الذكاء الاصطناعي.. والقروض البنكية
(العربية)-09/10/2025
*د. خالد رمضان
يقود الذكاء الاصطناعي ثورة هادئة، وعميقة الأثر، في أروقة القطاع المصرفي، حيث يدرك المصرفيون أنه ليس مجرد أداة تقنية فاخرة، بل قوة تحويلية جبارة، تعيد صياغة المعادلة الاقتصادية بأسلوب يجمع بين الكفاءة المذهلة والتحديات الأخلاقية المعقدة.. في كندا، على سبيل المثال، تبنت البنوك العريقة، مثل مجموعة BMO، الذكاء الاصطناعي ليس فقط لتعزيز الإنتاجية، بل لتقديم خدمات تلبي تطلعات العملاء بدقة متناهية، وليس غريباً أن 80 % من المؤسسات المالية المرموقة باتت تعتمد الآن على حلول الذكاء الاصطناعي، فيما يتوقع أن تتجاوز أرباح قطاع المصارف العالمي حاجز التريليوني دولار بحلول 2028، بنمو سنوي يقارب 9%.
هذه الثورة ليست مجرد أرقام، بل إعادة تشكيل للواقع المصرفي، فقد أسهم الذكاء الاصطناعي في رفع الكفاءة التشغيلية للبنوك الكبرى بنسبة 40 %، مستفيدًا من قوة البيانات الضخمة التي تُحلل ملايين المعاملات في لحظات، لتقليص هامش الخطأ بنسبة 30 %.. بنوك عالمية مثل «جي بي مورغان» تستخدم هذه التقنيات لمراقبة المعاملات في الزمن الفعلي، كاشفة السلوكيات المشبوهة، ومانعة الاحتيال قبل وقوعه، ومع منصات مثل FICO، التي تستند إلى علوم البيانات والتعلم الآلي، أصبحت قرارات الائتمان أكثر دقة، حيث تُحلل البيانات المتنوعة لتقديم نماذج تنبؤية تُعزز جودة القرارات المالية.
وسط هذا الإبهار التقني، تلوح في الأفق تحديات أخلاقية عميقة، فالخوارزميات، رغم حيادها التقني الظاهري، قد تُكرس انحيازات متأصلة في البيانات التي تُغذيها.. تخيلوا أن نظامًا آليًا يحدد حدودًا ائتمانية أقل للنساء مقارنة بالرجال، حتى في ظل ظروف مالية متكافئة، أو يستبعد عملاء من أحياء محرومة أو ذوي مسارات مهنية غير تقليدية، مثل العمال المستقلين أو المهاجرين الجدد.. هذه ليست افتراضات، بل واقع يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يُعمق أوجه عدم المساواة إذا لم يُدار بحكمة، ومع ذلك، فإن الضغوط التي تمارسها بعض جماعات الضغط التكنولوجية والمالية لإبطاء اعتماد المعايير الصارمة تشكل خطراً كبيراً، فغياب التنظيم في بعض البلدان والصعوبات التي تكتنف تطبيقه في بلدان أخرى قد يشجع على التعتيم، على حساب المواطنين الأكثر ضعفاً.
باعتقادي، أن الإفراط في الاعتماد على الخوارزميات لتقييم الملاءة المالية يُشبه المشي على حبل مشدود، فالبنوك، في ظل سعيها الحثيث للكفاءة، قد تُغفل، عمداً أو خطأً، تعقيدات السلوك البشري الذي لا يمكن اختزاله في أرقام ومعادلات، وهنا يبرز السؤال الجوهري: كيف نضمن أن تكون أتمتة القرارات المالية جسرًا للعدالة، لا حاجزًا يعيق الوصول إلى الخدمات المصرفية؟ وكيف نحقق التوازن بين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وحماية العملاء من انحيازات البيانات؟ لا شك أن الذكاء الاصطناعي سيظل قوة دافعة لنمو القطاع المصرفي، لكنه، يتطلب نهجًا يتسم بالمسؤولية والشفافية، ولهذا، من الضروري تطويع التكنولوجيا بما يخدم الاستقرار المالي، ويحمي حقوق العملاء، ويرسم مستقبلًا يتسع للجميع.