أهمية اتفاق لبنان مع صندوق النقد الدولي للتمويل أو للإصلاحات
(الجمهورية)-03/02/2025
*د. فؤاد زمكحل
لا شك في أنّ لبنان في أمسّ الحاجة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للدعم المالي، النقدي، التقني والفني. لكن أيضاً لتنفيذ الإصلاحات المرجوّة منذ عقود. فما الإيجابيات والسلبيات للإتفاق مع هذه المنظمة الدولية بعدما لم يُنفّذ حرف واحد من الإتفاق المبدئي الذي وُقّع في العام 2022.
بعد 5 سنوات من التعايش ومواجهة أكبر أزمة مالية وتقنية في تاريخ العالم، بحسب تصنيف مرصد البنك وصندوق النقد الدوليَّين، لا نزال في أمسّ الحاجة للتمويل والدعم المالي، لإعادة النهوض والإنماء باقتصادنا وجذب الإستثمارات واستعادة الثقة.
فبعد موجة التفاؤل والإيجابيات بانتخاب الرئيس، إثر فراغ دستوري تجاوز السنتَين، واختيار رئيس الحكومة بتنافس وديموقراطية شفّافة من بعد حكومة تصريف الأعمال، توافرت الشروط المبدئية لإعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي لم تتغيّر مطالبه للإصلاحات الأساسية.
نذكّر أنّه جُمِّدت وشُلَّت كل المفاوضات مع المنظمات الدولية، التي كانت تشترط باحترام الدستور والتفاوض مع رئيس جمهورية منتخب ورئيس حكومة وحكومة فعّالة وليست تصريف أعمال.
حان الوقت لبناء فريق عمل منسجم وفعّال ومتآزر لرسم استراتيجية إنمائية، على المدى القصير، المتوسط والبعيد، وخطة طوارئ لإعادة بناء الإقتصاد المهترئ بعد 5 سنوات من التدمير الذاتي.
فمن الواضح والإيجابي أنّ بعض المعوّقات قد انطوت، وعلينا تحضير الأرضية لإعادة الأحاديث والمفاوضات مع الصندوق، فلبنان قد تغيّر لكنّ المتطلّبات لا تزال عينها، وفي مقدّمها مشروع إعادة هيكلة الدولة، والتنفيذ الصارم للإصلاحات البنيوية لمكافحة الفساد، تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، والحَدّ من الإقتصاد الكاش غير المعلن والخطر.
إنّ متطلّبات الصندوق كانت ولا تزال إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وفي مقدّمها مؤسسة كهرباء لبنان، التي كانت تستنزف موازنات الحكومات السابقة حتى الإفلاس، كما إعادة العدالة الإجتماعية والتوازن المالي.
كان الصندوق يُشدّد دائماً لتمويل الدولة وشفّافيتها وحَوكمتها قبل ضخّ سنت واحد، فإذا تمّ الإتفاق مع الصندوق تقنياً ومنطقياً، لن نتوقع من الصندوق تمويل 3-4 مليارات دولار عبر السنوات المقبلة تزامناً مع مداخيل الدولة والناتج المحلي.
لكنّ جوهر المسألة لا يتعلّق بمبلغ الإقتراض والتمويل الضئيل بالنسبة إلى حاجاتنا الملحّة، لكنّ الأهم والمردود على هذا الإستثمار هو إعادة لبنان على الخط الصحيح والشفّاف وإعادته إلى الدورة الإقتصادية الدولية بمراقبة وتدقيق دولي، الذي سيُعيد ثقة المستثمر والريادي والمغترب.
فالإصلاحات التي لم تُنفّذ لعقود، لن تُنفّذ في العقود المقبلة إلّا عبر الضغط الدولي، والتمويل المشروط بحسب تنفيذ الإصلاحات وبمراحل من بعد الملاحقة والتنفيذ.
فأهمية الصندوق ليست بالأموال، لكن أكثر بكثير للإصلاحات واستقطاب الإستثمارات إذا عاد لبنان على الخط الصحيح والشفّاف والبناء، وأعيد بناء الإقتصاد الأبيض المنتج عوضاً عن الإقتصاد الأسود المدمّر.
من جهة أخرى، علينا أن نكون واعين بأنّ الصندوق سيفرض ضرائب جديدة لزيادة مداخيل الدولة، لكن نشدّد ونذكّر أنّه قبل زيادة الضرائب، الأهم هو زيادة الجباية عوضاً عن الإتكال على ضرائب غير عادلة وغير مفروضة على الجميع بالطريقة عينها وبالعدالة.
نقرأ ونسمع أيضاً أنّ بعض تقنيّي الصندوق يتحدّثون عن شطب الودائع، لكن أذكّر وأشدّد على أنّ هذا الأمر مستحيل، ولن نقبل به وليس مطروحاً للتفاوض على أي طاولة.
إنّ استرجاع الودائع مرهون بإعادة الإنماء وإعادة الثقة، ولن يُموَّل من الخارج ومن أي منظمة دولية، لكن سيموّل من الداخل لإعادة الإستثمارات والإنماء وتكبير حجم الناتج المحلي من جديد.
في المحصّلة، إنّ أهمية الإتفاق مع الصندوق، لم ولن تكون بالأموال الضئيلة والموعودة، لكن أهمّيتها الأساسية هي للضغط بتنفيذ الإصلاحات المجمّدة والمشلولة منذ عقود، للضغط والإجبار، على التدقيق الدولي، وأيضاً الضغط لتنفيذ الخطط والملاحقة عبر المراحل.
فبعد المناخ الإيجابي للتغيير، علينا ترجمته في خطة إنقاذية – إصلاحية لترجمة حلمنا إلى واقع، وإعادة إستقطاب المليارات ليس كديون من الصندوق لكن كإستثمارات إذا أُعيد لبنان إلى الدورة الإقتصادية الدولية، وأعيدت الثقة كركن أساسي للإصلاحات.
*رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ