السعودية تراهن على التنوع الاقتصادي بميزانية 2026… تريليون دولار استثمارات في 10 سنوات
(النهار)-08/12/2025
نجحت المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة في الحفاظ على معدل نمو سنوي عند 5%، وتسعى في موازنة 2026 إلى مواصلة مسيرة النمو الاقتصادي وضخ استثمارات في شريان الاقتصاد بقيمة تتراوح بين 3.5 و4 تريليونات ريال (1.06 تريليون دولار)، وفق تصريحات وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم.
فما هي أبرز القطاعات المستهدفة للاستثمار، وكيف تواصل المملكة معدلات النمو الاقتصادي المستهدفة عند 4.6% بدعم من النشاطات غير النفطية سنوياً رغم وجود دين عام بنحو 354.3 مليار دولار وعجز في الموازنة قدره 165 مليار ريال (44 مليار دولار)، وما هي توقعات معدلات نمو الاقتصاد غير النفطي السعودي خلال الخمسة أعوام المقبلة؟
تحديات وأرقام موازنة السعودية 2026
قدرت موازنة 2026 حجم نفقات المملكة بقيمة 1.31 تريليون ريال (نحو 349.7 مليار دولار) وهو أقل من 1.33 تريليون ريال المقدر للعام 2025، فيما قدّرت حجم الإيرادات المتوقعة بقيمة 1.147 تريليون ريال (بنحو 305.6 مليارات دولار) بزيادة طفيفة عن 1.09 تريليون ريال المقدرة العام الجاري.
وتبلغ الاحتياطيات النقدية لدى البنك المركزي السعودي “ساما” 390 مليار ريال (103.9 مليارات دولار) حتى نهاية 2026.
وتتمثل تحديات موازنة المملكة 2026 في تراجع إيرادات النفط، وتعزيز موارد الاقتصاد غير النفطي، والسيطرة على أعباء الدين العام وتحديداً الدين الخارجي البالغ 1.62 تريليون ريال (431.7 مليار دولار) بنهاية 2026 بما يعادل 32.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وسد عجز الموازنة المقدر بـ165 مليار ريال (44 مليار دولار).
وعن كيفية تحقيق الإيرادات المستهدفة بقيمة 305.6 مليارات دولار، قال وزير المالية السعودية محمد الجدعان في تصريحات صحافية إن المملكة خلال الأعوام الثلاثة الماضية كانت تركز في استثماراتها على قطاعات غير نفطية مثل الصناعة والسياحة والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية والنقل.
وأشار الجدعان إلى أن 74 نشاطاً من أصل 81 قطاعاً غير نفطي حقق نمواً سنوياً بأكثر من 5% خلال السنوات الخمس الماضية، منها 37 نشاطاً حققت نمواً بأكثر من 10%.
وساهمت الإيرادات غير النفطية في موازنة المملكة لعام 2025 بنسبة 45.9% من إجمالي الناتج المحلي بما يعادل 501 مليار ريال سعودي (133.5 مليار دولار)، مقابل نسبة مساهمة 39.9% بقيمة 502.5 ملياري ريال (133.7 مليار دولار) خلال عام 2024.
وعن ارتفاع فاتورة الدين العام، أكد الجدعان أنها غير مقلقة مادامت تحت السيطرة، ولا يتجاوز حجم الدين 40% من الناتج المحلي.
وفي السياق نفسه، يقول أستاذ المحاسبة في جامعة الطائف ووكيل كلية العلوم الإدارية للتطوير والجودة، الدكتور سالم باعجاجة لـ”النهار” إن من أبرز القطاعات المستهدفة لتعزيز موارد الاقتصاد السعودي غير النفطي هي السياحة والضيافة والترفيه، اللوجستيات والنقل والبنيه التحتية والتعدين والصناعات المعدنية، والتقنية والابتكار، والخدمات الصحية وقطاع التجزئة، متوقعاً استمرار النمو الاقتصادي السعودي بحسب رؤية المملكة 2030، والذي يستهدف 4.6% خلال عام 2026، على أن يتجاوز 5% خلال الأعوام الأربعة التالية.
ويتفق معه المحلل الاقتصادي السعودي عبد الله القحطاني قائلاً لـ”النهار” إن المملكة باتت تركز على القطاعات التي تشكّل العمود الفقري للاقتصاد الحديث، مثل الصناعة المتقدمة، والبنية التحتية اللوجستية، والتقنية، والسياحة، إضافة إلى الخدمات والصحة والتعليم. هذا التحول الاستراتيجي يعكس رغبة واضحة في بناء اقتصاد معرفي منتج، قادر على خلق قيمة مضافة عالية وتقليل الاعتماد طويل الأمد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات.
ويضيف القحطاني أنه رغم استمرار العجز المالي وبلوغ الدين العام نحو 354 مليار دولار، فإن السعودية تمكنت خلال السنوات الماضية من الحفاظ على معدلات نمو تدور حول 5% سنوياً، مستندة في ذلك إلى قوة النشاطات غير النفطية التي أصبحت المحرك الحقيقي للنمو.
ويكمل أن السعودية تبنّت سياسة مالية دقيقة تقوم على الإنفاق الاستثماري الموجّه، وليس الإنفاق الاستهلاكي، إلى جانب مرونة عالية في إدارة الدين وضبط الاحتياطيات، إضافة إلى انفتاح كبير على الاستثمار الأجنبي وتطوير بيئة الأعمال، وهذه المقاربة مكّنت الاقتصاد السعودي من تحقيق توازن بين مواصلة تنفيذ المشاريع الكبرى وبين الحفاظ على استدامة مالية مستقرة رغم التقلبات العالمية.
نمو يتراوح بين 4.5 إلى 6% سنوياً
ويقول المحلل الاقتصادي السعودي إنه مع استمرار الإصلاحات الاقتصادية واتساع قاعدة الاستثمار غير النفطي، من المتوقع أن يواصل الاقتصاد غير النفطي السعودي نموه بوتيرة قوية خلال السنوات الخمس المقبلة، وتشير التقديرات إلى إمكان تسجيل معدلات نمو تتراوح بين 4.5% و6% سنوياً، مع قابلية الصعود إلى مستويات أعلى في حال تحسنت التدفقات الاستثمارية وارتفع معدل التصدير الصناعي والسياحي، ويعزز هذا الاتجاه أن المملكة باتت تنتقل من اقتصاد يعتمد على دورة أسعار النفط إلى اقتصاد متنوع الأركان، يتقدم فيه التصنيع والخدمات والتقنية والسياحة بوتيرة أسرع من أي وقت مضى.
ويواصل قائلاً: “بذلك، فإن موازنة 2026 ليست مجرد أرقام مالية، بل تمثل مرحلة جديدة تُرسّخ التحول الاقتصادي السعودي وتؤسس لعقد اقتصادي مختلف في ملامحه وأولوياته، تُصبح فيه القطاعات غير النفطية لاعباً رئيسياً في النمو، وقوة دفع طويلة الأمد نحو اقتصاد أكثر توازناً واستدامة”.
