لم يكن ارتفاع الذهب يوما آمنا!
(العربية)-20/10/2025
*ثامر بن فهد السعيد
ارتفعت أسعار الذهب خلال السنة وحتى منتصف أكتوبر بنسبة 62% حيث قفزت الأونصة في تعاملات هذا العام 1,630 دولارا وصولا إلى 4,326 دولارا كأعلى سعر تاريخي لها. يمثل هذا الارتفاع أعلى مكاسب سنوية يحققها المعدن الأصفر منذ العام 1979 بعد أن سجل الذهب ذلك العام ارتفاع بنسبة 120% ما يمثل ضعف مكاسبه هذه السنة.
تاريخيا يعد ارتفاع الذهب بمثابة الإنذار، حيث يعد لجوء المستثمرين له هروبا من الاستثمارات الأكثر خطورة إلى الملاذ الآمن تحسبا لأي تطورات سلبية في الشقين الاقتصادي والسياسي، لم يسبق للذهب أن تحرك نحو الارتفاع في بيئة اقتصادية مزدهرة ولم يكن يوما إشارة لحال اقتصادي مستقر، أيضا فهو الملاذ الآمن للمستثمرين في حال الحروب والمخاطر الجيوسياسية عالميا.
كتأسيس لخلفية ارتفاع الذهب على مدى السنوات الماضية ارتبط انتعاشه بظروف صعبة اقتصاديا وسياسيا انطلاقا من قرار الرئيس الأميركي نيكسون بفك ارتباط الدولار بالذهب، حيث قفزت الأونصة ذلك الزمن من 35 إلى 200 دولار للأونصة لتواصل ارتفاعها بعد ذلك وصولا إلى أدائها التاريخي الأكبر في 1979 حيث وصلت الأونصة 850 دولارا، تلاها انتعاش الذهب قبيل العام 2000 حيث كان ذلك انعكاسا لأزمة العملات الآسيوية وتخلف روسيا عن سداد ديونها، ثم الأزمة المالية العالمية 2008، وصولا إلى أزمة الديون الأوروبية 2012، ثم أزمة كورونا 2020.
هذا يوصلنا إلى وقتنا الحالي، حيث يتواصل نمو الديون العالمية ويستمر ضعف الدولار الأميركي في 2025. لم يسبق للذهب أن تحرك في ظروف إيجابية وهذا بديهي لكونه أصل غير منتج وإنما يتسم بالندرة وحفظ القيمة فهو أداة تحوط ناجعة تحمي من ضعف القوة الشرائية للعملات النقدية كافة وأيضا يعزز التحوط ضد التضخم.
استثماريا لا تخلو أي إستراتيجية لتوزيع الأصول من الذهب بنسب متفاوتة إلى إجمالي الأصول المستثمر بها إلا أنه في أغلب الأحوال تبقى بين 5% و10% من إجمالي الأصول المستثمرة وإن كان الحال كذلك فكل 10% ارتفاع في الذهب تخدم هذه النسبة الأداء العام لأي إستراتيجية بنسبة 0.5% إلى 1%.
وبحسب أداء الذهب لليوم فهذا أداء إضافي لحملة أونصات الذهب بنسبة تراوح بين 3% وحتى 6% هذا في الأحوال الطبيعية للإستراتيجيات إلا أن لها استثناءات لاشك كما فعل المستثمر المصري نجيب ساويرس، حيث أوصل الاستثمار بالذهب إلى 50% من حجم استثماراته، أما على صعيد احتياطيات الدول فقد تسابقت عدد منها في السنوات الأخيرة لزيادة احتياطيات الذهب لديها كما فعلت السعودية، أميركا، الصين وروسيا.
تجاريا تتأثر صناعة الذهب جراء ارتفاع الأسعار لعدة عوامل، إن طبيعة الصناعة تحتم على تجار المجوهرات الإبقاء على مخزونهم من الذهب عند المستويات نفسها أو زياده ليتمكنوا من تحقيق الأرباح فربح تجارة المجوهرات يعتمد على مخزون الذهب لا على قيمة البيع أيضا فإنه في مثل هذه الظروف تتأثر شهية المستهلكين فتنخفض رغبتهم بالاقتناء أو التوجه إلى معيار ذهب أقل 12 – 14 أو 18 لتفادي غلاء الأسعار نتيجة ارتفاع خام الذهب.
أما في الجهة المقابلة فتزدهر تجارة التنقيب عن الذهب والمناجم متصاحبة مع ارتفاع تكاليف استخراجه والأيدي العاملة فيه، في الخلاصة ارتفاع الذهب لا يخدم صناعته وإنما يخدم مكتنزيه بشكل على وجه العموم. ولفهم فلسفة الذهب تجاه ضعف العملات والتضخم وإذا عندنا إلى العام 1979 حيث وصل سعره 850 دولارا للأونصة، بمقارنة ما يمكن شراؤه بـ 850 دولارا بمقابل أونصة ذهب اليوم، التي بلغت 4.326 دولارا.