السياسة المالية في دول الخليج أثبتت فعاليتها
(القبس)-12/09/2025
قال تقرير للبنك الدولي إن السياسة المالية تُعد من أبرز الأدوات الكلية المتاحة للحكومات لإدارة الاقتصاد، مشيراً إلى أن أهدافها واسعة، وتشمل جميع الإيرادات والنفقات الحكومية، لكن يبقى أحد أهدافها الأساسية هو تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، بما يدعم النمو الطويل الأجل.
وأشار التقرير إلى أنه في الحالة المثالية يسير الناتج المحلي الإجمالي في مسار تصاعدي ثابت، لكن الواقع يفرض دورات اقتصادية من توسع وركود، تولّد حالة من عدم الاستقرار. وهنا يأتي دور السياسة المالية في تخفيف حدة الركود، وجعل فترات التوسع أكثر استدامة، وهو ما يُعرف بالسياسة المالية «المعاكسة للدورة الاقتصادية».
التحدي الخليجي
وأضاف تقرير البنك الدولي أن اقتصادات مجلس التعاون الخليجي تواجه تحدياً محورياً، يتمثل في كيفية تثبيت النمو الاقتصادي في ظل دورات اقتصادية تتأثر بشدة بتقلبات أسعار النفط. ونظراً لأن حجم الإنفاق الحكومي كبير مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، ومع محدودية السياسة النقدية بسبب ربط العملات الخليجية بالدولار، فإن السياسة المالية تبقى الأداة الرئيسة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وتساءل التقرير: هل تُطبّق السياسات المالية في دول الخليج بشكل معاكس للدورة الاقتصادية فعلاً؟ إلى أي مدى تؤثر هذه السياسات في الناتج غير النفطي، خصوصاً في فترات التراجع الاقتصادي حين تكون الحاجة إلى الدعم أكبر؟
نتائج الدراسات
وأوضح التقرير أن دراسات حديثة (منها ورقة بحثية لبوغيتش وناهر نُشرت في التحديث الاقتصادي الخليجي – ديسمبر 2024) حللت العلاقة بين الإنفاق الحكومي ودورات الاقتصاد. وتبيّن أن معظم اقتصادات الخليج تطبق سياسة مالية معاكسة للدورة، حيث تظهر البيانات علاقة سلبية بين النمو الاقتصادي والدورة المماثلة للإنفاق، وعلاقة إيجابية بين النمو والدورة المماثلة للإيرادات الحكومية.
الناتج غير النفطي
وأشار البنك الدولي إلى أن فريقه البحثي قدّر حجم «المضاعِفات المالية» في الخليج، من خلال ورقة عمل نُشرت في يونيو 2025 ضمن التحديث الاقتصادي الخليجي. ويُقصد بالمضاعِف المالي الأثر الذي يتركه كل دولار من الإنفاق الحكومي على الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي.
وأظهرت النتائج أن مضاعِفات الإنفاق في دول الخليج إيجابية ودالة إحصائياً، وتتراوح غالباً بين 0.1 و0.4. أي أن كل دولار من الاستهلاك الحكومي يقابله زيادة تتراوح بين 10 و40 سنتاً في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، مع اختلافات بين الدول.
الركود والانتعاش
وقال تقرير البنك الدولي إن الأهمية الكبرى تتضح عند تقسيم العينة إلى فترات توسع اقتصادي وفترات ركود. ففي أوقات الركود، ترتفع فاعلية السياسة المالية، ويزداد حجم المضاعِف المالي بشكل ملحوظ، مما يعني أن الإنفاق الحكومي يكون أكثر تأثيراً حين يكون الاقتصاد ضعيفاً.
أما في فترات التوسّع، فأظهر التقرير أن المضاعِف المالي يقترب من الصفر، مما يشير إلى أن زيادة الإنفاق الحكومي في تلك الفترات لا تترك أثراً كبيراً على الناتج غير النفطي.
استنتاجات وتوصيات
خلص تقرير البنك الدولي إلى أن السياسة المالية في الخليج تتمتع بجوانب قوة مهمة، أبرزها:
1 – تُطبَّق في معظم الحالات بشكل معاكس للدورة الاقتصادية.
2 – مضاعِفات الإنفاق إيجابية ومهمة إحصائياً.
3 – فعاليتها تزداد في أوقات الركود، وهو ما يعزز دورها في تحقيق الاستقرار.
لكن التقرير أشار أيضاً إلى أن متوسط المضاعِفات يبقى محدوداً، مقارنة بما هو قائم في بعض الاقتصادات المتقدمة، وأن أثر الإنفاق في فترات التوسّع ضعيف. وهو ما يبرز أهمية التوقيت والتصميم: إذ إن الفائدة تكون أكبر عندما يُستخدم التحفيز في فترات التراجع، وأن طبيعة مكونات الإنفاق تلعب دوراً أساسياً في تحديد مستوى الفاعلية.
واختتم التقرير بالتأكيد على أن هذه الجهود البحثية تهدف إلى مساعدة صناع القرار في تصميم سياسات مالية أفضل في دول الخليج، داعياً إلى أبحاث مستقبلية أكثر تفصيلاً لتحديد بنود الإنفاق وآليات التنفيذ التي تحقق أعظم أثر على النمو، وتعزّز الصمود الاقتصادي.