الذكاء الاصطناعي يقود ملامح الاقتصادات الخليجية
(القبس)-04/08/2025
بينما يشهد الطلب العالمي على الوقود الأحفوري تراجعًا تدريجيًا، تتجه دول الخليج إلى إعادة تعريف مفهوم «الطاقة» بما يتماشى مع متطلبات الاقتصاد الرقمي، عبر استثمارات ضخمة في بنية تحتية جديدة ترتكز على الذكاء الاصطناعي.
ووفقًا لتقرير نشره موقع Energy Digital، تقود كل من الإمارات والسعودية هذه الرؤية المستقبلية، عبر العمل على تحويل القدرة الحاسوبية (Compute Power) إلى سلعة إستراتيجية تُصدَّر على نطاق عالمي، تمامًا كما فعلت المنطقة مع النفط لعقود.
القدرة الحاسوبية
يؤكد معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أن «القدرة الحاسوبية أصبحت النفط الجديد». إذ مع التسارع الهائل في تقنيات الذكاء الاصطناعي، باتت البنى التحتية التي تُمكّن من معالجة البيانات وتشغيل النماذج الذكية تُعامل كموارد إستراتيجية عالية القيمة.
وتشمل هذه البنية:
1 – الرقائق الإلكترونية المتقدمة (Advanced Chips)
2 – مراكز البيانات عالية الأداء (High-Performance Data Centers)
3 – سعات التخزين الضخمة (Massive Storage Capacity)
ووفق التقرير، تضع دول الخليج نفسها في موقع المورد العالمي الرائد لهذا المورد الرقمي. وتبرز الإمارات كنموذج رائد، حيث سخّرت احتياطياتها المالية الكبيرة، وخبراتها اللوجستية، وسرعتها في تحريك رؤوس الأموال الحكومية، للاستثمار في مشاريع ضخمة في هذا المجال.
مشروع Stargate
من أبرز المشاريع الإماراتية، يبرز مشروع «ستارغيت» (Stargate)، وهو مجمّع عملاق للبنية التحتية الخاصة بالذكاء الاصطناعي، يتم تطويره بالتعاون مع الولايات المتحدة، ويُعدّ الأكبر من نوعه خارج أمريكا الشمالية.
أُعلن عن المشروع خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الإمارات، ويهدف إلى توفير بيئة متقدمة لتدريب وتشغيل النماذج الذكية. ومن بين الشركاء العالميين المشاركين في المشروع:
– أوبن إيه آي (OpenAI)
– إنفيديا (Nvidia)
– سيسكو (Cisco)
– أوراكل (Oracle)
– إضافة إلى سوفت بنك (SoftBank) كشريك إستراتيجي.
تتولى شركة خزنة – أكبر مشغل لمراكز البيانات في الإمارات والمملوكة بشكل رئيسي لشركة G42 – تنفيذ جزء كبير من المشروع. ويصرح المدير التنفيذي: «تمامًا كما ساهمت طيران الإمارات في جعل الدولة مركزًا عالميًا للسفر، نحن اليوم في موقع يمكّننا من أن نصبح مركزًا عالميًا للبيانات والذكاء الاصطناعي».
السعودية تدخل السباق
من جهتها، دخلت السعودية هذا السباق بقوة، عبر إطلاق صندوق الاستثمارات العامة لشركة وطنية جديدة باسم «هيومان» (Humain)، تهدف إلى نشر مئات الآلاف من رقائق إنفيديا خلال خمس سنوات.
وفي أبوظبي، تدعم شركة مبادلة (الذراع الاستثمارية لحكومة الإمارة) مشاريع كبرى مثل G42 وMGX – وهي مبادرة ضخمة للذكاء الاصطناعي بقيمة تصل إلى 100 مليار دولار بالشراكة مع شركة مايكروسوفت (Microsoft).
يشير تقرير Energy Digital إلى أن هذه الاستثمارات تمثل تحولًا نوعيًا في دور الصناديق السيادية الخليجية، من مجرد مستثمرين خارجيين في شركات تقنية، إلى صانعين للبنية التحتية العالمية للذكاء الاصطناعي.
البنية التحتية الجديدة
يرى التقرير أن المفهوم التقليدي للطاقة – مثل الموانئ، وأنابيب النفط، ومحطات التصدير – لم يعد وحده كافيًا في عصر التحول الرقمي. إذ باتت تقابله اليوم مجمّعات الحوسبة الفائقة ومراكز البيانات، بهدف واحد: التحكم في سلاسل الإمداد الحيوية، سواء للنفط أو للبيانات.
لكنّ هذا التحول لا يقتصر على العتاد أو التمويل فحسب، بل يشمل أيضًا التنافس على استقطاب الكفاءات البشرية. ولهذا الغرض، توفر دول الخليج حوافز مغرية تشمل:
1 – رواتب مرتفعة
2 – إعفاءات ضريبية
3 – برامج إقامة طويلة مثل التأشيرات الذهبية (Golden Visas)
يقول المدير التنفيذي للبيانات في شركة مداد القابضة: «إن بناء بنية تحتية عالمية للذكاء الاصطناعي سيحوّل المنطقة إلى مركز جذب للمواهب والشركات العالمية».
التموضع الجيوسياسي الجديد
يشير التقرير إلى أن استثمارات الذكاء الاصطناعي في الخليج لا تعيد رسم السياسات الاقتصادية فحسب، بل تُعيد تشكيل الاصطفافات الجيوسياسية أيضًا.
فقد خفّضت الإمارات من اعتمادها على مزودي التقنية الصينيين مثل هواوي (Huawei)، وسحبت مشاركتها من مشاريع تقنية مشتركة مع الصين، في خطوة تعكس توجّهًا واضحًا نحو تعميق الشراكة التكنولوجية مع الولايات المتحدة.
ويقول أحد الخبراء: «الهدف هو إدماج الخليج، باعتباره منطقة واعدة في الذكاء الاصطناعي، ضمن المنظومة الأمريكية – لنصبح جزءًا من فريق أمريكا في هذا المجال».
ويضيف خبير آخر: «في الوقت الراهن، تتصدر الولايات المتحدة سباق الذكاء الاصطناعي… وكان من الطبيعي أن تراهن الإمارات على الشراكة معها».