هل يمكن للذكاء الاصطناعي حقاً تغيير عالمنا المادي؟
(البيان)-19/04/2024
كما غنت مادونا ذات يوم، نحن نعيش في عالم مادي. قام جنسنا البشري بتسمية الحقب التاريخية بأسماء البرونز والحجر والحديد.
ويعتمد مجتمعنا المعاصر على مواد مبتكرة، مثل بطاريات الليثيوم أيون والخلايا الشمسية.
لذا عندما ادعى باحثو «جوجل ديب مايند» في نوفمبر أن أداة الذكاء الصناعي الخاصة بهم قد اكتشفت أكثر من مليوني مادة بلورية جديدة، تصدر الإنجاز عناوين الصحف العالمية.
وصاغت الشركة النتائج على أنها «زيادة بمقدار عشرة أضعاف في حجم المواد المستقرة المعروفة للبشرية».
على صعيد آخر، كشف باحثون آخرون من «بيركلي» في الوقت نفسه أن مختبرهم الآلي أنشأ 41 مركباً جديداً، وقارنها بقاعدة بيانات «جوجل ديب مايند» في أقل من 3 أسابيع.
فقط العقول الأكثر بلادة هي التي لا يمكنها تخيل مستقبل مبهج: تصور صفوف من الأذرع الآلية تصنع مواد براقة جديدة مصممة بواسطة الذكاء الاصطناعي؛ لمواجهة تحديات كبرى مثل الطاقة النظيفة.
ومنذ نشر الورقتين البحثيتين بهذه الاكتشافات الجديدة في مجلة «نيتشر»، بدأ البريق يخبو إلى حد ما. في وقت سابق من الشهر الجاري، اقترح علماء المواد أن «جوجل ديب مايند» بالغت في تقدير إنجازاتها.
وخلال شهر مارس، وفي مقال نقدي منفصل، أثار الكيميائيون شكوكاً فيما إذا كانت المركبات الـ41 جديدة حقاً كما زعم فريق بيركلي.
وأكد كل من «جوجل ديب مايند» وفريق بيركلي لصحيفة فايننشال تايمز أنهما متمسكان بما جاء في أبحاثهما.
ونشأ الجدال في وقت حذر فيه المؤسس المشارك للشركة، ديمس هاسابيس، من المبالغة والاحتيال في مجال الذكاء الاصطناعي. ويوضح هذا التصادم أنه بينما يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي تحويلياً، إلا أن الشركات والمؤسسات تواجه صعوبة في توازن السير على الحد الفاصل بين التفاؤل والمبالغة.
وعادة ما يكون ابتكار مواد جديدة عملاً مكلفاً ويستغرق وقتاً طويلاً من التجارب والأخطاء.
فنهج الذكاء الاصطناعي الخاص بشركة «جوجل ديب مايند»، المعروف باسم «الشبكات الرسومية لاستكشاف المواد» أو «جنوم»، هو طريقة حسابية مختصرة يتم إجراؤها على مجموعة فرعية واحدة من المركبات، وتحديداً البلورات اللاعضوية.
وتستخدم هذه الطرقة الفهارس الحالية للهياكل المعروفة لتوليد بلورات محتملة جديدة، ويطبق الذكاء الاصطناعي عمليات مكررة لإنتاج مركبات ذات هياكل مستقرة.
ومن بين 2.2 مليون مادة جديدة تم الكشف عنها، اعتبرت الشركة أن 380 ألفاً منها مستقرة بدرجة كافية لإدراجها في قاعدة البيانات.
لكن أنتوني تشيثام ورام شيشادري، من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، كتبا هذا الشهر في مجلة «كيمسترى أوف ماتريال» (كيمياء المواد)، أن العمل قدم أدلة ضئيلة على وجود مركبات تفي بالمتطلبات الثلاثة المتمثلة في الحداثة والمصداقية والمنفعة”. وأخبرني تشيثام أن الذكاء الاصطناعي له مستقبل رائع في علم المواد، ولكن.. بعض الإنجازات حتى الآن مبالغ فيها.
وقال متحدث باسم «جوجل ديب مايند» إن الورقة البحثية ادعت فقط الحداثة والاستقرار، بدلاً من خصائص محددة، وأن الانتقادات تبدو وكأنها مبنية على مصطلحات مختلفة. وأضاف أن إجراء المزيد من الأبحاث سيسلط الضوء على خصائص المركبات.
أما الورقة البحثية الأخرى المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والتي تواجه انتقادات في علم المواد، فتركز على العمل الذي قام به باحثو جامعة كاليفورنيا بيركلي، ومختبر لورنس بيركلي الوطني.
فقد طوروا مختبراً آلياً يستخدم الروبوتات الموجهة بواسطة الذكاء الاصطناعي لخلط وتمييز المركبات الجديدة. وبالاعتماد على قاعدة بيانات «جوجل ديب مايند» جزئياً، أعلن فريق بيركلي أن «المختبر إيه» لديه 41 مركباً جديداً.
لكن الشهر الماضي، روبرت بالغريف، وهو كيميائي في كلية لندن الجامعية، وزملاؤه المتشككون في جامعة برينستون، جادلوا بأن ادعاء بيركلي غير مبرهن علمياً لسببين.
فقد اقترح الذكاء الاصطناعي مواد كانت معروفة بالفعل، وفشل لاحقاً من اكتشاف أنها مركبات غير جديدة.
وأوضح جيربراند سيدر، الذي يقود فريق بيركلي، قائلاً: نحن متمسكون بالنتائج التي توصلنا إليها في بحثنا بأن «المختبر إيه» قام بتطوير وتقديم صيغ لمركبات تخليقية لم يكن لديه معلومات مسبقاً عنها، وهو إنجاز عظيم.
ويعترف بالغريف أن وصف شيء بأنه جديد مسألة ذاتية، موضحاً أن البطاطا المضاف إليها ملح تظل بطاطا، لكن إضافة الملح إلى الكراميل يعتبره كثيرون شيئاً مختلفاً. ويشير أيضاً إلى أن المركب الجديد في علم المواد هو عموماً مسألة تتعلق بتوافق آراء العلماء.
وبعبارة أخرى، هذا صراع ثقافي كبير. إضافة إلى ذلك، هناك تفاوت لا مفر منه في الجودة: ففي حين أن الخطوات الأولى للذكاء الاصطناعي في علم المواد قد تكون مثيرة للإعجاب بمعايير الذكاء الاصطناعي، لكنها لا تزال دون مستوى الخبرة البشرية في هذا المجال.
ومن غير المؤكد إلى متى سيستمر هذا التفاوت، حيث يطمح الباحثون في تحضير مادة فائقة التوصيل في الحرارة العالية باستخدام تعليمات مصاغة بدقة. وإذا حدث ذلك جاء ذلك اليوم، فسنستمر في العيش في عالم مادي، لكنه ليس من صنع البشر بالكامل.