من رمال التوحيد إلى قمم الاقتصاد .. أسطورة 95 عامًا
(العربية)-25/09/2025
*جمال بنون
في ليلة هادئة من عام 1932، تحت سماء الرياض المتلألئة بالنجوم، وقف الملك عبد العزيز آل سعود على قمة تلٍ يطل على أرضٍ بلاده، يملؤه حلم، كان يحمله في قلبه حلمًا كبيرًا، حلمًا بدأه قبل ثلاثين عامًا عندما استرد الرياض بسيفٍ وإرادة صلبة عام 1902، وها هو اليوم، في 23 سبتمبر، يعلن ميلاد المملكة العربية السعودية، لحظة غيّرت مسار التاريخ العربي.
تخيّل تلك اللحظة، رياح الصحراء تهب، وصوت الجموع يهتف، بينما كانت بذرة دولة صغيرة، تعاني الفقر، تتحول تدريجيًا إلى قوة عالمية تُشكّل أسواق الاقتصاد. في هذه الرحلة الملحمية التي تمتد 95 عامًا، نحتفل اليوم في العام 2025، بمناسبة يوما وطنيا جديدا تحت شعار “عزّنا بطبعنا”، بقصة تحولٍ من أرض قاحلة إلى عرش الاقتصاد العالمي، حيث كل خطوة كانت مغامرة، وكل تحدٍ كان بداية لانتصار جديد.
نستعيد ذكرى اللحظة التاريخية التي غيّرت مجرى التاريخ العربي، حيث أعلن الملك عبد العزيز آل سعود توحيد البلاد تحت اسم “المملكة العربية السعودية” في 1932 بعد حلم دام 30 عامًا من الجهاد والحكمة. كانت هذه الخطوة بذرة لدولة حديثة، بدأت من الرياض في 1902 حين خرج الشاب عبد العزيز بن عبد الرحمن من الكويت ومعه 60 رجلاً لاستعادة حكم والده وأجداده من آل رشيد، حيث كانت نجد آنذاك أرضًا قاحلة مقسّمة بين إمارات متصارعة، والعائلة السعودية نازحة تعيش في ظل أخوتها في الكويت.
استمر التوحيد 32 عامًا، ضمّ نجد عام 1921 والحجاز عام 1925، مستندًا إلى الشورى والعدل الإسلامي، رغم اعتماد الدولة الفتية على موارد محدودة لمواجهة التهديدات العثمانية، حيث لم تتجاوز إيراداتها مئات الآلاف من الريالات تعتمد على الحجاج كمصدر رئيسي.
مع ذلك، وضع الملك عبد العزيز الأساس لبناء الطرق وإنشاء المدارس وتشجيع الوحدة القبلية، لكن التحول الحقيقي جاء باكتشاف النفط عام 1938 في شرق البلاد، حيث أصبحت الشركة التي كانت نواة لشركة أرامكو بداية لانطلاقة جذرية من دولة فقيرة إلى مصدّر رئيسي للطاقة، فارتفع الإنتاج في الخمسينيات إلى ملايين البراميل يوميًا، مما سمح ببناء المطارات والطرق والمستشفيات.
وتحت قيادة الملك فيصل في السبعينيات أصبحت المملكة مؤسسة لأوبك عام 1960، محافظة على استقرار أسعار النفط العالمية، ثم شهدت الثمانينيات والتسعينيات نموًا هائلاً بإنتاج 10 ملايين برميل يوميًا، لتصبح داعمًا للدول النامية بعد قطع اعتمادها على المساعدات، رغم أن أزمات مثل انهيار أسعار النفط في 1986 كشفت عن الحاجة للتنويع، فبدأت الإصلاحات بإنشاء مدن صناعية مثل ينبع وجبيل وتطوير التعليم.
اليوم، بعد 95 عامًا، أصبحت السعودية واحدة من أكبر 20 اقتصادًا عالميًا بناتج محلي إجمالي يتجاوز 4.5 تريليون ريال، حيث نما الاقتصاد في الربع الأول من 2025 بنسبة 2.7% مدفوعًا بالقطاع غير النفطي بنسبة 4.2%، ووفقًا لصندوق النقد الدولي، سيصل النمو إلى 3.6% في 2025 و3.9% في 2026، بفضل دورها الحاسم في أوبك الذي يشكل أكثر من 30% من إنتاج المنظمة، مما يؤثر على الاقتصاد العالمي، كما ساهمت كعضو في مجموعة العشرين في ضبط الاقتصاد خلال جائحة كورونا عبر صندوق الاستثمار السيادي “الاستثمار” الذي يبلغ أصوله أكثر من 700 مليار دولار، واستثمر في شركات عالمية مثل أوبر ولوسيد.
في 2025 أعلنت حزمة استثمارات بـ600 مليار دولار مع أمريكا في مشاريع طاقة وتكنولوجيا. هذا التحول دفع رؤية 2030 التي أطلقت عام 2016 بمباركة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وتحت قيادة الأمير محمد بن سلمان الذي كان حينها وليا لولي العهد، قبل ان يتم تعيينه لاحقا وليا للعهد، كخريطة طريق للتنويع، حيث حققت إنجازات مثل ارتفاع مساهمة القطاع الخاص غير النفطي إلى 56% من الناتج المحلي، وجذب 96 مليار ريال استثمارات أجنبية في 2023، مع مشاريع مثل نيوم والقدية والبحر الأحمر كرموز للاقتصاد الجديد، مركزة على السياحة والتعدين والتقنية، لتتقدم السعودية في 2025 إلى المرتبة السادسة عالميًا في الحكومة الإلكترونية والثانية في التحول الرقمي للشركات، مع مشاركة المرأة في سوق العمل بنسبة 35% وانخفاض البطالة إلى أدنى مستوياتها، لتصبح مركزًا عالميًا جذب 660 شركة أجنبية كمقر إقليمي.
مع اقترابنا من اتمام القرن الاول على تأسيس الدولة السعودية الثالثة، نحن على أعتاب عصر جديد، حيث تحولت السعودية من أرض تعتمد على المساعدات إلى قوة تُشكل الاقتصاد العالمي، محافظة على هويتها الإسلامية والعربية، واليوم الوطني ليس مجرد احتفال بعروض عسكرية وحفلات غنائية، بل تذكير بأن التوحيد الذي بناه الملك عبد العزيز هو أساس النهضة، ومع فعاليات الهيئة العامة للترفيه في كل المدن في 2025، نجدد العهد لبناء جيل يحمل الطموح ويحول التحديات إلى فرص، عزّنا بطبعنا، وفخرنا بالسعودي.