هل هناك حاجة لحمائم «الاقتصاد الكلي» في حرب ترامب التجارية؟
(البيان)-10/10/2025
*مارتن ساندبو
أصبح من الصعب أكثر فأكثر، أن تكون محافظاً للبنك المركزي، وقد زاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من صعوبة الأمر، بشن حرب تجارية شاملة على العالم.
ويُنظر إلى تزايد الحواجز التجارية، على أنه صدمة عرض سلبية للدولة التي تفرض رسوماً جمركية. وبما أن مثل هذه الصدمة تدفع الإنتاج إلى الانخفاض، وترفع الأسعار، فإنها تعتبر أسوأ ما يمكن للبنوك المركزية التعامل معه.
والحل الأمثل، هو تجاوز قفزة الأسعار، أو ربما رفع أسعار الفائدة، لمواجهة أي آثار جانبية. وهذا ما طرحه ميغان غرين، من بنك إنجلترا، في مقال بـ«فاينانشيال تايمز».
وينطبق هذا الأمر بشكل خاص، إذا تسببت زيادات الرسوم الجمركية أيضاً في صدمة طلب إيجابية، ما يزيد من الضغط التضخمي، وهو ما يعتمد على كيفية إنفاق عائدات الرسوم، وما إذا كانت الشركات المحلية تستثمر للاستفادة من الطلب المقيد.
إنني أعتقد أن حمائم السياسة النقدية، وُضعوا في موقف حرج للغاية، بسبب تصرفات ترامب.
ومن المفيد في هذا السياق، التركيز على الولايات المتحدة، بصفتها الدولة التي تفرض التعريفات الجمركية، لأن إعادة توجيه تدفقات التجارة في الدول الأخرى، قد يُخفف ضغوط الأسعار، ويدعم بشكل مباشر سياسة نقدية أكثر مرونة.
لا يعني التحليل القياسي أن التعريفات الجمركية تُرجّح كفة الميزان نحو التشديد فحسب، بل إن دعوات ترامب الصاخبة لخفض أسعار الفائدة، يجب أن تجعل محافظي البنوك المركزية من أصحاب التفكير المستقل حذرين من الموافقة، فقط لتجنب إعطاء أي شخص فكرة أنه يمكن التأثير فيهم سياسياً.
ومع ذلك، أعتقد أنه من الممكن أن يكون المرء من الحمائم، شريطة الالتزام التام بالنزاهة. وهناك ثلاث حجج لكيفية تحقق ذلك:
الحجة الأولى قد تكون غريبة، وتتمثل في القول بأن السياسة النقدية الحالية مُقيّدة بالفعل بدرجة مبالغ فيها بالنسبة للاقتصاد الأمريكي. ويمكن الإشارة هنا إلى الطريقة التي برر بها ستيفن ميران، آخر مُعيّن من قِبل ترامب في مجلس الاحتياطي الفيدرالي، دعواته لخفض أسعار الفائدة بشكل كبير. وقد يكون ميران مُحقاً، إذا اعتقد المرء أن السياسة النقدية كانت مُشددة للغاية لفترة طويلة، وأن مستوى الفائدة المحايد كان أقل بكثير.
في المقابل، قد تعتقد أن أسعار الفائدة مرتفعة الآن، إذا كنت تُجادل بالفعل بأنها مُشددة للغاية لبعض الوقت. ومن جانبي، فقد عبّرت من قبل عن تشككي في ارتفاع أسعار الفائدة في الفترة 2022 – 2023، في ظل ما اعتبرته في معظمه صدمات في جانب العرض وتكوين القطاعات.
ويتطلب هذا الرأي الاعتقاد بإمكانية تلبية الطلب الإضافي، دون ضغوط تضخمية كبيرة، وأن التضخم في الفترة 2021 – 2022، كان سينخفض دون تشديد السياسة النقدية. تشمل أسباب الاعتقاد بذلك، توقيت بدء تحول التضخم (قبل تشديد السياسة)، وبقاء معدلات التوظيف في سن العمل دون أعلى مستوياتها التاريخية، والغياب الواضح للبطالة، كآلية يُفترض أن تنجح من خلالها معدلات الفائدة المرتفعة.
وهناك حجج كثيرة تعارض هذا الرأي، بالتأكيد. ليس المقصود هنا طلب تبنيه، بل هذا مجرد وصف لنوع واحد من التحليلات التي طرحها بالفعل أنصار الاقتصاد الكلي من الحمائم منذ فترة، والتي من شأنها دعم تخفيف السياسة النقدية في الولايات المتحدة اليوم، حتى لو كانت رسوم ترامب الجمركية قد تُضعف هذه الحجة من خلال تعزيز حجج التشديد، أو الإبقاء على الأمور كما هي.
ولكن هناك أيضاً حججاً تعتبر صدمة التعريفات الجمركية أمراً بحاجة لتخفيفه بصورة منفصلة.
وخلال ربيع هذا العام – أي في توقيت موازٍ لإعلانات ترامب الضخمة عن التعريفات الجمركية – نشر خافيير بيانكي ولوفو كوليبالي، وكلاهما مرتبط ببنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، نموذجاً يكون رد فعل البنك المركزي الصحيح تجاه قفزة التعريفات الجمركية، هو من خلال تحفيز الاقتصاد، والسماح لكل من التضخم والإنتاج بالارتفاع فوق المعدلات الطبيعية، فالتعريفة الجمركية على السلع الأجنبية، تجعل هذه السلع تبدو أكثر تكلفة للمستهلكين مما هي عليه بالفعل بالنسبة للاقتصاد.
كما يستهلك المستهلكون بشكل جماعي، القليل جداً من الواردات، لأن كل مستهلك فردي لا يأخذ في الاعتبار أن التعريفة التي يدفعها تفيد الآخرين (من خلال دفع تكاليف الإنفاق أو تخفيضات الضرائب).
وتعني هذه العوامل الخارجية أن الواردات، مع فرض التعريفات الجمركية، تكون منخفضة بشكل غير فعال – لذا، فإن أفضل سياسة نقدية تُعوّض ذلك، تأتي عبر تخفيف الشروط، والسماح للتضخم بالارتفاع بما يتجاوز مجرد تكاليف التعريفات الجمركية الكاملة التي تُنقل إلى الأسعار.
هذه نتيجة مثيرة للفضول، ويُنظر إليها على أفضل وجه، كمثال على النظرية العامة للأفضلية الثانية: فبمجرد تشويه عنصر ما في الاقتصاد، لا نحصل على أفضل نتيجة ممكنة بالحفاظ على كل شيء آخر دون تشويه، بل بتشويه عناصر أخرى للتعويض.
ولا ينتهي هذا الفضول عند هذا الحد، إذ يتوقع النموذج أن السياسة النقدية المثلى تُسهم في زيادة التوظيف في الإنتاج المحلي، وتُؤدي إلى تحسن التوازن الخارجي.
ذلك لأنه مع زيادة الإنتاج، وبالتالي الدخل، لا يشتري الناس المزيد من الواردات فحسب، بل يدخرون أيضاً المزيد – وعلى مستوى الاقتصاد الوطني، يجب استثمار هذه المدخرات المتزايدة في الخارج.
باختصار، التنبؤ هنا هو أن يحقق ترامب الكثير مما يصبو إليه. لكن جميع النتائج، حسب هذا النموذج، تجعل الناس في وضع أسوأ مما كان مفترضاً لولا ذلك، لأنهم مضطرون لبذل المزيد من الجهد مقابل باقات استهلاكية أسوأ مما هو عليه الحال في حالة توازن التجارة الحرة. لكن الرفاه الاقتصادي العام، قد لا يكون ما يهم ترامب، إذا استطاع زيادة التصنيع المحلي، وتقليص العجز التجاري.
باختصار، يفعل البنك المركزي ما يريده ترامب (خفض أسعار الفائدة)، لمحاولة إحباط أمر آخر يحاول القيام به (الحمائية)، وينتهي به الأمر إلى تحقيق العديد من أهدافه في هذه العملية، مع تجنيب المستهلكين بعض الصعوبات التي تفرضها سياسات ترامب الاقتصادية. ومن جانبين، أرى أن هذا نموذج غريب، وتعتمد نتائجه على عناصر غريبة.
هناك حجة ثالثة للاعتقاد بأن صدمة ترامب تبرر سياسة نقدية أكثر مرونة. ومثل الحجة السابقة، تتعلق بالتغييرات الهيكلية الناجمة عن زيادات التعريفات الجمركية. ولكن بدلاً من التساؤل عن السياسة النقدية التي ستعكس بعض الضرر، فإن الأمر يتعلق بسياسة نقدية يمكن أن تساعد في التحول الهيكلي المطلوب.
والملاحظة الرئيسة هنا، هي أن إعادة صياغة كبيرة لسلاسل التوريد عبر الحدود والهيكل الإنتاجي للاقتصاد، ستتطلب استثمارات في رأس المال المادي، وتغييرات في الأسعار النسبية، بما في ذلك أسعار أنواع مختلفة من العمالة.
وقد أصبح من المرجح الآن، إجراء استثمارات رأس المال المادي، وأن تتم بشكل أسرع، وعلى نطاق أوسع، عندما تكون تكلفة الاقتراض أقل. ويكون تحقيق التغيرات النسبية في الأسعار أسهل بكثير، عندما ترتفع جميع الأسعار بوتيرة سريعة، مقارنةً بما يتعين على بعض الأسعار – ناهيك عن الأجور – الانخفاض بها بشكل مباشر.
وفي كلا الحالتين، يساعد انخفاض أسعار الفائدة والتسامح مع ارتفاع التضخم على مدى فترة زمنية، على تحقيق تحول هيكلي، إذا لزم الأمر. وإذا أدت السياسة النقدية المحافظة بشكل مفرط إلى تحول هيكلي متأخر أو غير مكتمل، فقد يُفقد الدخل بشكل دائم، مقارنةً بما يمكن تحقيقه.
إن الحجج الثلاث تتضمن أموراً غريبة للغاية، وهي جميعاً تُشير إلى أن السياسة النقدية قد تُؤثر في القدرة الإنتاجية الحقيقية، أي على جانب العرض في الاقتصاد، على المدى الطويل. وقد يؤكد كثيرون بقوة خطأ ذلك، لكن من المهم ألا ننسى أبداً أن بعض الغرائب قد تكون صحيحة.