11 علاجاً لأزمة الديون الدولية
في حوار جرى في الفاتيكان مؤخراً، لمناسبة تدشين تقرير اليوبيل عن أزمتي الديون والتنمية، كان قد كلّف بابا الفاتيكان الراحل فرنسيس، فريق عمل إقتصادياً وقانونياً بإعداده برئاسة الإقتصادي الحائز على «جائزة نوبل» جوزيف ستيغليتز، أُثير تساؤل عمّا إذا كانت القروض المتراكمة على البلدان النامية لأغراض الإنتاج أم هي للإستهلاك؟ وذلك بإعتبار أن قروض تمويل الإنتاج أنفع للإقتصاد وأقدر على سداد أقساطها من عوائدها، أما إذا كانت للإستهلاك، أو لغير قطاعات الإنتاج، فستهدر بلا عائد.
د. محمود محيي الدين
المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة
وقد آلت أمور الإقتراض إلى وضع صارت فيه القروض الجديدة تُستجلب لسداد أعباء قروض قديمة، فلا هي أسهمت في تمويل الإستثمارات المنتجة، أو شاركت في سداد نفقات الإستهلاك. هذه من ملامح الأزمة الصامتة للديون الدولية التي جعلت المقترضين يستمرون في حلقة الإستدانة، وإن تجاوزت خدمة الديون من الموازنات العامة ما يُنفق على التعليم والصحة، خصوصاً بعدما وصل عبء تكلفة فوائد القروض وحدها إلى ما يقترب من الضعف خلال السنوات العشر الماضية. وكأن هذه البلدان إختارت ألاّ تتخلّف عن سداد الديون بتخلُّفها عن تحقيق أهداف التنمية.
وقد إشتركت أطراف متعدّدة في الوصول إلى هذه الأزمة فاتبعت بلدان نامية نهج الإستدانة، بدايةً من عهد إنخفضت فيه أسعار الفائدة، فلم تتحوّط كما ينبغى ضد تغيّر أسعار الفائدة أو إضطرابات سعر الصرف، أو قصر آجال الإستحقاق. وكان الأولى بهذه الحكومات أن تضبط موازناتها وتحشد مواردها المحلية، وأن تعدّل نموذج النمو المتبع ليعتمد على الإستثمارات الخاصة حيث تتميّز وتربح، ومنها تحصّل ضرائبها، وأن تدعوها للمشاركة في مشروعات البنية الأساسية والطاقة، التي تشكل غالبية إحتياجات التمويل، بدلًا من اللجوء للإستدانة بتبعاتها.
يذكرنا مارتين جوزمان الأستاذ في جامعة كولومبيا ووزير الإقتصاد الأرجنتيني الأسبق، في مداخلته في منتدى باريس الذي عُقد مؤخراً، بأن المسؤولية ممتدة أيضاً إلى الدائنين الذين قدموا قروضاً وهم على علم بإرتفاع مخاطر عدم السداد، فبالغوا في رفع أسعار الفائدة مقابل المخاطر، ثم تقاعسوا عن تخفيف أعباء الديون عندما صارت المخاطر واقعاً.
كما لا يُمكن للمؤسسات المالية الدولية أن ترتدي مسوح البراءة، فهي ضالعة في الأزمة شريكاً فى بطء إجراءات التسوية بين الدائنين والمدينين في حالة إعادة الهيكلة. كما تسامحت بتوجيه تمويلها الميسر طويل الأجل لدول نامية على شفير التعثُّر لتستخدمها في سداد ديون القطاع الخاص، بدلًا من التنمية.
لذا أصبح لزاماً أن تُعد إجراءات التعامل مع الديون وفق إعتبارات عدة، منها ضرورة التمييز بين حالات نقصان السيولة، وحالات عدم القدرة على السداد، كذلك هيكل المديونية وطبيعة الدائنين بين قطاع خاص وحكومي، وعلينا إدراك أن التعرُّض لمخاطر الديون ليس قاصراً على البلدان منخفضة الدخل، بل تطول الدول متوسطة الدخل أيضًا، وأن من مجمل 54 دولة إفريقية هناك 31 دولة متوسطة الدخل. أخذنا هذه الأمور في الإعتبار كمجموعة كلفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لوضع حلول عملية لأزمة المديونية. وضمّت هذه المجموعة تريفور مانيول وزير مالية جنوب إفريقيا الأسبق، وباولو جينتيلوني رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق، ويان وانغ الأستاذة في جامعة بوسطن، وكاتب هذه السطور. راعينا أيضاً أنه لكي تتحقق الفائدة المرجوة لا ينبغي فقط تحرّي السلامة العلمية للمقترح فهذا شرط ضروري، أما الشرط الكافي فهو القابلية للتطبيق عملياً خصوصاً في ظل الإضطرابات الجيوسياسية. وقد إنتهت المجموعة إلى المقترحات الآتية مقسمة إلى ثلاثة مستويات:
«النظام» المالي العالمي
1 – التدعيم المالي لآليات إتاحة السيولة وتخفيف أعباء الديون في البنك وصندوق النقد الدوليين على أن تشمل البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل.
2 – تطوير إطار مجموعة العشرين لمعالجة الديون ليشمل البلدان متوسطة الدخل، وإيقاف تحصيل الأقساط أثناء إعادة هيكلة المديونيات، مع إختصار مدد التفاوض، وتحفيز مشاركة دائني القطاع الخاص من خلال آلية صندوق النقد الخاصة بالإقراض حال وجود متأخرات في السداد.
3 – تفعيل متوازن لإجراء إيقاف خدمة الديون في أوقات الأزمات والصدمات المهدّدة للقدرة على السداد.
4 – مراجعة تحليل إستدامة الديون للبنك وصندوق النقد الدوليين، سواء للدول منخفضة أو متوسطة الدخل.
5- إعادة توجيه فوائض حقوق السحب الخاصة غير المستغلة وإستخدامها في ضخ السيولة، وإعادة شراء الديون، وتدعيم القدرة التمويلية للمؤسسات التنموية الدولية.