنيات مثل الهيدروجين الأخضر صعوبات كبيرة، كما أنه حتى أكثر سيناريوهات نقاط التحول تفاؤلاً قد لا تتمكّن من منع ارتفاع درجة حرارة الأرض بما يتجاوز بكثير هدف 1.5 درجة مئوية المنصوص عليه في اتفاق باريس.
هناك أيضا كتاب آخر هو «المفاوض المناخي»، وهي مذكّرات غير دبلوماسية كاشفة على نحو غير مألوف، للراحل بيت بيتس، الذي كان من كبار المفاوضين المناخيين للمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأسهم في إبرام اتفاق باريس عام 2015.
ومجرّد صدور هذا الكتاب يُعد أمراً لافتاً. فقد بدأ بيتس كتابته في عام 2022، بعد فترة وجيزة من اكتشاف إصابته بنوع عدواني من سرطان الدماغ أودى بحياته في أكتوبر 2023.
وقد أتمّت الكتاب زوجته فيونا ماكغريغور، الرئيسة التنفيذية لهيئة تنظيم الإسكان الاجتماعي في المملكة المتحدة، بالتعاون مع المحرّرة غريس بنغيلي.
ويقدّم الكتاب في جوهره رواية من الداخل عن مفاوضات المناخ الأممية المعقّدة في مؤتمرات الأطراف (كوب)، وعن «حوار قرطاجنة» الذي أسهم بيتس في تأسيسه.
وقد وُلد هذا التجمع غير الرسمي، الذي ضمّ دولاً متباينة تسعى لتحقيق تقدم أكبر في ملف المناخ، من بين أنقاض مؤتمر كوبنهاغن للمناخ عام 2009، ومهّد الطريق أمام التوصّل إلى اتفاق باريس.
وباختصار، فإن قصته تظهر أنه رغم كل الصعوبات، يُمكن إحراز تقدم، وأن مؤتمرات الأمم المتحدة دفعت دولاً في مناطق مثل أوروبا إلى وضع أهداف دفعت بسياسات لخفض الانبعاثات، مما أدى في النهاية إلى خفض تكلفة مصادر الطاقة المتجددة داخل حدودها وخارجها.