إجماع خطير لوادي السيليكون حول وعود الذكاء الاصطناعي
(البيان)-10/10/2025
*جون ثورنيل
وصف أوسكار وايلد صيد الثعالب ذات مرة بأنه سعي لا يُطاق وراء ما لا يمكن أكله.
ولو كان حياً اليوم لوصف السعي وراء الذكاء الاصطناعي العام بأنه ما لا يمكن فهمه في سعي لا يمكن فهمه وراء ما لا يمكن تعريفه أو تحديده.
ويتم حالياً ضخ مئات المليارات من الدولارات في بناء نماذج ذكاء اصطناعي توليدي، إنه سباق نحو تحقيق ذكاء بمستوى الذكاء البشري، لكن حتى المطورون لا يفهمون تماماً كيفية عمل نماذجهم ولا يتفقون تماماً على المعنى العام للذكاء الاصطناعي.
بدلاً من المبالغة في الحديث عن أن الذكاء الاصطناعي يبشر بعصر جديد من الوفرة، أليس من الأفضل التخلي عن مثل هذا الكلام وبناء أنظمة ذكاء اصطناعي لتحقيق أهداف أكثر قابلية للتحقيق؟ كان هذا هو الرأي السائد في مؤتمر استضافته جامعة ساوثهامبتون والجمعية الملكية، الأسبوع الماضي، وخلال المؤتمر قالت شانون فالور، الأستاذة في جامعة إدنبرة: «يجب أن نتوقف عن التساؤل: هل الآلة ذكية؟ وأن يكون السؤال: ما الذي تفعله الآلة بالضبط؟».
هي محقة في ذلك، فقد انتشر مصطلح الذكاء الاصطناعي العام لأول مرة في مجال الحوسبة، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لوصف كيفية قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي يوماً ما على القيام بمهمة التفكير العام المماثل لما يقوم به البشر (على عكس الذكاء الاصطناعي الضيق الذي يتفوق في مجال واحد)، ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا المصطلح بمثابة المبرر الرئيسي الذي يستخدم دائماً لتبرير موجات الإنفاق الهائلة.
وأمام مختبري أبحاث الذكاء الاصطناعي الرائدين «أوبن إيه آي» و«جوجل ديب مايند»، مهمة مؤسسية واضحة لتحقيق الذكاء الاصطناعي العام، وإن كانت بتعريفات متباينة، فتعريف «أوبن إيه آي» هو: «نظام عالي الاستقلالية يتفوق على البشر في العمل الأكثر قيمة اقتصادياً»، لكن حتى سام ألتمان، الرئيس التنفيذي للشركة، الذي وقّع صفقات بقيمة تريليون دولار هذا العام لتعزيز قوة الحوسبة، يقر بأن هذا «ليس مصطلحاً مفيداً للغاية».
وحتى لو قبلنا استخدامه يبقى هناك شاغلان: ماذا يحدث إذا حققنا الذكاء الاصطناعي العام؟ وماذا يحدث إذا لم نحققه؟
يشير إجماع وادي السيليكون إلى أن الذكاء الاصطناعي العام، بغض النظر عن تعريفه، سيكون في متناول اليد هذا العقد.
وقد أسس بعض قادة التكنولوجيا على الساحل الغربي لجنة عمل سياسية برأسمال 100 مليون دولار، لدعم المرشحين «المؤيدين للذكاء الاصطناعي» خلال انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، وللتخلص من اللوائح غير المفيدة، ويشيرون إلى التبني السريع على نحو مذهل لروبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ويسخرون من المتشائمين، أو دعاة التباطؤ، الذين يريدون إبطاء التقدم وإعاقة الولايات المتحدة في سباقها التكنولوجي مع الصين.
لكن الذكاء الاصطناعي العام لن يكون نعمة فورية، أو معجزة، بل تقر شركة «أوبن إيه آي» نفسها بأنه يمكن أن يحمل في طياته «خطراً جسيماً من سوء الاستخدام، وحوادث جسيمة، واضطرابات مجتمعية»، وهذا يفسر سبب تردد شركات التأمين الآن في توفير تغطية شاملة للقطاع.
ويذهب بعض الخبراء، مثل إليعازر يودكوفسكي ونيت سواريس، إلى أبعد من ذلك بكثير، محذرين من أن الذكاء الاصطناعي الفائق «المارق» قد يشكل تهديداً وجودياً للبشرية، ويلخص عنوان كتابهما الأخير «إذا بناه أي شخص فسيموت الجميع» هذه الحجة إلى حد كبير.
ومع ذلك ليس الجميع مقتنعاً بأن وصول الذكاء الاصطناعي العام وشيك.
وفي استطلاع أجرته جمعية النهوض بالذكاء الاصطناعي هذا العام رأى 76 % من المشاركين البالغ عددهم 475 (معظمهم أكاديميون) أنه من غير المحتمل أو من غير المحتمل جداً أن تقود الأساليب الحالية إلى الذكاء الاصطناعي العام، وقد يمثل هذا مشكلة: حيث يبدو أن أسواق الأسهم الأمريكية تعتمد على قناعة معاكسة.
وقد اعترض العديد من الحاضرين خلال فعالية الأسبوع الماضي على الإطار الذي وضعه وادي السيليكون للذكاء الاصطناعي، ولم يكن العالم ليسير في مسار تكنولوجي مقدر له أن يفرز نتيجة واحدة فقط، وكان من الأجدر اتباع مناهج أخرى بدلاً من الرهان على التعلم العميق الكامن وراء نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية.
وقدم رائد الكمبيوتر آلان كاي، البالغ من العمر 85 عاماً، وهو شخصية مرموقة في هذا المجال، منظوراً للأمور، فقد جادل بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحقق بلا شك فوائد حقيقية، وفي الواقع ساعده الذكاء الاصطناعي في الكشف عن إصابته بالسرطان خلال فحص التصوير بالرنين المغناطيسي، ولذلك خرج ليقول: «الذكاء الاصطناعي منقذ للحياة».
مع ذلك أعرب كاي عن قلقه من سهولة خداع البشر، ومن أن شركات الذكاء الاصطناعي لا تستطيع دائماً شرح كيفية إنتاج نماذجها للنتائج، وقال إن على مهندسي البرمجيات، مثل مصممي الطائرات أو بناة الجسور، واجباً يتمثل في ضمان عدم تسبب أنظمتهم في أي ضرر أو تعطل، ويجب أن يكون الموضوع الرئيسي لهذا القرن هو السلامة، وأفضل سبيل للمضي قدماً هو تسخير الذكاء الجماعي للبشرية، مع تراكمه بثبات على مر الأجيال، وقال كاي: «لدينا بالفعل ذكاء اصطناعي خارق، إنه علم».
فقد حقق الذكاء الاصطناعي بالفعل بعض الإنجازات الرائعة، مثل نموذج ألفا فولد من جوجل ديب مايند الذي تنبأ ببنية أكثر من 200 مليون بروتين، ما أكسب الباحثين جائزة نوبل.
لكن كاي سلط الضوء على مخاوفه الخاصة بشأن نقاط الضعف التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، واستشهد بزميله عالم الحاسوب بتلر لامبسون، الذي قال: «إذا عثرت على الجني في زجاجة، فاحرص على أن تحتفظ به هناك».