اقتصاد تونس في اختبار صعب خلال 2024 للوفاء باحتياجاته الخارجية
(سي ان بي سي)-13/05/2024
يواجه الاقتصاد التونسي اختباراً قوياً وعاماً صعباً خلال العام 2024 لتغطية احتياجاته من التمويل الخارجي دون خيار اللجوء لصندوق النقد الدولي من جديد، بعد أن رفضت الدولة الواقعة في شمال أفريقيا ما وصفته بشروط الصندوق للاستمرار في برنامج للتعاون في الإصلاح الاقتصادي بتمويل قيمته 1.9 مليار دولار.
وفي تقرير أصدره الأربعاء 8 مايو/ أيار، يرى البنك الدولي أن تباطؤ النمو يضاعف من التحديات التي تواجهها تونس في تغطية احتياجاتها الكبيرة من التمويل الخارجي على الرغم من تحسن التوازنات الخارجية.
وسجل الاقتصاد التونسي نمواً 0.4 % خلال عام 2023 مقابل 2.4% خلال عام 2022، بحسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء في تونس.
وذكر البنك الدولي أن العجز التجاري في تونس تحسن في عام 2023 بفضل التغيرات المناسبة للأسعار الدولية، حيث انخفض إلى 10.8% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 17.5% في عام 2022، بينما اتسع العجز في تجارة الطاقة على الرغم من التطور الملائم للأسعار، وظل يمثل الجزء الأكبر من العجز التجاري.
وقال البنك الدولي إن تحسن العجز التجاري وانتعاش الصادرات السياحية، أديا إلى خفض عجز الحساب الجاري في عام 2023، في حين أن انخفاض الدولار يخفف الضغط على احتياجات التمويل الخارجي الكبيرة، خاصة بسبب خدمة الديون الثقيلة.
وأشار التقرير إلى أن تونس لا تزال تعتمد على الإقراض السيادي لتمويل احتياجاتها الخارجية، حيث لا يمكنها النفاذ إلى الأسواق المالية الدولية، ولا يزال الاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمارات في السوق المالية محدودة.
اقتراض خارجي بأكثر من 5 مليارات دولار
بحسب قانون المالية لعام 2024 في تونس، تعتزم الحكومة التونسية اقتراض نحو 16.445 مليار دينار تونسي (نحو 5.244 مليار دولار) من الخارج، لسداد جزء من فجوة مالية تصل إلى 28.708 مليار دينار (نحو 9.155 مليار دولار) من بينها عجز للميزانية بقيمة 10.645 مليار دينار تونسي (نحو 3.395 مليار دولار).
بينما أشار القانون إلى أنه من المقرر سداد مبلغ من أصل الدين الخارجي خلال العام الجاري بقيمة 9.744 مليار دينار (نحو 3.107 مليار دولار).
وفي مواجهة تشديد شروط التمويل الخارجي، اعتمدت تونس بشكل متزايد على البنوك المحلية – وفي الآونة الأخيرة على البنك المركزي – لتمويل ميزانيتها، وفق تقرير البنك الدولي، وأدى هذا التحول إلى زيادة مواطن الضعف في النظام المالي، وأدى إلى مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص على الاقتراض من البنوك.
ووفق قانون المالية، تعتزم الحكومة اقتراض 11.743 مليار دينار (نحو 3.745 مليار دولار) من الداخل خلال العام الجاري.
ويصل صافي احتياطي النقد الأجنبي لتونس إلى نحو 23.771 مليار دينار (نحو 7.581 مليار دولار) في التاسع من مايو/ أيار الجاري، وهو ما يكفي واردات 109 أيام (نحو 3 أشهر ونصف)، بحسب بيانات البنك المركزي التونسي.
اختلاف مع صندوق النقد
توصل صندوق النقد الدولي إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع السلطات التونسية في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 من أجل التعاون في تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي عبر ترتيب مدته 48 شهراً في إطار “تسهيل الصندوق الممدد” (EFF) بقيمة بلغت حوالي 1.9 مليار دولار.
لكن الصندوق لم يقر البرنامج منذ أكثر من عام ونصف، وهو ما تزامن مع إعلان الرئيس قيس سعيد رفض ما وصفه بشروط الصندوق في مناسبات عدة، مشيراً إلى أنها قد تهدد السلم الاجتماعي.
سداد الديون بعيداً عن الصندوق
أعلنت وزيرة المالية التونسية سهام البوغديري، في يناير/ كانون الثاني الماضي، أن تونس تمكنت من سداد جميع ديونها المحلية والخارجية لعام 2023 رغم الضغوط الهائلة على ماليتها العامة، مما يبدد الشكوك إزاء احتمال تخلفها عن السداد.
وأظهرت وثيقة رسمية أن تونس ستسدد 4 مليارات دولار من الديون الخارجية في 2024، بزيادة 40% عن 2023، وسط ندرة التمويل الخارجي الذي تحصل عليه الحكومة.
وسددت تونس سندات خارجية بقيمة 850 مليون يورو، أي حوالي 915.28 مليون دولار، حسبما أظهرت أرقام البنك المركزي التونسي في فبراير/ شباط الماضي.
ووافق البرلمان التونسي، في فبراير، على طلب من الحكومة للحصول على تمويل مباشر من البنك المركزي بقيمة سبعة مليارات دينار (2.25 مليار دولار) في خطوة تهدف إلى سداد الديون الخارجية العاجلة، شملت قيمة السندات التي استحقت في 16 فبراير.
الاتفاق على تمويلات خارجية خلال 2024
أعلن البنك الدولي موافقته في مارس/ آذار الماضي، على قرضين لتونس بقيمة 520 مليون دولار لمساعدتها على مواجهة التحدي الخاص بالأمن الغذائي وتحقيق التوازن في التفاوتات الاقتصادية بين المناطق من خلال تحسين ربط الطرق.
وتبلغ قيمة القرض الأول 300 مليون دولار ويأتي مكملاً لمشروع الاستجابة الطارئة للأمن الغذائي الذي سيساعد على مواجهة آثار أربع سنوات متتالية من الجفاف في البلاد، منها موسم الحبوب الصعب في عام 2023.
ويهدف القرض الثاني بقيمة 220 مليون دولار إلى تقليص التفاوتات الاقتصادية بين المناطق على طول محور القصرين – سيدي بوزيد – صفاقس، من خلال تطوير البنية التحتية لهذا المحور، وتحسين فرص حصول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة على التمويل.
كما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في مارس، أن الاتحاد الأوروبي صرف 150 مليون يورو لتونس، دعماً للميزانية، بهدف تحقيق الاستقرار المالي والإصلاحات الاقتصادية.
ويعتزم الاتحاد الأوروبي تقديم ما يصل إلى 164.5 مليون يورو (178 مليون دولار)على مدى ثلاث سنوات لقوات الأمن التونسية، للتعامل مع ملف الهجرة، بحسب ما نقلته صحيفة Financial Times، في مارس عن مصادر مطلعة.
وقالت المصادر إن الاتحاد تعهد بتقديم 105 ملايين يورو من التمويل المتعلق بالهجرة لتونس في اتفاق تم توقيعه العام الماضي، ولم يتم صرف معظمه بعد.
الضغوط لن تزيد بشكل كبير
في مارس الماضي، أعلنت وكالة Moody’s للتصنيف الائتماني تعديل نظرتها المستقبلية للاقتصاد التونسي من سلبية إلى مستقرة مع تثبيت التصنيف عند CAA2، مرجعة تغيير نظرتها بأن الضغوط التي تواجهها الحكومة التونسية لن تزيد بشكل كبير.
وتتوقع الوكالة استمرار مستوى مماثل من المساعدة المالية من شركاء تونس الثنائيين ومتعددي الأطراف حتى بدون برنامج من صندوق النقد الدولي، كما تتوقع الوكالة أن ستستمر احتياطيات تونس في توفير تغطية للواردات لمدة 3 أشهر على الأقل بحلول نهاية عام 2024، رغم التوقعات بأن تخضع لسحب محتمل.
ورغم ذلك فإن التصنيف الائتماني الحالي لتونس يعكس درجة عالية من الضبابية بشأن مصادر التمويل وسط احتياجات تمويل كبيرة، كما حذرت الوكالة أن قاعدة التمويل المحلي الصغيرة نسبياً في تونس، وغياب المزيد من التمويل الخارجي من الشركاء متعددي الأطراف والثنائيين يضغطان على التمويل، وهو ما أشار إليه تقرير البنك الدولي أيضاً.
لكن البنك الدولي يشير إلى أن آخر سداد لسندات اليورو عزز الارتفاع الأخير في أسعار السندات التونسية، مما يعكس الانخفاض الملحوظ في مخاطر التخلف عن سداد الديون الخارجية العامة إلى الأسواق الخاصة على المدى القصير.