تجنبنا الركود ونواجه تشرذم الاقتصاد العالمي؟
(العربية)-15/04/2024
*كريستالينا جورجييفا
التشابه بيننا كبير، فالوزير دين آتشيسون، الذي شارك في تأسيس مجلس الأطلنطي، كان كذلك من بين الحضور في مؤتمر بريتون وودز في 1944 الذي شهد ميلاد صندوق النقد والبنك الدوليين. ومتأملا أعوام عمله في مجال الخدمة العامة، كتب آتشيسون لاحقا يقول: “إن الحقيقة البسيطة هي أن المثابرة في تطبيق السياسات الجيدة هي السبيل الوحيد لتحقيق النجاح …”.
وفي عالم يزيد فيه تواتر الصدمات وتتصاعد فيه أجواء عدم اليقين، نحتاج إلى سياسات جيدة أكثر من أي وقت مضى. فاختيار السياسات السليمة سيحدد مستقبل الاقتصاد العالمي.
وسيحدد كيفية تذكر هذا العقد هي سيذكره التاريخ على أنه “العشرينيات المضطربة”، أي وقت الاضطرابات والتباعد بين المصائر الاقتصادية؛ أم “العشرينات الفاترة”، وهو وقت تباطؤ النمو والاستياء الشعبي، أم “العشرينيات التحولية”، وهي سنوات التقدم التكنولوجي السريع لمصلحة الإنسانية؟
سوف تقرأون في تقريرنا عن آفاق الاقتصاد العالمي الأسبوع المقبل أن النمو العالمي أقوى إلى حد ما بفضل قوة النشاط في الولايات المتحدة وفي كثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة. ومما ساعد على ذلك قوة استهلاك الأسر واستثمار الشركات وتراجع حدة مشكلات سلاسل الإمداد. والتضخم آخذ في التراجع.
وصلابة الاقتصاد العالمي، التي ترجع في معظمها إلى سلامة الأساسيات الاقتصادية الكلية التي بُنيت على مدار الأعوام الماضية، تدعمها قوة أسواق العمل وتوسع القوى العاملة. وترجع قوة عرض العمالة جزئيا إلى الهجرة التي ساعدت كثيرا خاصة في البلدان التي تشهد زيادة أعداد السكان المسنين.
وعامة، استنادا إلى البيانات المتاحة، يمكننا تنفس الصعداء. فقد تجنبنا ركودا عالميا وفترة ركود تضخمي، وهو ما توقعه البعض. إلا أنه لا يزال هناك أمور كثيرة تثير القلق.
فقد أصبحت البيئة العالمية أصعب. والتوترات الجغرافية – السياسية تزيد مخاطر تشرذم الاقتصاد العالمي. وكما تعلمنا على مدار الأعوام القليلة الماضية، نحن نعمل في عالم يجب علينا فيه أن نتوقع ما هو غير متوقع.
وتتمثل الحقيقة القاسية في أن النشاط العالمي يتسم بالضعف وفق المعايير التاريخية، وأن آفاق النمو لا تزال تشهد تباطؤا منذ الأزمة المالية العالمية. ولم يتم بعد التغلب على التضخم بشكل كامل. وقد استُنْفِدَت هوامش الأمان المالي. وتشهد مستويات الديون ارتفاعا، وهو ما يشكل تحديا كبيرا للموارد العامة في عدد كبير من البلدان.
ونحن لا نزال نعاني الآثار العميقة للجائحة. فخسائر الناتج العالمي منذ 2020 تبلغ نحو3.3 تريليون دولار، وستقع التكاليف على عاتق أشد البلدان تعرضا للمخاطر أكثر من سواها. ونشهد تباينا متزايدا بين مجموعات البلدان المختلفة وداخل كل منها.
فعلى مستوى الاقتصادات المتقدمة، شهدت الولايات المتحدة أقوى تعاف، بفضل زيادة نمو الإنتاجية. وعلى النقيض من ذلك، يحقق النشاط في منطقة اليورو تعافيا بوتيرة أكثر تدرجا، انعكاسا للآثار الباقية من ارتفاع أسعار الطاقة والنمو الأضعف في الإنتاجية. وعلى مستوى اقتصادات الأسواق الصاعدة، نجد بلدانا مثل إندونيسيا والهند تحقق أداء أفضل.
ولكن التباين الأبرز اللافت للنظر هو ما نراه في البلدان منخفضة الدخل التي كانت ندوبها هي الأشد حدة. وحتى على مستوى هذه البلدان، فإن الاقتصادات الهشة والمتأثرة بالصراعات هي التي تتحمل العبء الأكبر. وفيما وراء كل هذا، يتمثل المحرك الرئيس لضعف النمو في حدوث تباطؤ كبير وواسع النطاق في الإنتاجية. ويوضح تحليلنا أن هذا هو السبب في أكثر من نصف التباطؤ في نمو الاقتصادات المتقدمة والصاعدة، و تقريبا كل التباطؤ في نمو البلدان منخفضة الدخل.
ونتيجة لذلك، تظل توقعاتنا للنمو العالمي على المدى المتوسط أقل كثيرا من المتوسط التاريخي، فهي أعلى قليلا من 3 %.