الإجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش 2023
خلق فرص عمل والتصدّي للتغيُّر المناخي والمساواة بين الجنسين
شكّل الإفتتاح الرسمي للإجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين (خريف 2023)، مناسبة سانحة، لتقديم كتاب باللغة الإنكليزية تحت عنوان «سعي المغرب من أجل نمو أكثر قوة وشمولاً»، Morocco’s Quest for Stronger and Inclusive Growth الذي أعدّه خبراء من صندوق النقد الدولي.
وتتضمّنت أجندة إجتماعات القادة، موضوعات عدة، منها: خلق فرص عمل، والبنية التحتية الرقمية والتصدي للتغيُّر المناخي، في حين تتضمّنت إجتماعات وزراء المالية وممثلي المجتمع المدني والخبراء، بحث قضايا: تغيُّر المناخ، والمساواة بين الجنسين، وزيادة الشمول المالي، والأمن الغذائي، فضلا عن التجارة الدولية.
وفضلاً عن مداخلة لرئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، التي لعبت دور «مُسيّر نقاش» مع كل من وزيرة الإقتصاد والمالية نادية فتاح، ووالي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، أعقبتْهُما مداخلة للوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع.
غورغييفا: التجربة التنموية المغربية «تحت المجهر»
الحدث الذي أُقيمَ في حضور عدد كبير من الشخصيات المغربية والأجنبية، من بينها رئيس مجموعة البنك الدولي، أجاي بانغا، وضع «التجربة التنموية المغربية» على محك التقييم وتحت المجهر، مناقشاً «الدروس المستفادة» منها لصالح بلدان أخرى إفريقية أو نامية؛ كما سعى إلى إبراز إمكانات المغرب في مجال الشراكة مع القطاع الخاص، «باعتباره ركيزة أساسية لبرنامج النموذج التنموي الجديد للبلاد».
وأعلنت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا أنه «تم إعداد الكتاب من طرف خبيرين ضمن عملية «الطريق إلى مراكش 2023»، لافتة إنتباه الحاضرين إلى «التقدم الإقتصادي الذي أحرزه المغرب في العقدين الأخيرين نتيجة إصلاحات عديدة»، فضلاً عن مناقشة «التحدّيات الراهنة والتالية والبرنامج الجديد للإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى تحويل النموذج التنموي للبلاد، وجعله أكثر شمولاً وتوجهاً نحو القطاع الخاص».
ومما يورده الإصدار المشار إليه، أن «قصة المغرب تُعد مثالاً مُفيداً لعدد كبير من الإقتصادات النامية التي لا تزال ساعية إلى إرساء أسس إستقرار ماكرو إقتصادي»، مسجلاً وفق المعلن من خلاصاته أن «التحدّيات التي يُواجهها المغرب في تعزيز النمو وجعله أكثر مرونة وشمولًاً، ليست حكراً على المملكة، إذ إن سلسلة الإصلاحات التي شرعت الرباط في تنفيذها توفر أفكاراً مثيرة للإهتمام بالقدر نفسه للإقتصادات الناشئة والنامية».
فتاح: «المغرب يبتكر نفسه بعد الأزمات»
«إعادة البناء بشكل أفضل بعد الزلزال، تدعونا إلى إبتكار أنفُسنا، حين نُواجه أيَّ نوع من الأزمات والصدمات»، كانت هذه أبرز أفكار وزيرة الإقتصاد والمالية نادية فتاح، متحدثة ضمن جواب لها، تفاعلاً مع سؤال طرحته عليها مديرة صندوق النقد عن تعامل وإستجابة المملكة مع زلزال الحوز.
فتّاح شدّدت، في معرض حديثها، بقوة، على أن «المسار التنموي للمغرب، تحت قيادة الملك، وصل إلى مرحلة إقرار الدولة الإجتماعية التي لا تعني فقط تعميم الحماية الإجتماعية، بل خدمات صحية عمومية وَلُوجة، وتعليم عمومي يُساوي بين التلاميذ في فرص التعلم»، مضيفة: «هو إلتزام منّا بإدماج مهنيّي القطاع غير المهيكل في المغرب، في إطار دينامية النمو المستدام».
وأكدت وزيرة الإقتصاد المغربية أن «أولوية تدبير الإشكاليات الإجتماعية ستتصدَّر عمل صانعي السياسات في أربع سنوات مقبلة»، ما يجعل «الأجندة قوية بالنسبة إلى إستراتيجية نمو بلد صاعد مثل المغرب»، مشيرة إلى أن من أبرزها «تنافسية المنظومة الصناعية المغربية، وأسواق المال والأعمال، مع جاذبية الإستثمار بعد قوانين إصلاح الجبايات (تنزيل تدريجي للإصلاح)، وتعزيز التعاون الإفريقي جنوب – جنوب».
الجواهري: «الإنسان في صلب إصلاح الإقتصاد».. «رهان المناخ وُجودي»
من جهته، أكد عبد اللطيف الجواهري، والي البنك المركزي المغربي، أن الأخير «سارع، ومنذ الأيام الأولى لحدوث زلزال الحوز، إلى إحداث/ خلق، خليّة تقييم داخلية متخصّصة، لا تزال تحاول ضمان سرعة إستجابة، لتقييم شامل للأضرار، بعد حصرها وتقسيمها إلى مادية وغير مادية»، لافتاً إلى أنه «رغم أن جهة مراكش سياحية بإمتياز مع 22 % من حجم مساهمتها في النمو السياحي الوطني، إلاَّ أننا نأخذ في الحسبان المجال الفلاحي ومختلف أنشطة الحياة الجبلية».
«بنك المغرب يعمل بشراكة مع خلية صندوق النقد الدولي في ضوء التقييم الأخير للبنك الدولي»، قال الجواهري، مضيفاً أنه «لا يزال صعباً تحديدُ أرقام دقيقة للأثر الإقتصادي الشامل بين المادي واللاّمادي».
وأكد والي البنك المركزي أن «العمل يتم، مستحضرين تماماً خصوصيات كل بلد سبق له أن تعرّض لكارثة مشابهة، لكن عموماً، هناك إستئناف وإنتعاش للنشاط الإقتصادي سريعاً، بل إمكانات وفرص نمو أقوى»، مضيفاً بأن «10 % من الناتج الإجمالي للمغرب تُساوي في حجمها تقريباً، الغلاف المالي المخصّص لإعادة تأهيل المناطق المتضررة في سنوات».
«رغم كل سلبياته، فإن هامش التحرُّك يظل مهمّا جداً في سياق المفاوضات مع مؤسسات مالية دولية، طالما ساعدتنا في أزمات سابقة («برنامج التقويم الهيكلي» في الثمانينيات من القرن الماضي»)، يسترجع الجواهري تاريخاً من العلاقات بين المغرب وصندوق النقد الدولي، مستدركاً: «إلاّ أننا الآن نضع الإنسان في صلب إصلاحات إقتصادية حاسمة، تجعلنا نحظى بثقة المجتمع الإقتصادي العالمي».
بالنسبة إلى تهديد التغيُّرات المناخية، قال الجواهري ضمن موضوع الجلسة النقاشية ذاتها إن «إجتماعات مراكش يجب أن تفكّر في غلق أبواب الجحيم، والغليان العالمي لضمان نمو مستدام»، مُحيلاً على ما سبق أن تحدّث عنه أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، حينما قرع جرس الإنذار العالمي من تغيُّرات جذرية في مناخ الكوكب.
وتوجّه الجواهري إلى مديرة صندوق النقد بالقول: «نراهن عليكم في قضايا المناخ والتكيُّف مع تقلُّباته، ونعلم مدى عملكم وجهودكم ضمن مجموعة العشرين، وسعيكم إلى إعادة توزيع ثمار النمو بشكل متوازن بين الشمال والجنوب؛ إلاَّ أن الرهان وجودي نظراً إلى تغيّرات المناخ، ما يجعلنا نطلب منكم أكثَرَ».
«يجب الفوز على الإنشطار/ الانقسام الجيوسياسي الذي تتسع رقعته كل يوم»، يخلص والي البنك المركزي المغربي، ناصحاً بأن «تعدّدية الأطراف قد تكون حلاً ضمن سياسات عمومية قُطرية وتعاون دولي يعيد الأمل للشباب في بلداننا».
لقجع: «سنتذكّر خلاصات مراكش»
من جانبه، تحدث فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، بفخر كبير عن «مكانة المغرب – على الدوام – كصلة وصل بين الفضاء الإيبيري ونظيريْه المتوسطي والإفريقي»، ما جعله نموذجاً متميّزاً للإستقرار في «منطقة صراعات».
«لذلك، فحين نقول اليوم، إن المغرب الحالي يعمل على أن يكون جسراً نحو إفريقيا، فلأنه سبق أن لعب هذا الدور على مدى قرون في المبادلات التجارية والإنسانية عبر محطة مراكش»، يقول لقجع في إستدعاء للتاريخ، مضيفاً: «لقد ساهمت مراكش في إنتاج معطى حضاري مشترك في هذا الفضاء الجغرافي».
أضاف وزير الميزانية: «لا شك في أننا سنفتخر جميعاً بما ستُسفر عنه أعمال الإجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش، من قرارات، وتقدّم في مقاربة الإشكالات المطروحة. وسنتذكر ذلك في المستقبل مَقروناً بكلمة مراكش تماماً، كما يتذكر التاريخ صفحات كتبتها مراكش قبل نحو 10 قرون، وكان لها بالغ الأثر ليس على مصير المغاربة فقط، بل على المحيط برمته».
وخلص فوزي لقجع إلى القول: «إن الملك محمد السادس قاد مساراً تحديثياً متدرجاً برؤية متبصّرة وحكيمة، على مدى أكثر من عقدين من الزمن، تحقّقت فيهما لُبنات مثالية شملت كافة المجالات، وحققت تراكماً، جعل المغرب يمتلك مناعة وقوة، أهّلته لمواجهة مختلف الأزمات المحلية أو العالمية، ومواصلة البناء بثبات في إطار الإستقرار والإنفتاح».
صندوق النقد والبنك الدوليان ناقشا تبنّي إصلاحات ومواجهة التغيُّرات المناخية
دعت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، الدول الأعضاء فيه إلى توفير دعم أكبر للبلدان الهشّة والصاعدة، من خلال تقوية قدرات كل من الصندوق والبنك الدوليين.
وقالت غورغييفا في إفتتاح الإجتماعات: «نأمل في أن تنصبّ النقاشات حول قدرتنا على تقديم قروض بمعدل فائدة صفر وعلى نطاق واسع».
وأضافت غورغييفا: «العديد من البلدان ترزح تحت عبء الديون، وهذا يمكن أن يحطمها. نأمل في أن تتمكّن هذه الإجتماعات من إعادة بناء الثقة بين البلدان، نحن بحاجة إلى بعضنا البعض».
«آفاق أفضل»
وكان نبّه البنك الدولي أخيراً الى «أن الآفاق المستقبلية لدول إفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى تبقى قاتمة، وسط تفاقم إنعدام الإستقرار في القارة».
وقالت كريستالينا غورغييفا: «نتوقع آفاقاً أفضل لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في العام 2024»، مشيدة ببعض الدول «لتعاملها الحذر مع التضخم». لكنها أضافت: «الوضع صعب» مشيرة إلى «أن أسعار المواد الغذائية تبقى مرتفعة، ما يجعل 144 مليون شخص يُعانون لتأمين المأكل لهم أو لعائلاتهم».
وأكدت غورغييفا أنها «ستحضُّ الدول الغنية والقطاع الخاص على بذل المزيد لمساعدة الدول النامية»، مناشدة الدول الأعضاء «تعزيز مستويات التمويل عبر رفع الحصة التي ينبغي عليها دفعها»، وقالت: «إن المجلس التنفيذي لصندوق النقد سيتوسّع، لإضافة مقعد ثالث لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ما يمنح القارة صوتاً أقوى».
الإجتماعات السنوية في مراكش الأولى منذ 50 عاماً
بدأت الإجتماعات للبنك وصندوق النقد الدوليين في مراكش، عاصمة السياحة المغربية، للمرة الأولى في القارة الإفريقية منذ 50 عاماً، فيما تتعرّض المؤسستان الماليتان لضغوط لإعتماد إصلاحات تُتيح توفير مساعدة أفضل للدول الفقيرة المثقلة بالديون والرازحة تحت تداعيات التغيُّر المناخي.
وشارك في الإجتماعات التي إستمرت أسبوعاً، وزراء مال وحكام بنوك مركزية ورؤساء شركات وشخصيات أخرى، وقد جاءت بعد شهر من زلزال عنيف قضى فيه نحو ثلاثة آلاف شخص في ضواحي المدينة.
وجرت العادة أن تنظم المؤسستان الماليتان الدوليتان كل ثلاثة أعوام إجتماعهما بعيداً عن مقرّيهما في واشنطن، للإقتراب أكثر من مناطق نشاطهما.
وتعود الإجتماعات السنوية الأخيرة للمؤسستين الماليتين العالميتين في إفريقيا إلى العام 1973 عندما إستضافت كينيا هذا الحدث، فيما كانت لا تزال بعض دول القارة تحت سلطة الإستعمار.
بعد نصف قرن، لا تزال القارة الإفريقية تُواجه سلسلة من التحدّيات تُراوح بين النزاعات والإنقلابات العسكرية والفقر والكوارث الطبيعية، بعدما عبثت جائحة «كوفيد-19» بالإقتصاد العالمي، وتسبّب الغزو الروسي لأوكرانيا بإرتفاع هائل في أسعار الطاقة والمواد الغذائية في العالم.
صندوق النقد الدولي يتوقع تراجع النمو إلى 2 % في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق د. جهاد أزعور:
النمو في الكثير من دول المنطقة يتباطأ بسبب التوترات الجيوسياسية والكوارث الطبيعية
على هامش الإجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش تحدث عدد من المسؤولين المعنيين بالتنمية الإقتصادية والمالية والنقدية. في هذا السياق، قال د. جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق خلال عرض تقرير حول «آفاق النمو في منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا»: إن «النمو في الكثير من دول المنطقة، يتباطأ بسبب عوامل عدّة، من بينها التوترات الجيوسياسية والكوارث الطبيعية».
وتوقع صندوق النقد الدولي «أن يتراجع النمو في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 2 % خلال العام 2023، على خلفية الحروب والتوترات الجيوسياسية، وخفض إنتاج النفط وتشديد السياسات النقدية».
وقال د. جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق خلال عرض التقرير «إن النمو في الكثير من دول المنطقة، يتباطأ بسبب عوامل عدّة، من بينها التوترات الجيوسياسية والكوارث الطبيعية».
وعن تداعيات الحرب الأخيرة في غزة، قال د. أزعور: «من الصعب جداً التكهُّن بالتداعيات الإقتصادية حيال ما يجري حالياً. فالتبعات قد تكون على المدى القصير، المتوسط والطويل»، مؤكداً «أن هكذا أوضاع يكون لها تأثير من دون أي شك»، مشيراً إلى «أن الزلزال الأخير في المغرب والفيضانات في ليبيا، تذكّر على نحو كبير كيف أن الكوارث الطبيعية يكون لها تداعيات سريعة ومدمّرة».
في المقابل، توقع التقرير «أن تتحسّن الأوضاع في المنطقة في العام 2024 ليصل النمو إلى 3,4 %، مع تراجع الإنكماش في السودان، وتلاشي عوامل أخرى مثبطة للنمو بما يشمل الخفض الموقت في إنتاج النفط»، متوقعاً أن ينكمش إقتصاد السودان الذي يشهد نزاعاً جديداً منذ نيسان/أبريل 2023 بنسبة 18 %.
وقال أزعور إن «التحديات الهيكلية المتواصلة، تعني أن النمو على المدى المتوسط سيبقى باهتاً». ومن العوامل التي عدّدها التقرير أيضاً، تناقُص قيمة العملة في بعض الدول والقيود على الواردات على غرار مصر، ومواسم جفاف متكرّرة، ما يزيد من «الضغوط التضخمية في بعض الدول ويرفع معدل التضخم عبر المنطقة».
وأشار صندوق النقد الدولي إلى «أن التضخُّم يتراجع في المنطقة، إلاّ أنه يبقى مرتفعاً في بعض الدول». وشدّد د. أزعور في هذا الإطار على «أن التضخُّم بدأ يتراجع، لكن هناك تفاوتاً كبيراً لا يزال قائماً بين الدول، إذ في منطقة الشرق الأوسط التضخُّم ينخفض، لكنه يبقى مرتفعاً على سبيل المثال في مصر والسودان».
وفي حين عاد معدل التضخُّم إلى مستوياته ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في دول المنطقة المرتفعة والمتوسطة الدخل، أفاد التقرير أن «التضخُّم الشهري يبقى فوق المعدّلات التاريخية في مصر وتونس، فيما التضخُّم بمعدّل سنوي منذ تموز/يوليو يبقى فوق 10 % في المغرب وتونس وفوق 35 %، في مصر وباكستان بسبب الجفاف في المغرب وتونس، وتأثير تراجع سعر العملة على أسعار الواردات في مصر وباكستان».
وأوضح د. أزعور أنه بإستثناء السودان ومصر «يُتوقع أن يصل معدّل التضخُّم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 13,4 % هذه السنة، قبل أن يتراجع إلى 9,7 % في 2024».
من جهة أخرى شدّد التقرير على «أن الأزمات المتتالية قلّصت هامش دعم النشاط في الكثير من الإقتصادات، فيما لجمت التقدم البطيء على صعيد تطبيق الإصلاحات الشاملة للإستثمار، وإستحداث فرص العمل وقوّضت القدرة على مقاومة الصدمات»، مؤكداً أن «التحديات المناخية المتنامية تزيد من ضرورة التحرُّك الملحّة»، مشيراً إلى أن «ديون القطاع العام تبقى مرتفعة في بعض الدول، ويُتوقع أن يبقى النمو على المدى المتوسط محبطاً ودون المستويات التاريخية مع إستمرار التحدّيات الهيكلية».
وأضاف التقرير أن «أعداداً كبيرة من سكان المنطقة، يُواجهون تحدّيات في إيجاد فرص عمل بما يشمل الشباب والنساء، في حين يُتوقع أن يصل أكثر من مئة مليون شاب إلى سنّ العمل في المنطقة في العقد المقبل»، متوقعاً «أن يتراجع التضخُّم ببطء مع تراجع الضغوط العالمية على الأسعار، في ظل إستمرار التفاوت الكبير بين الدول».
توقعات نمو السعودية ومصر
وقال د. أزعور: «إن خفض توقعات النمو للسعودية، يعود بشكل أساسي إلى تراجع إنتاج النفط»، مشيراً في المقابل إلى «أن منطقة الخليج تُعتبر نقطة ربط مهمة للتعاون الإقتصادي العالمي». أما في ما يتعلق بمصر، فأكد أزعور «أن موعد المراجعتين الأولى والثانية يعتمد على مدى تقدم البلاد في الإصلاحات»، متوقعاً «إجراء مراجعة للمادة الرابعة مع تونس في نوفمبر (تشرين الثاني) أو ديسمبر (كانون الأول) 2023».
أضاف د. أزعور: «إن إرتفاع أسعار النفط له تأثير سلبي على الدول المستوردة للنفط، وقد يؤدي إلى زيادة التضخُّم»، مشيراً إلى أن «إرتفاع أسعار النفط له تأثير سلبي على ميزان المدفوعات والمالية العامة للدول المستوردة للنفط، وخصوصاً تلك التي لا تزال تقدم دعماً للمشتقات النفطية. وهذا قد يُؤثر سلباً على التضخُّم الذي تراجع هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة».
وبالنسبة إلى دول المصدرة للنفط، قال أزعور: إنها «ستتأثر بقرارات خفض الإنتاج الطوعية ضمن إتفاق «أوبك+» والتي ستؤثر على حجم الناتج المحلي النفطي»، مشيراً إلى «أن القطاع غير النفطي في هذه الدول، سيُواصل تسجيل معدّلات نمو قوية خلال العامين الحالي 2023 والمقبل 2024».
التضخُّم في مصر
وعن الإقتصاد المصري، قال د. أزعور: «إن مصر تأثرت سلباً بتداعيات الأزمة الأوكرانية والتي أدت إلى إرتفاع أسعار السلع الأولية وخصوصاً الغذائية منها»، مشيراً إلى «أن مصر تعمل على لجم التضخُّم الذي سيبقى تحدياً مهماً نظراً إلى أهميته حيال الحفاظ على إستقرار الإقتصاد الكلي، وتداعيات السلبية من الناحية الإجتماعية».
وخلص د. أزعور إلى القول: «من الضروري أن تواصل الحكومة المصرية، إتباع سياسات مالية ونقدية متشدّدة للجم التضخُّم، وتنويع مصادر إيرادات الدولة وتعزيز القدرة المالية، وإستهداف أكبر للنفقات لحماية الفئات الإجتماعية الأكثر ضعفاً».
وزير المالية السعودي محمد الجدعان من مراكش:
الأزمات لم تمنع المانحين من المبادرة للتخلُّص من الديون
أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان «أن الأزمات لم تمنع المانحين من القيام بمبادرة التخلُّص من الديون، وأنه علينا أن نضع حلولاً تتناسب مع حالة كل دولة». جاء كلام الوزير الجدعان خلال جلسة لمناقشة أولويات الإصلاح لمعالجة الديون، خلال الإجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش.
وأوضح الوزير الجدعان «أن دعم الدول الفقيرة ليس عملاً خيرياً، ولكنه يجنّب العالم تبعات وأزمات إقتصادية أكبر»، مشيراً إلى «أن الدائنين يقومون بخدمة إستثنائية للدول التي تحتاج إلى ذلك، ولكن هو أيضاً عمل جماعي ونحتاج إلى مزيد من الأفكار المبتكرة لإحراز تقدم في مسألة الديون السيادية».
وأكد وزير المالية السعودية «أهمية ابتكار حلول تتناسب مع كل دولة»، وقال: «يجب ألاّ نقلل من قيمة وأهمية المساعدات التخصصية»، مشيراً إلى مناقشة دارت بينه ورئيس البنك الدولي لـ «تحويل البنوك إلى بنوك معرفة، والإنتقال بشكل سريع إلى تقديم مساعدات تخصصية ومصممة وفقاً لإحتياجات الدول بحيث تساعدهم على كيفية التعامل مع قضايا الديون والتمويل الجديد».
وقد إستهلت الجلسة بإعلان المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا أن زامبيا توصلت مع دائنيها إلى إتفاق نهائي لإعادة هيكلة ديونها، وهي صفقة طال إنتظارها لتقديم إعانة مالية لأول دولة أفريقية تتخلّف عن السداد بعد جائحة «كوفيد 19».
وقالت غورغييفا: «الدائنون كانوا رائعين»، وشكرت لجنة المقرضين بقيادة الصين وفرنسا وجنوب أفريقيا.
وفي مسألة الديون عموماً، قالت غورغييفا: «يجب أن يكون لدينا تخوُّف، ولكن نُدرك في الوقت ذاته، أننا لسنا على مشارف أزمة ديون». وأضافت: «أنا أكثر تفاؤلاً اليوم بمستقبل الديون السيادية، ونتبع آلية منظمة في هذا الشأن»، موضحة «أن مشكلة الديون حرجة في الدول منخفضة الدخل أكثر من غيرها، وبالنسبة إلى الدول متوسطة الدخل حوالي 20 % منها تتعرض الآن لضائقة ديون»، معتبرة أن «الديون جيدة إذا تمت الإستفادة منها في أنشطة محققة للدخل».
وقالت غورغييفا إن «الصين تنسحب حالياً من كونها مصدراً للتمويل، وإلى حد ما تتسبّب في المزيد من الضغوطات على دول مثل السعودية وغيرها لتتقدم».
ورد الوزير الجدعان قائلاً: «الصين وقفت لمساعدة الدول الأفريقية عندما لم يقف أحد معها، إذ أنشأت بنى تحتية، وقامت بمشاريع لا تخدم الصين أصلاً، فيجب أن نشكرها بدلاً من إلقاء اللوم عليها».
من جهته رأى رئيس البنك الدولي، أجاي بانغا، «أن الديون يجب ألاّ توقف عملية التنمية، بل تُيسّرها، فهي وسيلة لمساعدة الدول وليس لإعاقتها، وأن أسعار الفائدة المنخفضة لوقت طويل خلقت عدم توازن في الإقتصادات»، لافتاً إلى أن 7.6 % من الناتج المحلي الإجمالي للدول الأفريقية موجّه لخدمة الديون».
وكان صندوق النقد والبنك الدوليان أطلقا مبادرة معنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك) في العام 1996، لضمان ألاّ يُواجه أي بلد فقير عبء مديونية يتعذر عليه التعامل معه. وفي العام 2005، وللمساعدة على تسريع وتيرة التقدم نحو تحقيق الأهداف الإنمائية التي حددتها الأمم المتحدة، تمّت تكملة هذه المبادرة بمبادرة أخرى هي المبادرة متعدّدة الأطراف لتخفيف أعباء الديون التي تسمح للبلدان التي بلغت نقطة الإنجاز في ظل مبادرة «هيبيك» بالحصول على مساعدة يقدمها صندوق النقد والبنك الدوليان وصندوق التنمية الأفريقي لتخفيف أعباء ديونها، المستوفاة للشروط، بنسبة 100 %.
محافظ بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري:
مراكش تُسهم بـ 22 % من إيرادات السياحة للدولة
قال محافظ بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، في حديث صحافي: «إن بلاده إتخذت العديد من الإجراءات لدعم الإقتصاد بعد الزلزال المدمر الذي تعرّضت له»، موضحاً على هامش إجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في المغرب، «أن الدولة خصّصت برنامجاً لدعم الإقتصاد بقيمة 120 مليار دولار على 5 سنوات».
وأضاف الجواهري: «لقد إعتمدت الدولة مخصّصات مالية للأسر المتضررة بقيمة 2500 درهم مغربي لمدة عام، كما أقرّت دعماً بقيمة 140 ألف درهم مغربي للمساكن المتضرّرة كلياً، ونحو 80 ألف درهم للمساكن المتضررة جزئياً»، مشيراً إلى أن «مراكش تُسهم بنسبة 22 % من إجمالي الإيرادات السياحية للمغرب». علماً أن «المركزي المغربي»، أفاد أن الإقتصاد المغربي سجّل نمواً بنسبة 1.3 % في العام 2022 مقابل 8 % في العام 2021.
بنوك عالمية تعوّل على التمويل الإسلامي لدعم مشاريع التنمية في آسيا وأفريقيا
أبدى العديد من البنوك العالمية والإقليمية المشاركة في الإجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش للعام 2023، بمشاركة مسؤولي القطاع المالي في 190 دولة، إضافة إلى نخبة من الإقتصاديين وخبراء الأعمال في العالم، إهتماماً كبيراً بتوسيع أنشطتها في الدول النامية على إمتداد آسيا وأفريقيا. وهي تعمل على تعزيز تعاونها مع المؤسسات المالية الحكومية والخاصة، في تلك الدول، من أجل توفير التمويل المطلوب لكل المشاريع التنموية المطلوبة في القارتين.
وإلتزاماً منه بالأهداف المعلنة لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أقام بنك التنمية الأوراسي، منتدى للأعمال على هامش مؤتمر مراكش، لتعزيز تواصل بنوك التنمية المتعدّدة، في إطار دعم الدول النامية بمختلف المجالات. كما يعكف البنك حالياً على دراسة الآليات الأكثر نفعاً للتوسُّع في القارة السمراء ودول وسط وجنوب آسيا، وخصوصاً تلك التي تعتمد على التمويل الإسلامي بشكل أساسي.
ويُولي البنك أهمية كبيرة للتمويل الإسلامي في مشاريعه التوسعية، بعدما إستحوذ التمويل الإسلامي على نسبة 1 % من إجمالي الأصول العالمية مع بداية العام 2022. كما بلغ متوسط النمو السنوي في حجم الأصول الإسلامية عالمياً بين عامي 2015 – 2021 أكثر من 10.5 %، مقارنة بـ 5.8 % نمواً في الأصول التقليدية.