لماذا تعثرت مبادرات تمكين القطاع الخاص في الكويت؟
(القبس)-23/12/2025
*فهد العلي
شهدت دولة الكويت منذ أوائل التسعينيات، توجهاً معلناً نحو تعزيز دور القطاع الخاص، وتنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على الاقتصاد الريعي. وقد تُرجم هذا التوجه إلى مبادرات وتشريعات وأدوات تنفيذية متعددة، كان من أبرزها نظام الأوفست، ومشاريع الشراكة بنظام الـ B.O.T، وإنشاء الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.. وغيرها. إلا أن مرور أكثر من ثلاثة عقود على إطلاق هذه المبادرات يفرض ضرورة التوقف أمام نتائجها الفعلية، بعيداً عن الخطاب التفاؤلي، وبمنهجية تقوم على التقييم والمساءلة.
تفاءل القطاع الخاص الكويتي في مراحل سابقة بهذه المبادرات، متأملاً بأن تشكل نقطة تحوّل حقيقية في بيئة الأعمال والاستثمار. غير أن كثيراً من تلك الآمال تلاشت نتيجة تعثر التنفيذ، وضعف الإدارة، وغياب الرؤية المتكاملة، الأمر الذي انعكس سلباً على المستثمر المحلي والمال العام في آن واحد. فعلى سبيل المثال، توقّف العمل بنظام الأوفست بعد أن أخفق في تحقيق أهدافه التنموية. كما تعثّر الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ليُسجَّل ضمن سلسلة من المبادرات التي لم تنجح في بناء منظومة مستدامة لدعم ريادة الأعمال. أما مشاريع الشراكة بنظام B.O.T، فقد عجزت الجهات المعنية عن تطويرها وإدارتها بالشكل الذي يضمن تعظيم الإيرادات، واستدامة الأصول، وتحقيق توازن عادل بين مصالح الدولة والمستثمر.
ورغم اختلاف طبيعة هذه المبادرات، إلا أن القاسم المشترك بينها يتمثل في ضعف التخطيط، وغياب المراجعة الدورية، وتضارب الصلاحيات، وعدم الاستقرار في السياسات والإجراءات.
ومن هذا المنطلق، تبرز تساؤلات جوهرية تستحق الإجابة:
- هل كُلّفت جهات مهنية مستقلة دراسة أسباب فشل هذه المبادرات؟
- هل تمت مراجعة الأنظمة والإجراءات ذات الصلة لتكون أكثر جاذبية واستقراراً؟
- لماذا تُقيّد مشاريع الـ B.O.T بمدد زمنية جامدة رغم أن زيادة المدة قد تعزز الجدوى الاقتصادية للطرفين؟
- لماذا لا تُراجع العقود بشكل موضوعي بعد مرور خمس أو عشر سنوات لضمان التوازن ومنع الإضرار بأي طرف؟
- لماذا لا تبدأ الجهات الحكومية بالتفاوض مع المستثمرين قبل انتهاء العقود بمدة كافية تضمن انتقالاً سلساً ومهنياً؟
إن تجارب تجديد بعض المشاريع التجارية الكبرى أظهرت بوضوح أثر غياب الرؤية الاستباقية، وهو ما فوّت فرصاً كان يمكن أن تخدم المال العام والمستثمر معاً.
وبلا أدنى شك، فإن الخروج من عنق الزجاجة، وتصحيح المسار الاقتصادي، يتطلب ثورة إدارية حقيقية، تبدأ بإصلاحات فورية وعملية، تتبعها خطط طويلة الأجل قائمة على الحوكمة، والاستقرار التشريعي، والمساءلة، بما يعيد الثقة للقطاع الخاص، ويعزز قدرة الكويت على جذب الاستثمارات.
