تدفقات رؤوس الأموال ترفع طموحات مصر للاستثمار الأجنبي المباشر
(العربية)-20/11/2025
دفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة الضخمة التي جذبتها مصر منذ بداية العام الحالي، الحكومة لرفع سقف طموحاتها للاستثمار الأجنبي المباشر خلال الفترة المقبلة، بحسب ما قاله مسؤول حكومي لـ”العربية Business”.
وأضاف أن الحكومة لا تركز حالياً على مستهدفات محددة للاستثمارات الأجنبية المباشرة ولكن تتطلع لاستقطاب أنشطة وشركات من قطاعات معينة إلى السوق المصرية.
وأشار إلى أن الهيئة العامة للاستثمار تعرض الفرص المتاحة في مصر على مختلف الشركات العالمية، بغرض استقطاب استثمارات أجنبية جديدة للسوق المحلية.
شهدت الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي، زيادة كبيرة في معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة لمصر، كان آخرها الصفقة الاستثمارية الأضخم خلال العام، والمتعلقة بتطوير وتنمية 4900 فدان بمنطقة “علم الروم” بالساحل الشمالي الغربي، باستثمارات إجمالية 29.7 مليار دولار.
سبق الصفقة الكبرى، التي وقعتها الحكومة المصرية ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية، مع شركة “الديار” القطرية، مطلع الشهر الحالي، توقيع صفقات أقل حجماً مع شركات سعودية وإماراتية وصينية وتركية وأميركية وأوروبية كبرى.
شملت الصفقات الضخمة، توقيع شركتي “إعمار مصر” التابعة لمجموعة “إعمار العقارية” الإماراتية، و”الشربتلي” السعودية، سبتمبر الماضي، عقود شراكة مع الحكومة المصرية لتنفيذ مشروع “مراسي البحر الأحمر” باستثمارات تصل إلى 900 مليار جنيه (نحو 19 مليار دولار).
الصفقات تضمنت أيضاً، توقيع الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، عقود لتنفيذ 44 مشروعاً بمنطقة القنطرة غرب الصناعية باستثمارات إجمالية 1.16 مليار دولار.
وبجانب الصفقات الكبرى، وقعت الحكومة المصرية خلال الأشهر المنقضية من العام الحالي، صفقات أقل حجماً في قطاعات صناعية مختلفة مثل السيارات والملابس الجاهزة والمنسوجات والأجهزة المنزلية.
ولم تعلن الحكومة المصرية عن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تم جذبها منذ بداية العام، لكن رئيس هيئة الاستثمار قدرها، في تصريحات تلفزيونية سابقة، بنحو 9 مليارات دولار خلال النصف الأول من العام الحالي.
جذبت مصر استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 46.6 مليار دولار في العام المالي 2023- 2024 بدعم من صفقة رأس الحكمة، و10.7 مليار دولار في 2024- 2025، فيما تستهدف زيادتها إلى 16.1 مليار دولار العام المالي الحالي، بحسب بيانات السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية.
وتتطلع مصر لاستقطاب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 17.8 مليار دولار في 2026- 2027، ترتفع إلى 20 مليار في 2027- 2028، و22.8 مليار في 2028- 2029، و24.6 مليار في 2029- 2030، بحسب السردية.
كيف تنعكس الاستثمارات على الاقتصاد؟
قال الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة، إن حزمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي نجحت مصر في توقيعها منذ بداية العام الحالي، ستظهر آثارها على مختلف المؤشرات الاقتصادية، وفي مقدمتها سعر الصرف وعوائد التصدير.
وأضاف بدرة لـ”العربية Business” أن دخول استثمارات أجنبية مباشرة يسهم في زيادة المعروض من النقد الأجنبي، وبالتالي تحسّن سعر الجنيه مقابل الدولار، خاصة أنه يرفع عوائد الصادرات.
وأشار إلى أن مصر تخطط منذ سنوات لزيادة معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر، ليس فقط عبر الصفقات ذات الحجم الكبير مثل رأس الحكمة وعلم الروم، لكن هناك أيضاً صفقات أصغر حجماً لها أثر كبير على الاقتصاد، مثل مشروعات الصين في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والمشروعات الأوروبية في قطاعات الكهرباء ووسائل النقل.
وأكد بدرة على ضرورة إدراك أن أثر الاستثمار الأجنبي ليس لحظياً، فالدولة لا تحصّل الأموال بمجرد توقيع العقد، بل تستغرق الشركات فترات قد تمتد من عام إلى ثلاثة أعوام لبناء المصانع أو تشغيل المشروعات، ليظهر بعدها الأثر في صورة إنتاج وصادرات ومردود اقتصادي.
“البعض يتصور أن أي استثمار جديد سيؤدي لتحسن سعر الصرف في اليوم التالي، لكن الواقع أن تلك الاستثمارات تحتاج وقتاً لتحقيق عوائدها”، وفق بدرة.
ووصف بدرة السعر الحالي للجنيه مقابل الدولار بالمتوازن، وقال إن أي خفض حاد وغير مدروس لسعر الدولار قد يضر بالاستثمارات غير المباشرة.
ضبط الميزان التجاري وسد الفجوة التمويلية
قال الخبير الاقتصادي محمد أنيس، إن استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خاصة التي تستهدف التصدير، له أثراً مباشراً على علاج جزء من المشكلة الهيكلية الأساسية التي تعاني منها مصر منذ عقود، وهي اختلال الميزان التجاري نتيجة استيراد أكثر مما يتم تصديره.
وأضاف أنيس لـ”العربية Business” أن هذا الخلل المزمن يضع ضغوطاً متواصلة على سعر الصرف، ويعزز مستويات التضخم، كما يترك الاقتصاد في وضع هشّ عند التعرض لأي صدمات خارجية.
“الاستثمارات الأجنبية المباشرة أحد الروافد المستدامة لتدفقات العملة الصعبة، وما تقوم به الدولة حالياً من إجراءات لزيادة معدلاتها، يمكن اعتباره محاولة جادة لسد الفجوة التمويلية، بدون استدانة تضيف التزامات مستقبلية على الدولة”، وفق أنيس.
واعتبر أنيس أن نوعية الاستثمار الأجنبي المباشر هي ما تحدد مدى أثره الحقيقي على الاقتصاد، فهناك استثمارات أجنبية قد تتحول إلى عبء دولاري إذا كانت موجهة فقط للسوق المحلي دون تصدير.
وأشار أنيس إلى أن نوعية الاستثمارات الخليجية التي استقطبتها مصر الأشهر الأخيرة، يمكن اعتبارها من الاستثمارات المدرة للعوائد الدولارية رغم كونها استثمارات عقارية.
وأضاف: هذه الاستثمارات تتضمن عنصراً دولارياً مهماً، كونها تأتي من شركات إقليمية كبيرة تجذب معها عملاء من الخارج، وهو ما يضمن جذب مبيعات بالعملة الصعبة، كما أنها تشمل إنشاء وحدات فندقية ومشروعات سياحية، مما يرفع من إيرادات السياحة ويعزز التدفقات الدولارية.
تقليل الاقتراض وتحسين التصنيف الائتماني
قال أنيس إن زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة سيكون لها انعكاس أيضاً على الدين الخارجي لمصر، وخفض الفجوة الدولارية الدائمة نتيجة زيادة الالتزامات السنوية.
وأضاف: “كلما زادت الاستثمارات الأجنبية، كلما تراجعت الحاجة للاقتراض الخارجي، فزيادة موارد الدولار تُقلل بشكل مباشر حجم الفجوة التمويلية، وبالتالي تقلل اعتماد الدولة على القروض”.
وأشار إلى أن الاستثمارات الأجنبية سيكون لها تأثير مباشر على تحسّن سعر الصرف تدريجياً مستقبلاً وتخفيف الضغط على العملة الصعبة، متوقعاً أن يستقر الدولار عند 48 جنيهاً خلال الفترة المتبقية من عام 2025 وخلال عام 2026.
كما توقع أنيس أن تسهم التدفقات الاستثمارية لمصر في تحسين التصنيف الائتماني مرة أخرى خلال الفترة المقبلة، ورجّح أن تحسّن الوكالات الثلاث (موديز، وفيتش، وستاندرد آند بورز) تصنيف مصر درجة إضافية مع نهاية برنامج صندوق النقد الدولي، بعد نحو تسعة أشهر من الآن.
