صناديق الثروة السيادية في العالم النمو والتوقعات
مع تركيز خاص على صندوق الإستثمارات العامة السعودي
ما هي صناديق الثروة السيادية (Sovereign Wealth Funds SWFS) في العالم؟ وماذا عن نموّها وآفاقها، مع التركيز بشكل خاص على صندوق الثروة السيادي في المملكة العربية السعودية (صندوق الإستثمارات العامة Public Investment Fund PIF)؟ سنعرض في هذا التحقيق، خصائص صناديق الثروة السيادية ومنها الأهداف والأنواع، والتصنيف، والإطار القانوني، والترتيب، والمخاطر، وكيفية الإستثمار في صناديق الثروة السيادية. ويتم التركيز على صندوق الثروة السيادي السعودي، المعروف أيضاً بإسم صندوق الإستثمارات العامة (Public Investment Fund PIF)، حيث نُلقي الضوء على حوكمة صندوق الإستثمارات العامة، وإستثماراته، ودوره في تشكيل مستقبل المملكة العربية السعودية ما بعد مرحلة الإعتماد على النفط، وإنجازاته، وحجم الصندوق، ودوره في خلق فرص العمل. ونختتم بالآفاق والتوقعات المستقبلية لصناديق الثروة السيادية، والنمو المستقبلي لها وأهمية صناديق الثروة السيادية ولجوء المزيد من الدول الى إنشاء صناديق الثروة السيادية الخاصة بها لتنمية قوتها محلياً وعلى المستوى الدولي وتعزيز المكانة في السوق العالمية.
أهداف وأنواع صناديق الثروة السيادية
صندوق الثروة السيادي، الذي يُطلق عليه أيضاً إسم صندوق الإستثمار الحكومي، هو صندوق إستثمار تملكه الحكومة لإدارة إحتياطات الدولة وإستثمارها في مختلف الأدوات المالية والأصول، عادةً ما تقوم البلدان التي لديها فوائض كبيرة من السلع مثل النفط أو الغاز الطبيعي أو المعادن أو مصادر أخرى من الإيرادات بإنشاء هذه الصناديق.
الأغراض الأساسية لصناديق الإستثمار الحكومية هي:
- الحفاظ على الثروة: غالباً ما يتم إنشاء هذه الصناديق للحفاظ على جزء من ثروة البلد للأجيال المقبلة، من خلال إستثمار فائض الإيرادات، يُمكن للدول توفير الموارد للأوقات الصعبة.
- التنويع: العديد من البلدان التي تعتمد بشكل كبير على تصدير سلعة واحدة، مثل النفط، تُنشئ صناديق إستثمار لتنويع مصادر دخلها، ذلك يُساعد في التخفيف من تأثير تقلُّبات الأسعار في سوق السلع الأساسية.
- الإستقرار: يُمكن لصناديق الثروة السيادية أن تعمل كأداة لتحقيق الإستقرار في إقتصاد الدولة. خلال الأزمات والتقلبات الإقتصادية والركود، يُمكن الإعتماد على صناديق الثروة السيادية لدعم الإنفاق الحكومي والأنشطة الإقتصادية.
- النمو الطويل الأجل: يتم إدارة صناديق الثروة السيادية لمدى طويل الأجل، بهدف تحقيق نمو مستدام وتوليد عوائد تعود بالمنفعة على إقتصاد الدول مع مرور الوقت.
- الإستثمارات الإستراتيجية: تقوم بعض صناديق الثروة السيادية أيضاً بإستثمارات إستراتيجية في الصناعات أو القطاعات الرئيسية لدعم التنمية الإقتصادية وتعزيز المصالح الوطنية.
ومن أهم الصناديق السيادية المعروفة:
- صندوق التقاعد العالمي للحكومة النروجيةNorway›s Government Pension Fund Global GPFG: وهو من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، ويتم تمويله من عائدات النفط والغاز في النرويج. ويُدار من قبل بنك نورجيس لإدارة الإستثمار Norges Bank Investment Management ويستثمر بشكل أساسي في الأسهم الدولية والدخل الثابت.
- مؤسسة الإستثمار الصينية China Investment Corporation CIC: وهو صندوق الثروة السيادية للصين، وقد تم إنشاؤه لإدارة جزء من إحتياطات الصين من العملات الأجنبية. ويهدف إلى تحقيق عوائد عالية من خلال الإستثمارات المتنوعة في فئات الأصول المختلفة حول العالم.
- جهاز أبو ظبي للإستثمار Abu Dhabi Investment Authority ADIA: هو من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، مقرُّه في دولة الإمارات العربية المتحدة. وهو يُدير فائض عائدات النفط لإمارة أبوظبي، ويستثمر في مجموعة واسعة من الأصول.
- هيئة الإستثمار الكويتية Kuwait Investment Authority KIA: تأسست في العام 1953، وهي من أقدم صناديق الثروة السيادية. تُدير عائدات النفط في الكويت وتستثمر في أصول مختلفة في جميع أنحاء العالم.
- مؤسسة الإستثمار الحكومية السنغافورية Government of Singapore Investment Corporation GIC: تُدير إحتياطات سنغافورة الأجنبية، وتركز على الإستثمارات طويلة الأجل في مجموعة متنوعة من الأصول، بما في ذلك الأسهم والدخل الثابت والعقارات والبنية التحتية.
- جهاز قطر للإستثمار Qatar Investment Authority QIA: وهو صندوق الثروة السيادية القطري، ويدير فائض الإيرادات المستمدة بشكل أساسي من الغاز الطبيعي. ويستثمر عالمياً في فئات الأصول المختلفة.
تخضع صناديق الإستثمار الحكومية لمستويات مختلفة من الشفافية والحوكمة، حسب الدولة. غالباً ما تُشجع أفضل الممارسات الدولية على الشفافية والمساءلة، وممارسات الإستثمار المسؤول لضمان تحقيق الفائدة من أموال صناديق الثروة السيادية للأجيال الحالية والمقبلة.
تستثمر صناديق الثروة السيادية في الأصول العقارية والمالية مثل الأسهم والسندات والعقارات والمعادن النفيسة أو في إستثمارات بديلة مثل صناديق الأسهم الخاصة أو صناديق التحوط. وتستثمر صناديق الثروة السيادية على مستوى العالم. ويتم تمويل معظم صناديق الثروة السيادية من عائدات صادرات السلع أو من إحتياطات النقد الأجنبي التي يحتفظ بها البنك المركزي. قد يتم الإحتفاظ ببعض صناديق الثروة السيادية من قبل بنك مركزي، والذي يقوم بتجميع الأموال في سياق إدارته للنظام المصرفي في الدولة. وعادة ما يكون لهذا النوع من الصناديق أهمية إقتصادية ومالية كبيرة.
أنواع صناديق الثروة السيادية
هناك أنواع عدة من صناديق الثروة السيادية:
- صناديق الثروة السيادية التي يتم إنشاؤها من خلال الصادرات السلعية، سواء كانت خاضعة للضريبة أو مملوكة للحكومة.
- صناديق الثروة السيادية التي يتم إنشاؤها من خلال تحويل الأصول من إحتياطات النقد الأجنبي الرسمية.
- صناديق الإستقرار.
- صناديق الإدخار للأجيال المقبلة.
- صناديق إحتياطي المعاشات التقاعدية.
- صناديق الإستثمار الإحتياطية.
- صناديق الثروة السيادية للتنمية الإستراتيجية Strategic Development Sovereign Wealth Fund SDSWF.
يشمل الإطار القانوني لصناديق الثروة السيادية:
- القانون التأسيسي.
- قانون المالية العامة.
- الدستور.
- قانون الشركة المؤسسة.
- قوانين وأنظمة أخرى.
تشارك صناديق الثروة السيادية في سياسات الإقتصاد الكلي في الحالات التالية:
- التحويلات إلى الميزانية للإحتياجات الإستثنائية والمستهدفة.
- سحب الأموال لتحويلها إلى البنك المركزي، في حالة وجود ميزان مدفوعات إستثنائي أو إحتياجات السياسة النقدية.
- بهدف تعزيز إستقرار الأعمال التجارية المحلية أو الشركات الحيوية لمصلحة الإقتصاد.
تتفاوت شفافية صناديق الثروة السيادية، على سبيل المثال، هناك صناديق ثروة سيادية تُفصح عن ممتلكاتها الاستثمارية بشكل دوري، في حين أن هناك صناديق ثروة سيادية أخرى لا تُفصح عن كل نشاطاتها. منذ العام 2008، إتخذت صناديق الثروة السيادية تدابير لتكون أكثر شفافية.
صناديق الثروة السيادية للتنمية الإستراتيجية
صندوق الثروة السيادية للتنمية الإستراتيجية يُمكن إستخدامه لتعزيز الأهداف الإقتصادية أو الإنمائية الوطنية. معظم الصناديق السيادية لها هدف تجاري، وهو كسب عائد إيجابي معدّل حسب المخاطر على مجموعة الأصول. هناك بعض الصناديق السيادية التي تسعى الى تحقيق الأهداف الإقتصادية أو التنموية الوطنية.
ترتيب صناديق الثروة السيادية
إرتفعت أصول صناديق الثروة السيادية في العالم بشكل كبير، بسبب إرتفاع أسعار السلع الأساسية مثل النفط والغاز.
منذ العام 2005، تم إنشاء ما لا يقل عن 40 صندوق ثروة سيادية.
مخاطر صناديق الثروة السيادية
صناديق الثروة السيادية ليست محصّنة ضد المخاطر. من المخاطر المرتبطة بالإستثمار في صناديق الثروة السيادية ما يلي:
- العوائد المتقلبة وغير المضمونة.
- تأثير أسعار صرف العملات الأجنبية على صناديق الثروة السيادية
- سوء إدارة أموال صندوق الثروة السيادية بسبب الإفتقار إلى الشفافية.
الإستثمار في صناديق الثروة السيادية
لا يُمكن للأفراد الإستثمار مباشرة في صناديق الثروة السيادية. إلاّ أنه هناك طرق أخرى للإستثمار في صناديق الثروة السيادية مثل الإستثمار في الصناديق المتداولة في البورصة exchange-traded funds ETFs التي تتتبع أداء صناديق الثروة السيادية.
للإستثمار في الصناديق المتداولة في البورصة ETF، يحتاج المستثمرون إلى فتح حساب وساطة أو أي شكل آخر من أشكال حسابات الإستثمار.
هناك العديد من الخيارات للمستثمرين وفق أهدافهم. بمجرّد فتح الحساب من خلال وسيط أو تطبيق إستثمار، يُحدد المستثمر عدد الأسهم المراد شراؤها ويُرسل أمر الشراء.
صندوق الثروة السيادية للمملكة العربية السعودية
صندوق الثروة السيادية للمملكة العربية السعودية، المعروف بإسم صندوق الإستثمارات العامة Public Investment Fund PIF، يدير أكثر من 800 مليار دولار من أموال الحكومة السعودية.
تُستثمر هذه الأموال في الشركات والعقارات والمشاريع الأخرى محلياً وعالمياً لتوليد الأرباح لصالح الإقتصاد السعودي. يدعم صندوق الإستثمارات العامة السياحة في المملكة العربية السعودية، ويساهم في خلق فرص العمل والرياضة.
تأسس الصندوق في العام 1971 بموجب مرسوم ملكي، ويقع مقرُّه الرئيسي في الرياض بالمملكة العربية السعودية، وله مكاتب في هونغ كونغ ولندن ونيويورك. نما صندوق الإستثمارات العامة بشكل سريع في السنوات الأخيرة، وقام بتمويل المشاريع السياحية والتجارية الطموحة المعروفة بإسم «المشاريع الضخمة».
حوكمة صندوق الاستثمارات العامة
يترأس صندوق الإستثمارات العامة المحافظ ياسر الرميان، وهو رجل مصرفي ورئيس مجلس إدارة شركة أرامكو السعودية، شركة النفط الوطنية في البلاد، كما يستضيف المؤتمر السنوي «دافوس الصحراء» في الرياض. يترأس مجلس إدارة صندوق الإستثمارات العامة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث جعل الأمير محمد بن سلمان الصندوق حجر الزاوية في خطة النمو الاقتصادي السعودي، رؤية 2030، وهي خطة لمساعدة المملكة العربية السعودية التحوُّل عن الإعتماد على الثروة النفطية، وتوسيع إقتصاد المملكة ليشمل التكنولوجيا والرعاية الصحية ومجالات أخرى.
إستثمارات الصندوق السيادي السعودي
يستثمر الصندوق السيادي السعودي في مجموعة من الشركات الدولية، بما في ذلك أوبر وشركة بلاكستون للأسهم الخاصة، وتكتل سوفت بنكا الياباني والإمتيازات الرياضية مثل فريق الدوري الإنكليزي الممتاز لكرة القدم نيوكاسل يونايتد. وأعلن الصندوق السيادي السعودي عن إطلاق شركة طيران جديدة، الرياض للطيران، بشراء 72 طائرة بوينغ دريملاينر، ويلتزم الصندوق السيادي السعودي إستراتيجية «خضراء».
يستثمر صندوق الثروة السيادية في المملكة العربية السعودية في مشاريع وطنية مثل المدينة المستقبلية في الصحراء نيوم، بحيث تعمل بالكامل على الطاقة المتجدّدة، وتصدير الطاقة الخضراء. وأدى إستثمار الصندوق السيادي السعودي في شركة لوسيد موتورز لصناعة السيارات الكهربائية، في إقناع الشركة بفتح مصنع في المملكة العربية السعودية. يمتلك الصندوق حصصاً في شركات صناعة ألعاب الفيديو Activision Blizzard Inc و Electronic Arts Inc. والخدمات الرقمية وشركات البيع بالتجزئة لأغنى رجل في آسيا، موكيش أمباني.
المرحلة المستقبلية ما بعد مرحلة الإعتماد على النفط
يُساهم صندوق الثروة السيادية في المملكة العربية السعودية في تطوير جميع جوانب المملكة. لقد ساهم إلى حد كبير في تطوير الرياضة، حيث إستثمر في مجالات الرياضة مثل الغولف، وكرة القدم مع إستراتيجية حكومية أوسع للترويج للسياحة في البلاد، وتحسين نوعية الحياة للمواطنين.
الغرض الرئيسي لصندوق الإستثمارات العامة هو الإستثمار للحفاظ على مستقبل المملكة العربية السعودية خلال المرحلة المستقبلية ما بعد الإعتماد على النفط، مع جذب النقد الأجنبي إلى البلاد من خلال إطلاق صناعات جديدة. ويركز صندوق الثروة السيادي السعودي على تطوير السياحة في المملكة.
يستثمر صندوق الثروة السيادي السعودي أيضاً جنباً إلى جنب مع بعض أكبر مديري الأصول، وصنّاع الصفقات في العالم. لقد قام ببناء فريق من أكثر من 50 شخصاً في نيويورك لإدارة محفظة متنامية من الأسهم الأميركية، ولديه مكاتب في أوروبا وآسيا.
إنجازات صندوق الإستثمارات العامة
يسعى الأمير محمد بن سلمان الى جعل صندوق الإستثمارات العامة كمستثمر عالمي من أجل تحقيق أهداف النمو المستدام. في العام 2022، إقترض الصندوق 17 مليار دولار من البنوك، وجمع 3 مليارات دولار من بيع السندات الخضراء للمرة الأولى. تخضير الإقتصاد السعودي هو من أهم التوجهات لصندوق الإستثمارات العامة. كما وأن صندوق الإستثمارات العامة هو الداعم الرئيسي لمعظم إستثمارات المملكة في مجال الطاقة المتجددة. من خلال مدينة نيوم، يموّل صندوق الإستثمارات العامة أحد أكبر المشاريع في العالم لإنتاج وقود الهيدروجين، دون التسبب في أي إنبعاثات ضارة.
حجم صندوق الإستثمارات العامة السعودي
سوف يشرف صندوق الإستثمارات العامة السعودي على 2 تريليون دولار في حلول العام 2030، مما يجعل حجم صندوق الإستثمارات العامة السعودي، أكبر من الصندوق السيادي النرويجي. وسيشمل تحقيق هذا الهدف تحويلات أكبر للأصول من الدولة، إما السيولة من عائدات النفط الزائدة عندما تكون أسعار الخام مرتفعة أو حصص في أصول مثل أرامكو السعودية، منتج النفط الحكومي.
دور صندوق الإستثمارات العامة في خلق فرص العمل
قام صندوق الإستثمارات العامة السعودي بإنشاء 25 شركة وخلق 1.81 ألف وظيفة في العام 2022، وفقاً لبيانات رسمية سعودية.
وفقاً للتقرير السنوي لصندوق الإستثمارات العامة السعودي لعام 2022، أطلق صندوق الإستثمارات العامة مجموعة متنوعة من الشركات، مثل شركة القهوة السعودية وشركة تطوير المنتجات الحلال، وزادت أصول الصندوق الخاضعة للإدارة بنسبة 12.8% لتصل إلى 2.23 تريليون ريال سعودي (595 مليار دولار) في العام 2022 من 1.98 تريليون ريال المسجل في العام 2021.
آفاق صناديق الثروة السيادية في المستقبل
تكتسب صناديق الثروة السيادية أهمية في جميع أنحاء العالم، وتساهم إلى حد كبير في تنمية البلدان. ويُساهم صندوق الثروة السيادي للمملكة العربية السعودية، صندوق الإستثمارات العامة، إلى حد كبير في تنمية المملكة.
تختلف صناديق الثروة السيادية عن الأنواع الأخرى من صناديق الإستثمار، من حيث أنها صناديق إستثمار مملوكة للدولة، تستثمر في الأصول العقارية والمالية. وتستثمر صناديق الثروة السيادية على مستوى العالم.
التوقعات المستقبلية لصناديق الإستثمار السيادية كالتالي:
- في المستقبل، سيكون لصناديق الثروة السيادية دور كبير في تحديد مسارات الإستثمار العالمي، ودعم قوة الدول على الصعيد العالمي.
- يُتوقع أن يكون لصندوق الثروة السيادية أهمية إقتصادية ومالية كبيرة.
- في المستقبل، ستُنشئ المزيد من الدول صناديق ثروتها السيادية، لتطوير بلادها محلياً وعلى نطاق عالمي.
الدكتورة سهى معاد