قمة «بيروت 1»… نحو انطلاقة اقتصادية جديدة بعد حرب 2024
(الجمهورية)-21/11/2025
بعد الحرب المدمّرة التي شهدها لبنان عام 2024 وما خلّفته من دمار واسع طاول البنى التحتية والقرى والمناطق السكنية، يعود لبنان إلى الواجهة العربية والدولية، من خلال استضافة قمة «بيروت 1»، التي يُعوَّل عليها أن تكون نقطة تحوّل اقتصادية تستعيد بها البلاد جزءًا من ثقتها المفقودة منذ الأزمة المالية التي بدأت عام 2019. ومع انهيار النظام المصرفي، وتراجع الناتج المحلي، وفقدان مئات آلاف اللبنانيين قدرتهم الشرائية، تبرز الحاجة إلى مؤتمر جامع يعيد رسم خريطة الإنقاذ، ويضع الاقتصاد اللبناني على مسار استقرار مستدام.
تهدف القمة إلى جذب استثمارات جديدة قد تتجاوز 7.5 مليارات دولار، وهي أرقام واقعية في ضوء اهتمام القطاع الخاص العربي والدولي بالمشاركة في إعادة الإعمار. ويأتي هذا الجهد مدعومًا بدول عربية محورية لعبت تاريخيًا دورًا مهمًا في دعم لبنان، وعلى رأسها السعودية وقطر والكويت. وينتظر اللبنانيون أن يمثّل هذا الدعم خطوة أولى نحو إعادة بناء ما تهدّم، وتأمين البنية التحتية الأساسية التي تشكّل العمود الفقري لأي تعافٍ اقتصادي.
ويشكّل القطاع الخاص محورًا أساسيًا في الرؤية الاقتصادية للقمة، نظرًا لقدرته على التحرّك السريع، وجذب التمويل، والدخول في مشاريع تنموية قائمة على الإنتاج لا على الاستهلاك. وتشير التقديرات إلى أنّ بيئة الأعمال في لبنان ـ على رغم من التحدّيات ـ لا تزال تحظى بقدرات لوجستية وطاقات بشرية تؤهّلها لاستقطاب مشاريع استثمارية نوعية، خصوصًا في قطاعات التكنولوجيا، الطاقة، الاتصالات، السياحة والبنى التحتية.
لكن يبقى الشرط الجوهري لهذه الانطلاقة هو الاستقرار الأمني. فالتوترات المتكرّرة والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على جنوب لبنان، تُعدّ أبرز العوامل المعوّقة لجذب الاستثمار. ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أنّ تحقيق هدنة طويلة، أو على الأقل تخفيف منسوب التوتر، قد يفتح الباب أمام انتعاش واضح، لأنّ العلاقة بين الأمن والاقتصاد في لبنان هي علاقة مباشرة: حيث يوجد استقرار، يوجد استثمار، ويبدأ النمو بالتحرك.
على مستوى الأرقام، تقدّر مصادر مالية رسمية الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024 بنحو 28 مليار دولار، وهو مستوى منخفض مقارنة بما كان عليه قبل عام 2019 حين تجاوز الناتج 55 مليار دولار. وعلى رغم من هذه الفجوة الكبيرة، يُظهر المشهد الاقتصادي إمكانية تحقيق معدل نمو يتراوح بين 4 و6% في عام 2025، وفق تقديرات مؤسسات دولية، شرط تنفيذ إصلاحات مالية واضحة وبدء تدفق الاستثمارات الخارجية. ومع أنّ الطموحات السابقة التي تحدثت عن وصول الناتج المحلي إلى 50 أو 60 مليار دولار في وقت قصير تبدو غير واقعية، إلّا أنّ المسار التدريجي للنمو، إذا ما اقترن باستثمارات حقيقية وسياسات مالية نظيفة، قد يضع البلاد على سكة استعادة قدر من عافيتها.
وتنطلق قمة «بيروت 1» من رؤية تعتمد على اقتصاد نظيف وتمويل شفاف، بعيدًا من الهدر والمحاصصة التي أنهكت الدولة. وهذا ما يجعل المؤتمر فرصة لإعادة تعريف دور الدولة وشراكتها مع القطاع الخاص، ولبناء ثقة جديدة مع الجهات المانحة الدولية، التي لا تخفي استعدادها للمساعدة في حال توافرت مؤشرات إصلاحية جدّية.
إن نجاح هذه القمة سيكون بمثابة إعلان بداية مرحلة جديدة للبنان، مرحلة عنوانها الاستثمار، إعادة الإعمار، وعودة الثقة. فإذا استطاع لبنان أن يستفيد من الزخم العربي والدولي، ويرسّخ الاستقرار الأمني، ويطلق إصلاحات حقيقية، فقد تتحول «بيروت 1» منصة انطلاق نحو اقتصاد أكثر تماسكًا ونموًا، يضع البلد على طريق التعافي بعد سنوات قاسية من الانهيار.
