الإستقرار المالي يحتاج إلى حوكمة رشيدة ومراقبة المخاطر وضبطها
لا شك في أن تحقيق الإستقرار المالي على المستوى الكلّي، يتطلّب مراقبة المخاطر التي يتعرّض لها القطاع المالي ككل وضبطها، وتحقيق الحوكمة الرشيدة، وتعزيز الإنتشار والعمق المالي على نحو دقيق ومدروس مع تهيئة البنية التحتية الملائمة لذلك.
في هذا السياق، يسعى إتحاد المصارف العربية إلى توسيع نطاق مؤتمراته ومنتدياته وندواته وورش عمله في كافة دولنا العربية لنشر الثقافة المصرفية الملائمة، للتغلُّب على التحدّيات التي تواجه مصارفنا العربية في وقتنا الحاضر، وتفعيل التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات والمعلومات في ما بين السلطات الرقابية والمصارف في الدول العربية من جهة، وبين هذه السلطات والمصارف والسلطات الرقابية الدولية من جهة أخرى. علماً أننا نعمل في الإتحاد على أن تكون المصارف العربية مشاركة في صوغ القرارات الدولية وليس تلقي هذه القرارات فقط.
وتؤدي المؤتمرات والملتقيات التي ينظمها إتحاد المصارف العربية في البلدان العربية والأوروبية، دوراً كبيراً في جمع الخبراء المتخصّصين في الشؤون المالية والمصرفية الدولية، ولا سيما مسؤولين من البنك وصندوق النقد الدوليين، والتي نفتح معها في الإتحاد قنوات مهمة في سبيل تعزيز المصارف العربية في المحافل والمنصّات الدولية، وكان آخرها «القمة الأورو – متوسطية الإقتصادية والمصرفية»، في باريس، و«ملتقى الحوكمة، المخاطر والإمتثال» في عمّان.
وقد باتت الجرائم المالية في العالم، من أخطر الجرائم التي تترك أسوأ الإنعكاسات على الإقتصاد والمجتمع، كونها القاسم المشترك لمعظم الأعمال غير المشروعة، فكلّما إزداد حجم عمليات غسل الأموال، كلّما تفاقم الخلل الإقتصادي، وإحتدم الصراع الطبقي، وإندثرت معه أخلاقيات العمل المنتج وتضرَّرت القيم الإنسانية. لذا لا نستطيع أن نتكلّم عن إدارة المخاطر في المصارف، من دون أن نُلقي الضوء على المخاطر المتعلّقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب. فعدم وجود، أو حتى عدم كفاية إدارة سليمة لمخاطر غسل الأموال والتي تم إدراجها ضمن المخاطر العامة في المصرف حسب متطلّبات لجنة بازل، يُعرّض المصارف لمخاطر جسيمة، كمخاطر السمعة، ومخاطر الإمتثال، ومخاطر تشغيلية عدة. وقد أبرزت الإجراءات التي إتخذتها الهيئات الرقابية في العالم في حق المصارف المخالفة التكاليف المباشرة وغير المباشرة الضخمة التي يُمكن أن تتكبدها المصارف بسبب عدم قيامها في تطبيق سياسات وإجراءات وضوابط مناسبة لإدارة مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وعليه، إن أحد العناصر الأساسية لضمان إلتزام المصارف في إدارة المخاطر المالية بطريقة جيدة، هو إعتماد حوكمة رشيدة على نحو جيد، يؤدي من دون شك إلى جعل الجرائم المالية عبر المصارف أكثر صعوبة، فمن الضروري تحقيق مراقبة كافية من مجلس الإدارة، واضطلاع مجالس إدارات المصارف بمسؤولياتها.
في المحصّلة، يؤدي تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر إلى مكافحة الفقر والبطالة، وخلق فرص عمل، وحماية الشباب العربي من الغرق في براثن الإرهاب، وتسريع معدّلات التنمية الإقتصادية. كما أن الشمول المالي، وخصوصاً في ما يتعلق على سبيل المثال، بإمكانية حصول المواطنين على القروض التعليمية والثقافة المالية، يُمكّنهم من التحوُّل من عاطلين عن العمل إلى مبادرين ورواد أعمال. وكلّما زادت الرقابة المصرفية وتحقّقت الحوكمة الرشيدة، في ظل الإستقرار المالي المنشود، كلما ضُبطت المخاطر وتجنّبنا سوء السمعة، وسلكنا طريق الإستثمارات والثقة بالمستقبل.