الاقتصاد الليبي: انطلاقة نحو النمو الأسرع عربياً وعالمياً
(النهار)-30/12/2024
مع استمرار التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه العديد من دول المنطقة العربية، تبرز ليبيا كنقطة مضيئة في مشهد اقتصادي متغير.
وفقاً لتقديرات حديثة، يُتوقع أن يسجل الاقتصاد الليبي أسرع معدل نمو بين الدول العربية في العام المقبل، بنسبة تقارب 14% كما احتلت ليبيا المرتبة السادسة عالمياً بين الاقتصادات الأسرع نمواً، مع توقعات بتحقيق نمو يقارب 8% هذا العام، ما يسلط الضوء على الفرص والتحديات التي تواجه هذا الاقتصاد الصاعد.
ما وراء النمو المرتقب؟
تعكس توقعات النمو المرتفعة للاقتصاد الليبي عدة عوامل أساسية أولها عودة قطاع النفط إلى قوته، حيث يمثل قطاع النفط والغاز الركيزة الأساسية للاقتصاد الليبي، إذ يساهم بما يزيد عن 60 % من الناتج المحلي الإجمالي وما يفوق 95 % من الإيرادات الحكومية. ومع تحسن الاستقرار النسبي في مناطق الإنتاج الرئيسية، شهدت ليبيا زيادة ملحوظة في إنتاج النفط، حيث تستهدف مستويات إنتاج تقترب من 1.2 مليون برميل يومياً.
بعد سنوات من الصراع، بدأت ليبيا تشهد مشاريع لإعادة إعمار المدن والبنية التحتية المدمرة. هذه المشاريع تُحفّز الاستثمارات وتُساهم في خلق فرص عمل، مما يعزز النشاط الاقتصادي. كما تلقت ليبيا دعماً دولياً متزايداً لتثبيت استقرارها السياسي والاقتصادي، بما في ذلك مساعدات مالية وفنية لإصلاح مؤسسات الدولة وتعزيز الشفافية في إدارة الإيرادات النفطية.
التحديات التي لا يمكن تجاهلها
رغم التفاؤل بمعدلات النمو، يواجه الاقتصاد الليبي تحديات كبيرة يمكن أن تعرقل هذه التوقعات إذا لم يتم معالجتها بجدية:
1_ الاضطرابات السياسية: تعاني ليبيا من انقسام سياسي مستمر بين حكومتين متنافستين في الشرق والغرب. هذا الانقسام يعرقل تنفيذ السياسات الاقتصادية الموحدة ويثبط الاستثمارات الأجنبية.
2_ الفساد وضعف الحوكمة: يمثل الفساد وضعف الحوكمة عائقين رئيسيين أمام تحقيق النمو المستدام. تشير تقارير إلى أن الشفافية المالية وإدارة الإيرادات بحاجة إلى إصلاحات جوهرية لتحسين كفاءة استخدام الموارد.
3_ التحديات الأمنية: استمرار التوترات في بعض المناطق يؤثر على استقرار عمليات الإنتاج والتصدير، مما يُعرض الاقتصاد لتقلبات غير متوقعة.
آفاق المستقبل: الفرص والإمكانات
على الرغم من التحديات، فإن ليبيا تمتلك إمكانيات كبيرة تمكنها من تحقيق تحول اقتصادي جذري، منها نذكر:
1 تنويع الاقتصاد من الضروري استثمار العائدات النفطية في قطاعات غير نفطية، مثل الزراعة، والصناعة، والسياحة، لتقليل الاعتماد على مصدر دخل وحيد وتحقيق تنمية مستدامة.
2 تعزيز الشراكات الدولية: يمكن لليبيا أن تستفيد من موقعها الاستراتيجي على البحر المتوسط لتعزيز التجارة مع أوروبا والدول المجاورة. كما يمكنها جذب الاستثمارات الأجنبية من خلال تحسين بيئة الأعمال.
3 الإصلاح المؤسسي: تنفيذ إصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وخاصة تلك المرتبطة بإدارة الإيرادات والإنفاق العام، سيساعد على تعزيز الثقة الداخلية والخارجية في الاقتصاد.
ليبيا بين الطموح والتحدي
توقعات النمو للاقتصاد الليبي تعكس فرصة نادرة لتجاوز الأزمات السابقة والانطلاق نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً. ومع ذلك، فإن ترجمة هذه الأرقام الواعدة إلى واقع ملموس يتطلب إرادة سياسية قوية، وإصلاحات اقتصادية شاملة، وإدارة فعالة للموارد.
إذا تمكنت ليبيا من التغلب على تحدياتها الداخلية واستثمار فرصها الاقتصادية بحكمة، فإنها قد تصبح نموذجاً يُحتذى به في التحول الاقتصادي في المنطقة العربية.