استثمارات خليجية في الاقتصاد الأميركي: تنويع استراتيجي يرسم ملامح شراكة جديدة
(النهار)-10/07/2025
تتسارع وتيرة الاستثمارات الخليجية في الاقتصاد الأميركي، مدفوعة برؤية طموحة تستهدف تنويع مصادر الدخل وتقوية الروابط الاقتصادية مع الولايات المتحدة، أحد أبرز مراكز التكنولوجيا والابتكار في العالم. ويُقدَّر أن تتجاوز قيمة الأصول المُدارة من قبل دول مجلس التعاون الخليجي حول العالم 5 تريليونات دولار في هذا العام، وهي تتوزع على قطاعات تشمل العقارات والتكنولوجيا المتقدمة والطاقة المتجددة والرعاية الصحية والبنية التحتية الرقمية.
شكلت جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخليجية في أيار/مايو 2025، والتي شملت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، دفعة إضافية للشراكة الاقتصادية المتنامية بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، إذ أُعلِن خلالها عن اتفاقيات ومذكرات تفاهم يُرجَّح أن تتجاوز قيمتها تريليوني دولار في السنوات القليلة المقبلة، وتركزت على قطاعات الدفاع والطيران والطاقة والذكاء الاصطناعي.
تقود هذا التوجّه صناديق الثروة السيادية الخليجية الكبرى، وعلى رأسها صندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي يدير أصولاً تساوي نحو تريليون دولار. يوسّع الصندوق استثماراته في شركات أميركية عاملة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والسيارات الكهربائية، والتقنيات الصحية. وتهدف المملكة، عبر هذه الاستثمارات التي تُقدَّر بنحو 35 مليار دولار، إلى دعم “رؤية 2030” عبر شراكات نوعية مع شركات أميركية إلى جانب شركات غير أميركية.
أما جهاز أبو ظبي للاستثمار الذي يُدِير أصولاً بقيمة تريليون دولار تقريباً، فيعزّز وجوده في السوق الأميركية باستثمارات واسعة تُقدَّر بنحو 35 مليار دولار في العقارات التجارية، ومراكز البيانات، وصناديق المؤشرات، مع التركيز على الاستدامة والتحوّل الرقمي. وفي الدوحة، يواصل جهاز قطر للاستثمار تعزيز محفظته الأميركية المقدّرة بأكثر من 45 مليار دولار، تشمل استثمارات في قطاعات التكنولوجيا الحيوية والرعاية الصحية والطيران، فضلاً عن شراكات مع شركات أميركية لرأس المال الاستثماري، لتعزيز الابتكار في الذكاء الاصطناعي والبرمجيات.
لا يقتصر الحضور الخليجي على هذه الصناديق، فالهيئة العامة للاستثمار الكويتية تُعَدّ من أقدم صناديق الثروة السيادية في العالم، وتُقدَّر استثماراتها في السوق الأميركية بأكثر من 30 مليار دولار، مع التركيز على قطاعات الخدمات المالية والعقارات والتكنولوجيا. أما مملكة البحرين، فتعزز حضورها في قطاع التكنولوجيا المالية بالتعاون مع مؤسسات أميركية في مجالات الدفع الرقمي والأمن السيبراني، في حين تسعى سلطنة عُمان إلى توسيع استثماراتها في التكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة، عبر شراكات مع صناديق استثمارية أميركية تُعنَى بالتحول الأخضر والاقتصاد الرقمي.
ما يجمع هذه الاستثمارات الخليجية، على اختلاف أحجامها، هو السعي نحو تنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد المفرط على النفط والغاز، والبحث عن شراكات استراتيجية في بيئة استثمارية آمنة ومستقرة. وتُعَد الولايات المتحدة بيئة مثالية لهذا النوع من التوجه، بفضل بنيتها التحتية المتطورة، وتشريعاتها الجاذبة، وتفوّقها التكنولوجي.
وتتوقّع مؤسسات دولية أن تستمر موجة الاستثمار الخليجي في السوق الأميركية بالتصاعد، ولاسيما في القطاعات المرتبطة بالاقتصاد الرقمي، والطاقة النظيفة، والرعاية الصحية، إذ تتقاطع مصالح الخليج مع أولويات الاقتصاد الأميركي في مرحلة ما بعد الجائحة والتحوّلات الجيوسياسية الكبرى.
وبينما تواصل دول الخليج بناء اقتصادات أكثر انفتاحاً واستدامة، تبرز الشراكة مع الولايات المتحدة خياراً استراتيجياً، ليس لتحقيق عوائد مالية فحسب، بل لبناء نفوذ عالمي في قطاعات المستقبل. إنها شراكة لا تُقاس فقط بالأرقام، بل بالأثر البعيد المدى في مسارات التنمية والتحوّل في كلا الجانبين.