البنك الدولي: لبنان من بين أقل البلدان استعدادًا لمواجهة تغير المناخ وثمن التقاعس سيكون باهظًا للأجيال المقبلة
(الديار)-14/03/2024
صدر تقرير جديد للبنك الدولي خاص بلبنان عن المناخ والتنمية، خلال ندوة اقيمت في مكاتب البنك الدولي في بيروت، حدد المخاطر المناخية التي تواجهه وأثرها المحتمل في مسار النمو والتنمية فيه.
ولفت البنك إلى أن هناك حاجة ملحة إلى “استثمارات لا ندم عليها في قطاعات الخدمات الرئيسية مثل الطاقة، والمياه، والنقل، والنفايات الصلبة”، لتحقيق التعافي على المدى القصير وللتخفيف من آثار تغير المناخ على مسار التنمية. واشار الى انه على الرغم من الضغوط على المالية العامة والمؤسسات في لبنان، “فإن تكلفة التقاعس باهظة”، مشددا على أنّه “يمكن أن تساعد الاستثمارات الحيوية، المحدودة الأثر في الاقتصاد الكلي والمالية العامة، في تحفيز النمو”.
واعتمد التقرير على تحليلات كمّية قائمة على النمذجة وبحوث ودراسات تشخيصية ومشاورات مع الجهات المعنية، وتناول 4 قطاعات هي الطاقة، والمياه، والنقل، والنفايات الصلبة كركائز أساسية لتحقيق التعافي على نحو يراعي المناخ.
وحدد التقرير الإجراءات والاستثمارات اللازمة على مستوى السياسات في ظل سيناريوهين للاقتصاد الكلي: الاول سيناريو “المراوحة” الذي يفترض استمرار التأخر في تنفيذ الإصلاحات، وضيق المساحة المتاحة للإنفاق من المالية العامة، ونقص التمويل من القطاع الخاص، والسيناريو الثاني “التعافي” الذي يفترض تبني إصلاحات على مستوى الاقتصاد الكلي والمالية العامة للتخفيف التدريجي من قيود التمويل وزيادة الحيز المتاح في المالية العامة للإنفاق.
وجاء في التقرير الذي عرضه مدير برنامج التنمية المستدامة سليم روحانا، ما يأتي: “يُعتبر لبنان من بين أقل البلدان استعدادًا لمواجهة تغير المناخ، إذ يأتي في المرتبة الثانية بعد اليمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويحتل المركز 161 من بين 192 بلداً على مستوى العالم في الجهوزية لمواجهة تغير المناخ. يعود ذلك إلى محدودية قدرته على التكيف، التي تفاقمت بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية. وقد أضعفت هذه الأزمة بشكل حاد رأس المال البشري، والطبيعي، والمادي للبنان. كما ألحقت أضراراً جسيمة بالمالية العامة، وأعاقت القدرة على الاستثمار في تدابير التخفيف ومنع تدهور الخدمات العامة في قطاعات مثل الطاقة، وإدارة النفايات الصلبة، ومعالجة مياه الصرف الصحي، وأدى ذلك إلى تسريع وتيرة التدهور البيئي”.
وسيؤدي تغيُّر المناخ في لبنان إلى زيادة تواتر الظواهر المناخية البالغة الشدة. ومن المتوقع أن تؤثر الصدمات المناخية في إجمالي الناتج المحلي ورصيد المالية العامة، فضلاً عن زيادة نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي. وبشكل عام، من المتوقع أن تؤدي آثار تغير المناخ على النحو الوارد في تقرير المناخ والتنمية الخاص بلبنان إلى تقليص إمكانات النمو في لبنان بنسبة تبلغ 2% سنوياً بحلول عام 2040، وإعاقة تقديم الخدمات، لا سيما في قطاع المياه. ومن المتوقع أن يزيد تغير المناخ من شح المياه بنسبة تصل إلى 9% بحلول عام 2040 (بنسبة قد تصل إلى 50% خلال موسم الجفاف) وخسائر كبيرة في القطاعات الرئيسية المحركة للتعافي، خاصة الزراعة والسياحة، حيث من المتوقع أن تبلغ الخسائر السنوية 250 مليون دولار أميركي و75 مليون دولار أميركي على التوالي، مما يهدد سبل كسب العيش لشريحة كبيرة من السكان.
ووفقاً لهذا التقرير، فإن الحد من الانبعاثات الكربونية في قطاع الكهرباء في لبنان يحقق عائداً ثلاثي الأبعاد: خفض التكاليف الاقتصادية بنسبة 41%، وخفض الانبعاثات بنسبة 43%، وتحسين نواتج الاقتصاد الكلي والمالية العامة عبر خفض كلفة استيراد الوقود والمحروقات. ولن يؤدي التوسع في استخدام الطاقة المتجددة إلى خفض التكاليف وتلبية الطلب المتزايد فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى إبطاء توليد الانبعاثات وخلق المزيد من فرص العمل. وفي قطاع المياه، من الضروري بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ لتعزيز الأمن المائي عبر زيادة سعة التخزين، وكفاءة استخدام المياه، واستعادة خدماتها التي تتسم بالمرونة والصمود في مواجهة الأزمات. وبعيداً عن قطاعي المياه والكهرباء، فإن استخدام وسائل النقل العام التي تعتمد على الكهرباء وتحسين إدارة النفايات الصلبة يوفِّران فرصاً للنهوض بأجندتي التنمية والمناخ في آن واحد.
وتعتمد زيادة قدرة لبنان على التكيُّف مع الصدمات المناخية على مدى سرعة تعافيه من أزمته الحالية والاستثمار في تدابير التكيُّف، لا سيما في قطاعات المياه والزراعة والسياحة والنقل. ويقيّم التقرير أثر محفظة تمويل عاجل بقيمة 770 مليون دولار أميركي لتلبية بعض الاحتياجات الضرورية على المدى القصير (2024-2026) في القطاعات الأربعة المذكورة في إطار أي من السيناريوهين المعروضين في التقرير. وقد أظهرت نمذجة حزم الاستثمارات ذات الأولوية على مستوى الاقتصاد الكلي أنها لن تضع الدين على مسار لا يسمح بالاستمرار في تحمُّل أعبائه. كما يمكن لتخصيص القطاع الخاص للتمويل أن يعزز ديناميكيات المالية العامة والديون، مما يقلص نسبة مساهمة الحكومة في إجمالي الإنفاق الاستثماري.
وعلى المدى الأطول، تشير التقديرات الواردة في التقرير أيضاً إلى أن لبنان سيحتاج إلى استثمارات بقيمة تبلغ نحو 7.6 مليارات دولار أميركي في السنوات 2024 ــ 2030 في القطاعات الرئيسية الأربعة لإحداث مواءمة بين تحقيق التعافي، والعمل المناخي الفعّال من حيث التكلفة. ويتطلب قطاع الطاقة وحده، والذي يعتبر كثيف الاستخدام لرأس المال، استثمارات بقيمة نحو 4 مليارات دولارأميركي لتنويع مزيج توليد الكهرباء من مصادر للطاقة المتجددة أنظف وميسورة التكلفة والتحوُّل من الوقود السائل إلى الغاز الطبيعي.
وشدد التقرير أيضاً على أهمية دعم القطاع الخاص في لبنان، وتحسين الحوكمة، واعتماد نهج يشمل المجتمع بأكمله في التصدي لتغيُّر المناخ، باعتبارها عناصر في غاية الأهمية لتحقيق التعافي الأخضر في لبنان”.
وتعليقًا على البيان، قال المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي جان كريستوف كاريه: “يشكل تغير المناخ تهديداً حقيقياً لآفاق التنمية في أي بلد، ولبنان ليس استثناءً، وسيكون ثمن التقاعس اليوم باهظًا جدا بالنسبة للأجيال القادمة”.
وأضاف: “نظرا لمحدودية المساحة المتاحة للإنفاق من المالية العامة، والتحديات المؤسسية والإنمائية، يحتاج لبنان إلى تحديد أولويات التدابير والتدخلات الموصى بها وتسلسلها في قطاعات الطاقة، والمياه، والنقل، والنفايات الصلبة، بما يعكس الحاجة الملحة وأوجه التآزر والمفاضلات في الاستجابة للاحتياجات الإنمائية والمناخية”.