الفضة 2025: صعود يتجاوز 50% والسعودية في مقدمة المستثمرين
(النهار)-01/10/2025
ميشال صليبي*
سجّلت الفضة قفزةً لافتة هذا العام، إذ ارتفع السعر الفوري بأكثر من 50% منذ بداية 2025 وحتى أواخر أيلول/ سبتمبر، بعدما لامس مستويات تفوق 47 دولاراً للأونصة للمرة الأولى منذ أكثر من 14 عاماً. هذا الأداء الاستثنائي جاء متزامناً مع اندفاع الذهب إلى قمّة تاريخية فوق 3,800 دولار للأونصة، في بيئة تتزاوج فيها رهانات خفض الفائدة الأميركية مع تزايد دوافع الملاذ الآمن.
ما الذي يدفع الفضة؟
تأتي قوة الفضة من مصدرين متداخلين: أولاً، الزخم الاستثماري المرتبط بالملاذات الآمنة الذي تعزّز مع قفزة الذهب القياسية وتزايد مخاوف الإغلاق الحكومي الأميركي واخطار تباطؤ النمو العالمي. ثانياً، الطلب الصناعي الهيكلي، ولا سيما في الطاقة الشمسية والإلكترونيات، مقابل معروضٍ يواجه عجوزات متكررة في السنوات الأخيرة، وهو ما يخلق أرضية أساسية داعمة للسعر ويُقلّص فعلياً هامش الخطأ في التقييمات. تقارير السوق هذا العام أشارت إلى أن الفضة تمضي في عامٍ خامس من العجز الهيكلي، ما يجعل أي هبوط حاد أقرب إلى “تصحيح داخل اتجاه صاعد” منه إلى انعكاسٍ كامل للاتجاه.
العلاقة مع الذهب: ارتباطٌ قوي لكنه غير ثابت
تاريخياً، تتحرك الفضة والذهب معاً في الاتجاه نفسه مع ميل الفضة إلى تضخيم موجات الذهب صعوداً وهبوطاً. بيانات بورصة شيكاغو (CME) تُظهر أن الارتباط المتدحرج لتقلبات الأسعار اليومية بين المعدنين غالباً ما يقع ضمن نطاق مرتفع يتراوح تقريباً بين 0.68 و0.95، مع فتراتٍ نادرة يضعف فيها هذا الارتباط قبل أن يعود ويتماسك. عملياً، يعني ذلك أن موجات صعود الذهب كثيراً ما تُسرِّع صعود الفضة، فيما تجعل دورات التشديد المالي أو قوة الدولار الفضة أكثر عرضة للتذبذب.
نسبة الذهب إلى الفضة: أين نقف الآن؟
نسبة الذهب/الفضة هي حاصل قسمة سعر أونصة الذهب على سعر أونصة الفضة، وتُستخدم كميزانٍ نسبيّ لتقييم أي المعدنين مبالغٌ في سعره مقارنة بالآخر. في أواخر أيلول تدور هذه النسبة قرب 85–86، وهو مستوى يعكس أن الفضة رغم قفزتها الكبيرة لا تزال تملك هامشَ لحاقٍ إضافي إذا واصل الذهب تمسّكه بمستوياته القياسية. تاريخياً، تميل النسبة إلى الانخفاض في مراحل تفوق الفضة ضمن الأسواق الصاعدة، وترتفع في موجات النفور من المخاطرة حينما يتفوّق الذهب باعتباره الملاذ الأكثر نقاءً.
قراءة تكاملية: لماذا تبدو شهية الشراء منطقية رغم الارتفاع الكبير؟
على المدى القريب، ستظل حركة الفضة أسيرة مسار الدولار والعوائد الحقيقية الأميركية، لأن تراجع العوائد هو الوقود المباشر لتدفقات المعادن. بلوغ الذهب قمماً تاريخية فوق 3,800 دولار يشير إلى أن القوة الدافعة الكلية لا تزال قائمة، وأن ما نراه ليس مجرد قصة لحاقٍ قصيرة الأجل للفضة بل إعادة تسعير أوسع للأصول الحافظة للقيمة.
لكن الأهم هو أن موجة الصعود الحالية ليست عابرة، بل تعكس تغيّراً في ديناميكيات السوق العالمية. الفضة استفادت من دخول المستثمر المؤسسي بشكل أكبر عبر الصناديق المتداولة في البورصة (ETFs)، وهو ما عزز الطلب الاستثماري بشكل ملحوظ. كذلك، يشير استمرار العجوزات الهيكلية في المعروض للعام الخامس على التوالي إلى أن الأسعار الحالية ليست بالضرورة فقاعة، بل ربما بداية لمرحلة إعادة تقييم جوهرية لمكانة الفضة في المحافظ الاستثمارية.
هناك أيضاً عامل جيوسياسي لا يقل أهمية: تصاعد النزعات نحو عالم متعدد الأقطاب وتزايد الحديث عن فك الارتباط مع الدولار في بعض الاقتصادات الكبرى. هذه التحولات ترفع من جاذبية الأصول الملموسة مثل الذهب والفضة كجزء من سياسات التحوّط والاحتياطيات، ما يضيف دعماً إضافياً بعيد المدى.
إضافة إلى ذلك، فإن تطور الطلب الصناعي، بخاصة من قطاع الطاقة الشمسية والتحول إلى الطاقة الخضراء يعني أن الفضة ليست مجرد أصل استثماري تقليدي، بل معدن يدخل في صلب ثورة اقتصادية وتقنية مقبلة. هذا البعد المزدوج بين الملاذ الآمن والاستخدام الصناعي يعطيها ميزات لا يملكها الذهب، ويجعل التوازن السعري الجديد للفضة أقرب إلى مستويات تاريخية أعلى مما عرفته في العقد الماضي.
فالفضة تُعد مكوّناً أساسياً في الخلايا الكهروضوئية، ومع اتساع الاستثمارات العالمية في مشاريع الطاقة المتجددة من الولايات المتحدة إلى الصين والهند، يرتفع الطلب الهيكلي على المعدن بشكل يصعب على المعروض المحدود تلبيته. وفي الوقت نفسه، الاستخدامات المتنامية في الصناعات الإلكترونية الدقيقة، والرقائق، وأجهزة السيارات الكهربائية تعزز من مكانة الفضة كعنصر حيوي في سلاسل التوريد المستقبلية.
الأهم أن هذه التطبيقات الصناعية لا يمكن استبدال مواد أخرى بها بسهولة بالكفاءة نفسها، ما يجعل الطلب على الفضة أكثر مرونة وأقل تأثراً بدورات الأسعار القصيرة الأجل. هذه الديناميكية تخلق حالة نادرة لمعدن ثمين يدمج بين “قصة الملاذ الآمن” و“قصة النمو الصناعي”، الأمر الذي يضاعف من قيمته الاستثمارية ويضعه في مرتبة مختلفة عن الذهب الذي يبقى رهناً بشكل أكبر للتدفقات المالية والمخاطر الجيوسياسية.
ومن زاوية أوسع، فإن استمرار هذا الاتجاه قد يغير طبيعة العلاقة بين الذهب والفضة نفسها. فبينما ظل الذهب تاريخياً هو المرجع والفضة تابعة له في الحركة، يمكن للتحولات الصناعية أن تمنح الفضة استقلالية أكبر في التسعير وتجعل من نسبة الذهب/الفضة أداة أكثر ديناميكية لعكس التغيرات البنيوية في الاقتصاد العالمي.
السعودية تضم الفضة إلى استراتيجيتها
في هذا السياق، لا يمكن إغفال البعد الجغرافي-الاقتصادي الجديد، حيث بدأت دول مثل المملكة العربية السعودية تنظر إلى الفضة كجزء من استراتيجيات التنويع الاقتصادي المرتبطة برؤية 2030. فالرياض، التي تسعى إلى تقليص الاعتماد على النفط وتوسيع استثماراتها في قطاعات التعدين والطاقة المتجددة، باتت تُدرج الفضة ضمن المعادن الاستراتيجية ذات القيمة المزدوجة: الاستثمارية والصناعية. دخول السعودية في مشاريع استكشاف مناجم الفضة وتطويرها وربطها بالاستثمارات الضخمة في الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر يعززان من مكانة المعدن كركيزة مستقبلية داخل الاقتصاد السعودي. والأهم أن هذا التوجه ترافق مع اهتمام متزايد بالصناديق الاستثمارية المتداولة في البورصة (ETFs) المرتبطة بالفضة، حيث لم تعد الاستثمارات مقتصرة على الأصول المادية، بل امتدت لتشمل أدوات مالية عالمية مثل iShares Silver Trust (SLV) و SIVR التي شهدت تدفقات قوية خلال 2025.
هذا المزج بين الاستثمار المحلي المباشر عبر التعدين والاستثمار غير المباشر عبر الـ ETFs يمنح السعودية حضوراً مضاعفاً في سوق الفضة العالمي، ويعزز من ثقلها في صياغة ديناميكيات الطلب المستقبلي.
الفضة في 2025 ليست ظلّ الذهب فحسب؛ إنها قصة ملاذٍ آمن يتقاطع مع دورة صناعية داعمة. الارتباط الوثيق مع الذهب يفسّر جانباً كبيراً من الزخم، لكن مع نسبة ذهب/فضة تدور حول 85–86 وحالة عجزٍ مستمرة في المعروض، تبدو فرص الفضة في الحفاظ على تفوقٍ نسبي مرجّحة طالما ظلّت بيئة الفائدة الحقيقية منخفضة ومخاطر السياسة والاقتصاد قائمة. هذه المعطيات لا تُلغي حساسية الفضة العالية للتقلبات، لكنها تضعها للمستثمر الاحترافي ضمن إطارٍ جذّاب لإدارة المراكز على موجاتٍ متتابعة داخل اتجاهٍ صاعد.
(*)كبير محلّلي الأسواق المالية في FxPro، محاضر جامعي في لبنان وفرنسا.