من النفط إلى الابتكار: هكذا رسخت دول الخليج نموذجاً للاقتصاد المرن
(النهار)-28/10/2025
فيما يشهد الاقتصاد العالمي تقلّبات حادة وتحدّيات متزايدة نتيجة التوترات الجيوسياسية وتراجع أسعار النفط، تبرز دول الخليج نموذجاً فريداً للقدرة على الصمود وإدارة الأخطار بكفاءة، بفضل سياساتها الاقتصادية المتوازنة واستراتيجياتها الطموحة في التنويع والابتكار.
استطاعت اقتصادات الخليج تجاوز الصدمات المتكررة في أسعار النفط، والحفاظ على زخم النمو، بفضل مشاريع التحول الاقتصادي، والاستثمارات الكبرى في القطاعات غير النفطية التي تمثل اليوم ركيزة أساسية في اقتصادات المنطقة.
نمو متسارع
كشف أحدث تقارير صندوق النقد الدولي أن اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا والخليج واصلت إظهار قدرة ملحوظة على الصمود خلال 2025، رغم تصاعد حالة عدم اليقين عالمياً.
ويشرح التقرير أن دول مجلس التعاون الخليجي قادت هذا النمو، ما دفع الصندوق إلى رفع توقعاته لنمو اقتصاداتها إلى 3.9% في 2025، و4.3% في 2026، مدعومة بزيادة الإنفاق الاستثماري وتوسع النشاطات غير النفطية.
كما رفع الصندوق توقعاته للناتج المحلي غير النفطي في دول الخليج إلى 3.8% في 2025 مقارنة بـ3.4% في تقديرات أيار (مايو) الماضي، على أن يصل إلى 3.6% في 2026، في إشارة واضحة إلى نجاح سياسات التنويع الاقتصادي التي تبنتها هذه الدول.
تحول هيكلي
وفقاً لبيانات المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون، سجل الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج بالأسعار الجارية نمواً إجمالياً في الربع الأول من 2025 بلغت قيمته 588,1 مليار دولار، مقارنة بـ 570,9 مليار دولار خلال الفترة نفسها من 2024، بنسبة نمو سنويّ 3%.
وتبرز الأرقام أن النشاطات غير النفطية ساهمت بنحو 73.2% من الناتج المحلي الإجمالي الخليجي بنهاية الربع الأول من 2025، مقابل 26.8% فقط للنشاطات النفطية، بعدما باتت الصناعات والخدمات والتقنيات الحديثة مصادر رئيسية للنمو.
في المقابل، يتوقع بنك “سيتي غروب” أن يدفع تراجع حدة الحرب الروسية-الأوكرانية أسعار النفط إلى الهبوط إلى نحو 50 دولاراً. ورغم هذه التطورات، واصلت دول الخليج إظهار مرونة مالية واقتصادية عالية، إذ تمكنت من إدارة هذه التحديات باحتراف مع عدم التأثر بتراجع النفط، بسياسات مالية داعمة وتنويع مصادر الدخل، مستفيدة من فوائضها المالية الكبيرة ومحافظها الاستثمارية العالمية.
توجه مستقبلي نحو الابتكار
يؤكد الخبير في اقتصاديات الطاقة نهاد إسماعيل لـ “النهار” أن التراجع الحالي في أسعار النفط إلى مستويات 60 دولاراً لخام برنت، و57 دولاراً لخام غربي تكساس، يأتي نتيجة مزيج من العوامل: “الفائض في المعروض، وارتفاع المخزونات العالمية، والتوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب تخفيف تحالف ’أوبك+‘ لتخفيضات الإنتاج تدريجياً”.
يضيف: “تمتلك دول الخليج خبرة طويلة في التعامل مع الأزمات المشابهة، إذ واجهت انهيارات مماثلة في أسعار النفط في الثمانينيات، وفي 2014، حين تراجعت الأسعار من 100 دولار إلى أقلّ من 50 دولاراً للبرميل، لكنها تمكّنت من الصمود، بل استثمرت الأزمة لتعزيز مشاريع التنويع الاقتصادي وإطلاق برامج التنمية المستدامة التي قلّلت من الاعتماد على العائدات النفطية”.
وبحسبه، استمرار الأسعار عند مستويات منخفضة قد يدفع إلى ترشيد الإنفاق وتأجيل بعض المشاريع، لكنه لا يشكل تهديداً مباشراً للاستقرار المالي الخليجي.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي لدول منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا نمواً بنسبة 3.3% في 2025، و3.7% في 2026. ويرى الصندوق أن النمو الخليجي سيظل محركاً أساسياً لهذا الأداء الإيجابي، مدعوماً بانخفاض معدلات التضخم والبطالة واستمرار التوسع في الاستثمارات الاستراتيجية والبنية التحتية.
