مصارف الاستثمار العالمية: حسم ملف السلاح أساس للإصلاحات والاتفاقات الدولية
(النهار)-03/12/2025
بعد انعقاد مؤتمر Beirut One ووصول وفود من مصارف استثمار عالمية بدعوة رسمية من السلطات اللبنانية، أجمعت التقارير الصادرة عن هذه المؤسسات، استناداً إلى اجتماعاتها في لبنان، على أنّ “السلاح غير الشرعي يبقى العائق الأكبر أمام تنفيذ الإصلاحات البنيوية والتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، إضافة إلى كونه عاملًا أساسياً في عرقلة تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات العربية والأجنبية”.
وفي هذا الإطار، رأى “غولدمان ساكس” أنّ “إحراز تقدّم كبير نحو اتفاق على مستوى الموظفين مع صندوق النقد، أو نحو اتفاق لإعادة هيكلة الدين العام مع حاملي سندات اليوروبوند، يبقى غير مرجّح من دون معالجة ملف السلاح خارج مؤسسات الدولة”.
واعتبر المصرف أنّ “استمرار هذا الوضع قد يدفع البلاد نحو عدم استقرار وصراعات تعطل الإصلاحات، رغم تسجيل بعض الخطوات الإيجابية مثل تعديل قانون السرية المصرفية وإقرار قانون إعادة انتظام العمل المصرفي”. كما شدّد على “ضرورة إقرار قانون الفجوة المالية لمعالجة خسائر القطاع المصرفي وتوزيعها بشكل عادل، إذ لا يمكن حل الأزمة الاقتصادية وتعثّر الدين من دون هذا التشريع”.
وأشار المصرف إلى “خلافات جوهرية بين الأطراف المعنية بشأن الجدول الزمني لتطبيق معالجة الخسائر، رغم وجود توافق حول ترتيبها”.
ويرى مصرف لبنان ضرورة تطبيق هرمية المطالبات بعد استبعاد “الودائع غير النظامية”، وهي الودائع المحوّلة من الليرة إلى الدولار على سعر 1500 ليرة سابقاً، أو تلك التي لا يمكن التحقق من قانونيتها، إلى جانب الفوائد المرتفعة على بعض الحسابات. ويقدّر المصرف حجم هذه الودائع بنحو “35 مليار دولار، ما قد يخفض التزامات مصرف لبنان إلى نحو 50 مليار دولار بعد استبعادها، ويسمح للمصارف بشطب مبلغ مماثل من شهادات الإيداع المدرجة ضمن التزامات المصرف المركزي”.
في المقابل، يُشدّد صندوق النقد على ضرورة تطبيق هرمية المطالبات قبل أي خفض في الودائع، ما يعني شطب رأسمال المصارف أولاً، وهو ما يشكل نقطة خلاف أساسية بين الطرفين. ويؤكد “غولدمان ساكس” أنّ مصرف لبنان نفسه يرى أن رساميل المصارف ستتآكل إلى حد كبير بموجب خطته.
وتبرز أيضاً خلافات بين “مصرف لبنان ووزارة المال حيال معالجة مبلغ 16.5 مليار دولار الذي تدين به الوزارة للمصرف المركزي. فمصرف لبنان يفضّل السداد عبر سند دائم منخفض الفائدة يجنّبه خفضًا إضافيًا في الالتزامات، فيما تخشى الوزارة انعكاس هذا الدين على استدامة الدين العام، إذ يعادل نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي”.
ورغم التباينات، هناك توافق واسع مبدئي على معالجة الودائع وفق 3 مراحل:
– استبعاد الودائع غير النظامية.
– السداد التدريجي والكامل للودائع دون 100 ألف دولار، وهي تمثل نحو 85% من الحسابات وأقل من 15% من قيمة الودائع.
– فرض اقتطاعات جزئية أو تحويل جزء من ودائع كبار المودعين إلى أدوات مالية مختلفة مثل السندات صفرية الفائدة أو الأوراق المالية المدعومة بالأصول أو تحويلها إلى أسهم في المصارف.
وفي تفاصيل هذه التقارير التي وردت في النشرة الاقتصادية الاسبوعية لمجموعة بنك بيبلوس Lebanon This Week ، يعتبر “غولدمان ساكس” أنّ “الضغوط الخارجية قد تدفع الأطراف اللبنانية إلى تسوية الملفات الاقتصادية ضمن اتفاق سياسي أوسع يتضمن حل مسألة السلاح غير الشرعي. لكنه يحذّر من أنّ خطر استمرار الجمود في الإصلاحات مرتفع نظراً لتركيبة النظام الانتخابي التي لا تُشجّع على تغييرات سياسية كبيرة قبل الانتخابات النيابية المقبلة”.
وتوقع “غولدمان ساكس” أن يبلغ معدل النمو 2.3% في 2025، و3.9% في 2026، و4.1% في 2027، و4.2% في 2028، و4.4% في 2029. كما توقّع أن يصل معدل التضخم إلى 14.7% في 2025 و15% في 2026 و15.4% بين 2027 و2029، مع معدل تضخم متوسط يبلغ نحو 10.2% على المدى المتوسط، مقارنة بتوقعات مؤسسات مالية أخرى تُقدّر التضخم بـ11.7% في 2026.
وفي السياق عينه، عرض “بنك أوف أميركا” مجموعة عوامل قد تحدد اتجاهات الاقتصاد اللبناني في المرحلة المقبلة، أبرزها: “التقدم في معالجة ملف السلاح غير الشرعي، التوترات بين إسرائيل وحزب الله، إقرار موازنة 2026، احتمال تأجيل الانتخابات النيابية، مناقشة تعديلات قانون إعادة تنظيم العمل المصرفي، إقرار قانون الاستقرار المالي واستعادة الودائع، وإمكانية التوصل إلى اتفاق بين وزارة المالية ومصرف لبنان حول القرض البالغ 16.5 مليار دولار. كما أشار إلى مراجعة السلاسل الزمنية للناتج المحلي الإجمالي الاسمي، التي قد يكون لها تأثير على تقدير حجم الاقتصاد الحقيقي”.
ورأى المصرف أنّ “تأجيل الانتخابات، رغم أنه قد يمنح البرلمان وقتاً إضافياً لتمرير الإصلاحات، إلاّ أنّه يمدد ولاية مجلس نيابي لا يملك سجلاً جيداً في هذا المجال. واعتبر أنّ التوصل إلى تسوية بشأن خطة التعافي المالي يبقى مرهونًا بالإصلاحات السياسية”، مشيراً إلى أنّ “بعض بنود قانون الاستقرار المالي واستعادة الودائع لا تتوافق مع متطلبات صندوق النقد، خصوصًا لجهة استخدام احتياطات الذهب وتطبيق هرمية المطالبات”. كما رجّح أن “يقبل الصندوق معالجة مسبقة للودائع غير المشروعة، لكنه قد يرفض شطب الفوائد المرتفعة أو معالجة الودائع المحوّلة إلى الدولار منذ بدء الأزمة”.
ويقدّر “بنك أوف أميركا” إمكانية التوصل إلى تسوية بين مصرف لبنان ووزارة المالية بشأن القرض المذكور، شرط اعتماد معالجة محاسبية موحدة ومراجعة معمّقة لاستدامة الدين. كما توقع أن يفرض صندوق النقد سقفًا صارمًا لنسبة الدين إلى الناتج بعد إعادة الهيكلة، لضمان هامش أمان ومنح الحكومة قوة تفاوضية في محادثاتها مع الدائنين.
ورأى المصرف أنّ “تطبيع العلاقات مع السعودية قد يشكل مؤشرًا مهمًا على دعم سياسي ومالي للبنان، أكثر من كونه مؤشراً تجارياً، وأنّ تحسن هذه العلاقات قد يوفر ضمانات تمويلية لبرنامج مع صندوق النقد ومؤتمرات دعم وإعادة إعمار”.
كما أشار إلى أنّ الحظر السعودي على الصادرات اللبنانية عام 2021 تم تعويضه عبر زيادة الصادرات إلى الإمارات، وأن المصدّرين اللبنانيين إمّا وصلوا إلى السوق السعودي بشكل غير مباشر أو أعادوا توجيه صادراتهم.
وأكّد أنّ عودة السياح العرب “قد تدعم الحساب الجاري، شرط توفر الاستقرار السياسي”.
