التمويل الإسلامي يحقق أسرع وتيرة نمو في العالم
(الدستور)-29/07/2025
وسط اضطرابات الأسواق العالمية والتقلبات الحادة في معدلات الفائدة وأسعار الأصول، يواصل التمويل الإسلامي تسجيل معدلات نمو استثنائية جعلته يتصدر مشهد الخدمات المالية الأسرع نموا حول العالم. فخلال عام 2024 وحده، قفزت أصول القطاع بنسبة 12% لتتجاوز حاجز 5.5 تريليون دولار للمرة الأولى في تاريخه، محققا أداء يتفوق على الأنظمة المصرفية التقليدية والأسواق الناشئة مجتمعة، وفقا لتحليل صادر عن مجموعة بورصة لندن (LSEG)، ونشر ضمن تقرير يوليو/تموز 2025 لبنك «ستاندرد تشارترد».
وأظهرت بيانات التقرير الصادر عن بنك ستاندرد تشارترد، بعنوان «التمويل الإسلامي للمؤسسات المالية.. فتح النمو وسط التحولات العالمية»، أن النمو التراكمي للأصول الإسلامية بلغ 43%، على مدى خمس سنوات (2020–2024)، وهو ما يضع القطاع في صدارة قائمة قطاعات التمويل المنظمة الأسرع نموا على مستوى العالم. ولا يقتصر هذا الصعود على حجم الأصول، بل يشمل اتساعا جغرافيا لافتا وابتكارات تنظيمية ورقمية تعيد تشكيل مستقبل الصناعة المالية الإسلامية. وكشفت بيانات التقرير أن التمويل الإسلامي لم يتأثر بالضغوط التضخمية العالمية، ولا بتغيرات أسعار الفائدة الحادة التي شهدتها البنوك المركزية في الدول الغربية.
وأكد التقرير- الذي نشره موقع العربي الجديد – أن صناعة التمويل الإسلامي حافظت على استقرارها بفضل بنيتها القائمة على الأصول، ونموذج المشاركة في المخاطر، والابتعاد عن أدوات الدين التقليدية. وتشير التقديرات إلى أن الأصول الإسلامية ستتجاوز 7.5 تريليون دولار بحلول 2028، ما لم تحدث انعطافات كبرى في الأنظمة الرقابية أو التشريعية المعتمدة في الأسواق الرئيسة. فما الذي يدفع بهذا النمو المتسارع؟ ومن يقوده؟ وأين تتركز فرصه الأكبر؟ هذا ما يجيب عنه التقرير التالي:
سر النمو المتسارع
للتمويل الإسلامي :
أظهر تقرير «ستاندرد تشارترد» أن تسارع نمو التمويل الإسلامي خلال عام 2024 يعود إلى ثلاثة عوامل رئيسية هي: الطلب المحلي المرتفع، والدعم التنظيمي، والتوسع الرقمي. وبحسب نتائج استطلاع «نبض المصارف الإسلامية 2025» المضمن في التقرير، قال 43% من المشاركين من القيادات المصرفية إن الطلب المحلي هو المحرك الأساسي للنمو، مشيرين إلى ازدياد توجه الأفراد والمؤسسات نحو المنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة، خاصة في دول مثل السعودية وباكستان وإندونيسيا.
إلى جانب ذلك، أشار 20% من المشاركين إلى أن وجود بيئة تنظيمية داعمة يمثل عاملا حاسما في نمو القطاع، إذ شهد عام 2024 تحولات تنظيمية بارزة، أبرزها في باكستان التي أقرت تعديلا دستوريا لإلغاء التعاملات الربوية بحلول نهاية 2027، ما أطلق عملية تحول مصرفي شامل نحو النظام الإسلامي. كما فرضت إندونيسيا على البنوك التقليدية التي تتجاوز نسبة أصولها الإسلامية 50% أن تفصل وحداتها الإسلامية إلى كيانات مستقلة خلال عامين. ووفقا للتقرير، فإن التوسع الرقمي شكل المحرك الثالث للنمو، حيث أشار التقرير إلى أن 50% من البنوك الإسلامية بدأت فعليا باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي أو تخطط لاعتمادها قريبا، مع التركيز على أتمتة الخدمات، وتحليل البيانات، وتخصيص المنتجات بما يتناسب مع احتياجات العملاء الجدد. وبين التقرير أن هذا التوجه الرقمي ساهم في توسيع قاعدة العملاء، خصوصا في فئة الشباب، والشركات الصغيرة والمتوسطة، والفئات غير المخدومة مصرفيا.
من يقود النمو في
التمويل الإسلامي عالمياً؟
كشف تقرير «ستاندرد تشارترد» أن قيادة النمو المتسارع في قطاع التمويل الإسلامي تعود بشكل أساسي إلى تحالف من الأسواق النشطة والبنوك الكبرى والهيئات التنظيمية، مع تصدر السعودية وماليزيا المشهد العالمي. وبحسب التقرير، جاءت السعودية في مقدمة الأسواق الدافعة للنمو، بعدما تجاوزت هدفها المعلن بتحقيق 22.5% من إجمالي أصول التمويل الإسلامي العالمي بحلول 2025، لتصل فعليا إلى 23% في عام 2024. ويعزو التقرير هذا التقدم إلى السياسات الوطنية ضمن «رؤية السعودية 2030»، التي وضعت التمويل الإسلامي أحدَ ركائز تطوير القطاع المالي، إلى جانب الدور النشط الذي تلعبه البنوك السعودية، مثل «الراجحي» و»البلاد»، في قيادة الابتكار والتوسع داخل المملكة وخارجها.
أما ماليزيا، فقد حافظت، بحسب التقرير، على موقعها أكثرَ الأسواق نضجا من حيث البنية التحتية التنظيمية، بفضل اعتمادها نهج التمويل القائم على القيم الذي تبناه البنك المركزي، ويهدف إلى مواءمة المنتجات المصرفية الإسلامية مع أهداف التنمية المستدامة. كما تحتفظ ماليزيا بريادة إصدار الصكوك، وتمتلك قاعدة متنوعة من البنوك الإسلامية والمؤسسات الاستثمارية. من جهة أخرى، يشير التقرير إلى أن الهيئات التنظيمية الدولية، مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) ومجلس الخدمات المالية الإسلامية، تلعب دورا متناميا في توحيد المعايير الفنية والرقابية بين الأسواق، ما يعزز ثقة المستثمرين ويدفع بتوسع التمويل الإسلامي في بيئات قانونية مختلفة.
كما ساهمت المؤسسات المالية الإسلامية الكبرى، مثل بيت التمويل الكويتي والبنك الإسلامي للتنمية، بحسب التقرير، في تمويل مشروعات عابرة للحدود، وتوفير أدوات مبتكرة مثل الصكوك الخضراء وصناديق الزكاة الوقفية، وهو ما يدعم استدامة النمو في الأسواق الناشئة. وأوضح التقرير أن هذا النمو لا يدار فقط من العواصم الإسلامية التقليدية، بل أصبح يتسارع أيضا بفعل اهتمام عالمي متزايد من دول غير إسلامية، على غرار المملكة المتحدة ولوكسمبورغ وجنوب أفريقيا، التي تسعى لاقتناص فرص التمويل الإسلامي ضمن استراتيجياتها لتنويع القطاع المالي.
إلى أين تتجه فرص
التمويل الإسلامي القادمة؟
أفاد تقرير «ستاندرد تشارترد» بأن الفرص المستقبلية الكبرى في قطاع التمويل الإسلامي ستتركز بشكل واضح في الأسواق الحدودية والناشئة، لا سيما في أفريقيا وجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى، مدفوعة بتزايد الطلب، وتوسع القنوات الرقمية، والدعم التنظيمي المتصاعد. وبحسب نتائج استطلاع «نبض المصارف الإسلامية» المرفق بالتقرير، صنف 24% من قادة البنوك الإسلامية الممرات الاقتصادية الناشئة بين الخليج وأفريقيا وجنوب شرق آسيا أهمَّ مناطق التوسع الاستراتيجي خلال السنوات الثلاث المقبلة. وتشمل هذه الممرات أسواقا مثل كينيا ونيجيريا ومصر وبنغلادش وكازاخستان، حيث يتزايد الاهتمام بالحصول على حلول تمويلية متوافقة مع الشريعة، خاصة في القطاعات التي تعاني من فجوات تمويلية مثل الزراعة والإسكان والمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
ويشير التقرير إلى أن العديد من هذه الدول يمتلك كتلا سكانية كبيرة من المسلمين غير المخدومين مصرفيا، إضافة إلى حاجة واضحة إلى منتجات مالية مرنة وعادلة يمكن أن توفرها نماذج التمويل الإسلامي. فعلى سبيل المثال، تزداد فرص التمويل الإسلامي في الفيليبين بالتزامن مع التعديلات التشريعية الأخيرة التي أقرها البنك المركزي لإنشاء أول بنوك إسلامية مرخصة في البلاد. ومن جانب آخر، يؤكد التقرير أن التمويل الأخضر والمستدام يمثل حاليا أحد أسرع مجالات النمو ضمن القطاع الإسلامي. ويعكس ذلك تنامي إصدار الصكوك الخضراء، وتوجه عدد من المؤسسات الإسلامية الكبرى نحو تأسيس صناديق استثمار تركز على البنية التحتية منخفضة الانبعاثات والطاقة النظيفة والتعليم والصحة.
ويرى التقرير أن اعتماد التكنولوجيا المالية الإسلامية سيلعب دورا أساسيا في تسريع هذا التوسع، خصوصا في المناطق التي يصعب فيها الوصول إلى البنية المصرفية التقليدية. ويتوقع التقرير أن تشهد السنوات القادمة توسعا في البنوك الإسلامية الرقمية ومنصات التمويل الجماعي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، بما يسمح بتقديم خدمات مالية متوافقة مع الشريعة للمجتمعات الريفية والناشئة.