البيانات الضخمة في السعودية.. ركيزة التحول الرقمي وبوابة نحو اقتصاد مستدام
(العربية)-12/06/2025
*د. عبدالعزيز المزيد
في ظل التحول الرقمي المتسارع الذي تعيشه المملكة ضمن أهداف رؤية السعودية 2030 برزت البيانات الضخمة كأحد الركائز الأساسية في بناء اقتصاد معرفي متنوع يعتمد على الابتكار والتقنية. ويُقصد بالبيانات الضخمة تلك الكميات الهائلة والمعقدة من البيانات التي تتدفق من مصادر متعددة وبسرعات عالية ولا يمكن التعامل معها أو تحليلها باستخدام أدوات وتقنيات قواعد البيانات التقليدية. ومن خلال الاستفادة من هذه البيانات يمكن تحسين الخدمات ورفع كفاءة الأداء ودعم اتخاذ القرار على مستوى الأفراد والمؤسسات والجهات الحكومية.
تلعب البيانات الضخمة دوراً جوهرياً في تحليل سلوك الأفراد وفهم أنماط الشراء وتوقع احتياجات العملاء إلى جانب تمكين الجهات من تقديم خدمات أكثر تخصيصاً وكفاءة. كما تسهم في مراقبة أداء الأسواق واختبار مدى جاهزيتها لطرح منتجات جديدة واتخاذ قرارات استراتيجية قائمة على معطيات لحظية دقيقة. وفي السياق الحكومي أثبتت البيانات الضخمة جدواها في دعم السياسات القائمة على الأدلة حيث تُستخدم حالياً تقنيات التعلم الآلي وبيانات الجوالات والإعلانات الرقمية للتنبؤ بمستويات الدخل ومعدلات الفقر والإنفاق الاستهلاكي مما يساهم في صياغة قرارات اجتماعية واقتصادية أكثر استهدافاً وفعالية.
وفي إطار سعي المملكة لتحقيق ريادة رقمية إقليمية أطلقت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات مبادرات ضخمة لتطوير مراكز البيانات والتي تُعد البنية الأساسية لمعالجة البيانات الضخمة. وقد صرّح وكيل الوزارة للاتصالات والبنية التحتية المهندس بسام البسام أن توجه الوزارة نحو تطوير وبناء مراكز البيانات الضخمة يهدف إلى زيادة تبني الخدمات السحابية ودعم مجالات البث الرقمي والألعاب والرياضات الإلكترونية وتوطين خدمات المحتوى والمنصات الرقمية. وأكد أن المملكة تخطو بثبات نحو تعزيز مكانتها كمركز رقمي رائد في المنطقة من خلال هذه الشراكات وتسريع وتيرة أعمالها وضمان جاهزية هذه المراكز بما يخدم التوجهات الرقمية الوطنية.
وتأكيداً على أهمية هذه الخطوة أشار الدكتور أحمد سندي الرئيس التنفيذي لشركة ضوئيات المتكاملة إلى أن مراكز البيانات الضخمة تمثل أحد أهم ممكنات التحول الرقمي في المملكة كما أنها تمكّن تقنيات الثورة الصناعية الرابعة وتسهم في توطين المحتوى وتقديم خدمات تقنية بمعايير عالمية. ويعكس هذا التصريح توافق القطاع الخاص مع الرؤية الحكومية في استثمار هذه المراكز كبنية حيوية تخدم مختلف القطاعات الاقتصادية.
ومن بين المبادرات الكبرى أطلقت الوزارة مشاريع بالشراكة مع أربع جهات رئيسية هي شركة الملز المالية وشركة ضوئيات المتكاملة للاتصالات وتقنية المعلومات وشركة كوانتوم سويتش تماسك ومجموعة الفنار. تهدف هذه الشراكات إلى تأسيس مراكز بيانات في مختلف مناطق المملكة ومن المتوقع أن تتجاوز قدرة هذه المراكز 1300 ميجاواط قبل عام 2030 باستثمارات تفوق 18 مليار دولار. وقد أشار المهندس عبد السلام المطلق رئيس مجلس إدارة مجموعة الفنار إلى أن هذه المبادرة تتوافق مع خبرات الشركة في مجال الطاقة المتجددة وتوطين التقنية وتمكّنها من المساهمة في تحقيق رؤية 2030 من خلال حلول رقمية مستدامة.
ويُعد هذا الاستثمار في البيانات الضخمة خطوة استراتيجية لتمكين قطاعات جديدة مثل التعليم الرقمي والخدمات الصحية الذكية والتجارة الإلكترونية والمالية والذكاء الاصطناعي. وقد بدأت المملكة كذلك في دعم هذا التوجه من خلال إطلاق شركات متخصصة مثل شركة Humain التي أُنشئت بدعم من صندوق الاستثمارات العامة بهدف تطوير بنية تحتية متقدمة للذكاء الاصطناعي وتوفير حلول قائمة على تحليل البيانات الضخمة في مجالات متعددة مثل المدن الذكية والصحة والتعليم والطاقة.
ورغم هذا التقدم تبقى الحاجة قائمة لتطوير القدرات البشرية الوطنية القادرة على إدارة هذه التحولات الرقمية. إذ لا يزال هناك ضعف في تمكين الجامعات الناشئة من الوصول إلى أدوات تحليل البيانات المالية المتقدمة مثل Bloomberg Terminal و Refinitiv Eikon وS&P Capital IQ وFactSet و Preqin و Thomson ONE. كما أن العديد من البرامج الأكاديمية تفتقر إلى قواعد بيانات بحثية عميقة تتيح للطلاب والباحثين إجراء دراسات تطبيقية واقعية مما يحد من جودة المخرجات الأكاديمية وفرص الابتكار المحلي.
ولمواجهة هذه الفجوة يُوصى بأن تتبنى الجامعات ومراكز البحوث الوطنية شراكات استراتيجية مع مزودي الحلول الرقمية العالميين وأن تُخصص التمويلات اللازمة لتهيئة المعامل الذكية وتطوير المناهج وتدريب الكفاءات السعودية الشابة في مجالات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني. وبذلك تكون المملكة قد وضعت الأسس التقنية والبشرية للتحول إلى اقتصاد رقمي متكامل ومستدام يخدم المواطن ويعزز من مكانة السعودية كقوة معرفية واقتصادية على مستوى العالم.