إعادة النظر في رؤيتنا إلى الاقتصاد
(العربية)-27/03/2024
*أنغوس ديتون
لقد حقق علم الاقتصاد الكثير، وهناك مجموعات واسعة من المفاهيم النظرية غير الواضحة في كثير من الأحيان، ومن الأدلة التجريبية الدقيقة والمقنعة في بعض الأحيان.
وتعرف هذه المهنة وتفهم أشياء كثيرة. ومع ذلك، فإننا نمر اليوم بحالة من التشوش إلى حد ما. فلم نتنبأ نحن كمجموعة بالأزمة المالية، والأسوأ من ذلك أننا ربما نكون قد أسهمنا في حدوثها من خلال الإيمان المفرط الطموح بكفاءة الأسواق، خاصة الأسواق المالية التي كان فهمنا لبنيتها وانعكاساتها أقل مما كنا نتصور.
وقد شهدت الأحداث الاقتصادية الكلية الأخيرة، التي كانت غير عادية على الإطلاق، خبراء يتنازعون مشيرين إلى أن نقطة الاتفاق الرئيسة بينهم هي عدم صحة آراء الآخرين.
ومثل كثيرين غيري، وجدت نفسي أغير رأيي في الفترة الأخيرة، وهي عملية محبطة بالنسبة إلى شخص كان اقتصاديا ممارسا لأكثر من نصف قرن من الزمان. وسأتطرق إلى بعض المواضيع الجوهرية، لكنني سأبدأ ببعض الإخفاقات العامة.
فأنا لا أدرج مزاعم الفساد التي أصبحت شائعة في بعض المناقشات. ومع ذلك فإن الاقتصاديين، الذين حققوا ازدهارا هائلا على مدار نصف القرن الماضي، ربما يتهمون عن حق بأن لديهم مصلحة وطيدة في الرأسمالية بالصورة التي تعمل بها حاليا. وينبغي أن أقول أيضا إنني أكتب عن فكر سائد (وربما غامض)، وإن هناك عديدا من الاقتصاديين الذين لا ينتمون إلى الفكر السائد.
القوى: إن تركيزنا على فضائل الأسواق الحرة التنافسية والتغير التقني ذي المنشأ الخارجي من الممكن أن يصرف انتباهنا عن أهمية القوى في تحديد الأسعار والأجور، وفي اختيار اتجاه التغيير التقني، وفي التأثير في الأمور السياسية لتغيير قواعد اللعبة. وبدون تحليل القوى، من الصعب أن نفهم عدم المساواة أو أي شيء آخر في الرأسمالية الحديثة.
الفلسفة والأخلاقيات: على نقيض الاقتصاديين من آدم سميث وكارل ماركس إلى جون ماينارد كينز وفريدريك هايك، وحتى ميلتون فريدمان، لقد توقفنا إلى حد كبير عن التفكير في الأخلاقيات وفيما يشكل الرفاهية البشرية.
نحن تكنوقراطيون نركز على الكفاءة. ونحصل على تدريب قليل على غايات الاقتصاد، أو على معنى الرفاهية – فقد اختفى اقتصاد الرفاهية منذ فترة طويلة من المناهج الدراسية – أو على ما يقوله الفلاسفة عن المساواة.
وعندما نتعرض لضغوط، فإننا عادة ما نلجأ إلى نظرية النفعية القائمة على الدخل. وغالبا ما نساوي بين الرفاهية والمال أو الاستهلاك، ما يؤدي إلى فقدان كثير من الأمور التي تهم الناس.
الكفاءة مهمة، لكننا نثمنها على حساب غايات أخرى. ويؤيد كثيرون تعريف ليونيل روبنز للاقتصاد على أنه تخصيص الموارد النادرة بين غايات متنافسة أو التعريف الأقوى الذي يفيد بأن الاقتصاديين ينبغي أن يركزوا على الكفاءة ويتركوا الإنصاف للآخرين، للساسة أو الإداريين.
لكن هؤلاء الآخرين غالبا ما يتغيبون عن المشهد، ولذا عندما تأتي الكفاءة مع تحيز إعادة التوزيع نحو الأعلى – في كثير من الأحيان، لكن ليس حتما – فإن توصياتنا لا تصبح أكثر من مجرد رخصة للنهب. وقد كتب كينز إن مشكلة الاقتصاد هي التوفيق بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والحرية الفردية.
وقد قمنا بعمل جيد فيما يتعلق بالغاية الأولى، والنزعة التحررية في علم الاقتصاد دائما ما تدعم الغاية الأخيرة، أما العدالة الاجتماعية فتأتي في مرحلة لاحقة.
وبعد أن أيد الاقتصاديون اليساريون احترام مدرسة شيكاغو للأسواق – “نحن جميعا من أتباع فريدمان الآن” – أصبحت العدالة الاجتماعية خاضعة للأسواق وتبددت الشواغل إزاء التوزيع بالاهتمام بما هو متوسط، وهو ما يوصف غالبا بشكل يدعو إلى السخرية بأنه “المصلحة الوطنية”.