الخليج يقترض أكثر… رؤية استراتيجيّة أم ضغط مالي؟
(النهار)-24/09/2025
في قلب أسواق الخليج، حيث تتقاطع طموحات المشاريع العملاقة مع تقلبات أسعار النفط، تتسارع إصدارات الديون وكأنها نبض اقتصادي يحاول مواكبة الواقع المعقد. الدول الخليجية اليوم ليست مجرد مستهلكة للتمويل، بل لاعبة ذكية في سوق الدين الدولي، تبحث عن السيولة، وتوسع قاعدة المستثمرين، وتوازن بين المشاريع الطموحة والمخاطر المحتملة.
وفي هذا السياق، كشف الدكتور خالد رمضان، الخبير الاقتصادي ورئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في القاهرة، في مقابلة مع “النهار”، عن العوامل الحقيقية وراء ارتفاع إصدارات الديون في الخليج، وأوضح أن الأمر يتعدى مجرد أرقام على الورق، فهو يعكس استراتيجية واضحة لمواجهة تحديات التمويل والحفاظ على الاستقرار المالي في المنطقة.
وقال الدكتور رمضان إن أول سبب لارتفاع الديون هو نمو الائتمان القوي، حيث تشهد دول مثل السعودية والإمارات طلباً متزايداً على التمويل للمشاريع الكبرى، ما يدفع البنوك والحكومات إلى الاقتراض الخارجي لتلبية هذا الطلب. وأشار إلى أن تيسير السياسة النقدية عالمياً يسهل هذا التوجه، فمع توقعات تخفيض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة، تصبح تكلفة الاقتراض أقل، ما يشجع على إصدار المزيد من السندات والصكوك.
وأكد أن استحقاقات الديون القائمة، البالغة 36 مليار دولار في 2025-2026، تضطر الحكومات إلى إعادة التمويل وإصدار ديون جديدة، مشيراً إلى أن شح السيولة المحلية في البنوك يزيد الاعتماد على الأسواق الخارجية. وأضاف أن ارتفاع إصدارات الصكوك التي تمثل نحو 50% من إجمالي الديون الخليجية، مدفوع بالطلب القوي من المستثمرين وجاذبية العوائد.
وأشار الدكتور رمضان إلى أن توقعات هبوط أسعار النفط إلى 70 دولاراً للبرميل في 2025 و65 دولاراً في 2026 ستضغط على الإيرادات، ما يدفع دول الخليج إلى المزيد من الاقتراض لتمويل النفقات، خاصة في السعودية والبحرين. وأوضح أن تمويل المشاريع التنموية العملاقة يزيد الحاجة إلى الاقتراض الخارجي، بينما ضعف الإنفاق الحكومي يؤثر على نمو القطاعات غير النفطية، ما يعزز الاعتماد على أسواق الدين الدولية.
وقال أيضاً إن ارتفاع إصدارات الديون يعكس استراتيجية خليجية لتقليل الاعتماد على التمويل المحلي وتوسيع قاعدة المستثمرين، مع إعطاء مثال على إصدار سندات “فورموزا” في تايوان كخطوة لتنوع الأسواق المستهدفة. وحذر من أن تراكم الديون السيادية يزيد من تكاليف خدمة الدين، ويحد من تمويل المشاريع العامة إذا لم تتم إدارة الدين بكفاءة.
وأكد أن التصنيفات الائتمانية لدول الخليج، المرتفعة عموماً، مدعومة بالاحتياطيات المالية الكبيرة والاستقرار الاقتصادي والإصلاحات المالية، لكنها قد تتأثر بارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. وأضاف أن استمرار الإصلاحات المالية، مثل تحسين كفاءة الإنفاق وزيادة الإيرادات غير النفطية، يساعد في الحفاظ على التصنيفات الائتمانية أو تعزيزها.
وختم الدكتور رمضان أن توسيع قاعدة المستثمرين وتنويع الأسواق يقللان الضغط التنافسي، وأن الطلب القوي على الصكوك والسندات يحافظ على تكاليف اقتراض معقولة، برغم المنافسة المتزايدة بين دول الخليج، مؤكداً أن هذه الخطوات تعكس رؤية استراتيجية لتعزيز المرونة المالية والاستدامة الاقتصادية.