ميزانية السعودية 2025.. استمرارية مسار التنمية المستدامة والتنوع الاقتصادي
(العربية)-29/11/2024
*د. جمال عبدالرحمن العقاد
في بيان الميزانية السعودية العامة للعام المالي 2025، الصادر يوم الثلاثاء 26 نوفمبر 2024، تتضح الاستمرارية في الاستناد على سياسات مالية توسعية ومتوازنة بهدف تعزيز التنوع الاقتصادي الوطني وضمان الاستدامة المالية بعيدا عن النفط كمصدر دخل أوحد، مع التركيز على تحسين جودة الحياة للمواطنين والمقيمين، كمستهدفات رئيسة لرؤية المملكة 2030.
بيان الميزانية العامة لعام 2025 يشير بوضوح إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سيواصل النمو بنسبة 4.6%، وبدعم جهود تمكين القطاع الخاص كركيزة أساسية للنمو الاقتصادي، مما يبرهن على فاعلية المبادرات والإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى تطوير التشريعات لتسهيل استثمارات القطاع الخاص، وخلق بيئة أعمال جاذبة للاستثمارات، وتوفير فرص عمل مستدامة.
ماليا، بلغ إجمالي الإيرادات المقدرة لعام 2024 حوالي 1,230 مليار ريال سعودي، بزيادة 4.9% عن التوقعات الأولية، وذلك نتيجة لتحسن الأنشطة الاقتصادية، والاستمرار الجاد في تبني الحكومة سياسات الإنفاق التوسعية لدعم المشاريع الكبرى، ولكن تشير التوقعات إلى تسجيل عجز في الميزانية لعام 2025 بنحو 101 مليار ريال سعودي، ما يمثل 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي، اعتمادا على توقع إيرادات بحوالي 1,184 مليار ريال سعودي، مقابل إجمالي نفقات بحوالي 1,285 مليار ريال موجهة لدعم المشاريع التحولية الكبرى، مثل تحسين البنية التحتية وتعزيز الخدمات العامة، مع التركيز على كفاءة منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية، وكل هذا يهدف إلى تسريع تحقيق مستهدفات التنويع الاقتصادي ورفع جودة الحياة في مختلف مناطق المملكة.
إضافة، ومع الحفاظ على مستويات احتياطيات حكومية قوية تبلغ حوالي 390 مليار ريال سعودي، وفي نفس الوقت الاستفادة من فرص الأسواق المالية المحفزة للإنفاق الاستثماري في مشاريع البنية التحتية، تعتزم الحكومة الاستمرار في الاقتراض المحلي والخارجي، لتمويل العجز المتوقع وسداد أصل الدين المستحق، وعليه فالمحتمل أن يصل إجمالي الدين العام إلى نحو 1,300 مليار ريال سعودي في عام 2025، بما يعادل 29.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة آمنة.
في ظل التحديات العالمية الاقتصادية والجيوسياسية، يواصل اقتصاد المملكة تقدمه الملحوظ في الأنشطة غير النفطية، مما عزز قدرته على التكيف مع تقلبات السوق النفطية، فمنذ بداية عام 2024 وحتى نهاية الربع الثالث منه، شهد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموًا بنسبة 0.2%، وقد كان مدفوعًا بارتفاع الأنشطة غير النفطية بمعدل 4.2%، وهذا الأداء الإيجابي وإن كان طفيفا يعكس نجاح ثبات سياسات التنويع الاقتصادي التي جعلت الاقتصاد السعودي أقل اعتمادًا على القطاع النفطي، وهو هدف اقتصادي استراتيجي.
لكن هذا الهدف يظل بحاجة لإسناد تنفيذي، لذلك أعدت الحكومة ثلاثة سيناريوهات للإيرادات العامة لعام 2025، تتضمن سيناريو أساسي وسيناريوهات بديلة تتوقع إيرادات أعلى أو أقل، ومثل هذا التخطيط يعكس المرونة والاستعدادية المعروفة عن المملكة في التعاطي مع الظروف ومواجهة حالة عدم اليقين العالمية.
تُظهر ميزانية 2025 التزامًا واضحًا بتحقيق أهداف رؤية 2030 من خلال تعزيز الاستثمار في الإنسان والبنية التحتية، ودعم القطاعات الواعدة، وتمكين القطاع الخاص ليكون المحرك الرئيس للنمو، والنهج الطموح للمملكة في ضع ميزانيتها يؤكد قدرتها على مواجهة التحديات العالمية، ومع استمرار تنفيذ الخطط التنموية، فإن المملكة العربية السعودية تواصل جهودها الجادة في رسم ملامح اقتصاد مزدهر يضمن رخاءً مستدامًا للأجيال الحالية والمقبلة، ويعزز مكانتها كمركز اقتصادي عالمي وريادي اليوم وغدا، بمشيئته تعالى.