المرأة الإماراتية: ركيزة النمو الاقتصادي وبناء المستقبل
(النهار)-28/08/2025
في الثامن والعشرين من آب /أغسطس من كل عام، تتوقف دولة الإمارات العربية المتحدة قليلاً لتحتفي بإنجازات نصفها الآخر: المرأة. يوم المرأة الإماراتية ليس مجرد مناسبة رمزية، بل لحظة للتأمل في دور النساء المتنامي في الاقتصاد والمجتمع، وفي حجم التحول الذي يجعل المرأة اليوم ركيزة أساسية من ركائز التنمية.
من يدخل الوزارات والهيئات الحكومية يلمس بصمة النساء بوضوح. هن يشكلن نحو ثلثي موظفي القطاع العام، وهي من أعلى النسب في العالم. وما يلفت أكثر أن 30 في المئة من المواقع القيادية في هذا القطاع تتولاها نساء، بينما يشكلن ثلاثة أرباع العاملين في الصحة والتعليم. هذا الحضور لم يعد يقتصر على الوظائف التنفيذية، بل وصل إلى مناصب وزارية حساسة مثل التربية والتعليم والتكنولوجيا المتقدمة، ما يؤكد أن المرأة أصبحت شريكاً كاملاً في صياغة السياسات الوطنية.
أما في القطاع الخاص، فالصورة لا تقل إشراقاً. عام 2021، ترأست 25 ألف سيدة إماراتية أكثر من 50 ألف مشروع تجاري، بقيمة تجاوزت 16 مليار دولار (60 مليار درهم). أرقام ضخمة تقف خلفها قصص نجاح فردية، عكست شجاعة النساء في دخول السوق وقدرتهن على تجاوز تحديات التمويل وموازنة المسؤوليات العائلية مع ضغوط ريادة الأعمال. وهنا تؤدي هيئات مثل “مجلس دبي لسيدات الأعمال” و”مجلس سيدات أعمال الشارقة” دوراً مهماً عبر تقديم التمويل والإرشاد وبناء الشبكات.
لكن ربما أكثر ما يميز التجربة الإماراتية هو اندماج المرأة في قطاعات المستقبل. في الجامعات، تشكل النساء 56 في المئة من خريجي تخصصات العلوم والهندسة والتكنولوجيا. هذه القاعدة الأكاديمية انعكست على المشاريع الوطنية الكبرى، فبرنامج الفضاء الإماراتي، مثلاً، يضم في صفوفه 50 في المئة من النساء، وهو رقم يعكس صورة جديدة لدور المرأة، من التعليم والصحة إلى استكشاف الفضاء.
القطاع الخاص يشهد بدوره خطوات ملموسة لتعزيز حضور النساء. منذ عام 2021، يُفرَض على الشركات المدرجة أن تضم امرأة واحدة على الأقل في مجالس إدارتها، وبحلول عام 2022 وصلت نسبة النساء في المناصب الإدارية العليا والمتوسطة إلى 23.5 في المئة. صحيح أن الطريق لا تزال طويلة، لكن هذه الأرقام تضع الإمارات في مسار تصاعدي نحو مشاركة متوازنة.
وراء هذه الإنجازات تقف سياسات حكومية واضحة. شكّل تأسيس “مجلس التوازن بين الجنسين” عام 2015 علامة فارقة، إذ تولى مراجعة التشريعات وتحفيز المساواة في بيئة العمل. كذلك أطلقت الدولة “استراتيجية تمكين المرأة 2031” التي تهدف إلى ضمان مشاركة شاملة للنساء في الاقتصاد. وشملت الإصلاحات القانونية المساواة في الأجور في القطاع الخاص، وتمديد إجازة الأمومة، وحتى فرض إنشاء حضانات في المؤسسات التي تضم أكثر من 50 موظفة. هذه التفاصيل العملية هي ما حوّل شعارات التمكين إلى واقع ملموس.
ولم يقتصر التقدير على الداخل، بل امتد إلى الخارج. صنّف مؤشر المساواة بين الجنسين التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الإمارات عام 2020 كأكثر دول المنطقة تحقيقاً للمساواة بين الجنسين والدولة الثامنة عشرة عالمياً في هذا الصدد، كما تبوأت الإمارات مراكز متقدمة عالمياً في الشمول المالي والمشاركة السياسية للمرأة. وإلى جانب وجود تسع وزيرات في الحكومة الإماراتية الحالية المؤلفة من 37 مقعداً، ثمة إماراتيات بارزات دخلن قوائم “فوربس” للقيادات النسائية.
وعلى الرغم من هذه المكاسب كلها، لا تزال ثمة تحديات. تحتاج بعض القطاعات مثل الصناعة الثقيلة والطاقة إلى حضور نسائي أكبر، وقد تضع بعض التقاليد الاجتماعية قيوداً على المشاركة الكاملة. لكن المؤشرات العامة تؤكد أن الإرادة السياسية والسياسات المستمرة قادرة على سد هذه الفجوات بمرور الوقت.
ليست المرأة الإماراتية اليوم مجرد شريك في التنمية، بل عامل رئيسي في دفعها قدماً. هي وزيرة وطبيبة ومهندسة ورائدة أعمال، وهي أيضاً قائدة في مجلس إدارة أو عضو في بعثة فضائية. ليس يوم المرأة الإماراتية إذاً مجرد احتفال بما تحقق، بل تذكير أيضاً بأن المستقبل الاقتصادي للإمارات سيُكتَب بشراكة متوازنة، كتفاً إلى كتف، بين الرجال والنساء، في رحلة بناء وطن يطمح دائماً إلى التقدم.