«السياسة المالية» تعبر موجات التحديات من «سفينة معيط» إلى «ميناء كجوك»
(الوفد)-11/07/2024
واجهت السياسة المالية فى مصر موجات عاصفة من التحديات الإقليمية والعالمية عبر فترة عصيبة طوال السنوات الماضية بدءًا من تداعيات جائحة كورونا، ومرورًا بالآثار السلبية للحرب فى أوكرانيا وغزة وما تشهده منطقة البحر الأحمر من توترات، تجسدت فى موجة تضخمية بالغة الشدة، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، وزيادة تكاليف التمويل.
وكانت النجاة من قسوة التحديات عبر سفينة قادها الدكتور محمد معيط وزير المالية السابق، بخطوات تصحيحية للاقتصاد المصرى تقوم على التعامل المرن والمتوازن، لتعزيز صلابة «المالية العامة للدولة» وتحقيق الانضباط المالي، واستكمال تنفيذ أجندة الإصلاحات الهيكلية بمختلف القطاعات الحيوية لجذب المزيد من تدفقات الاستثمارات الخاصة لتحقيق نمو اقتصادى مستدام، يقوده القطاع الخاص، واتخاذ كل التدابير والإجراءات الداعمة لأصحاب الدخل المنخفض والمتوسط، على نحو يسهم فى توفير المزيد من فرص العمل مع تحسين مستوى معيشة المواطنين.
وتأتى الحكومة الجديدة للدكتور مصطفى مدبولي، وتنتقل دفة القيادة للسياسة المالية من د.معيط إلى أحمد كجوك وزير المالية الجديد، والذى يحمل خبرات دولية ومحلية كبيرة فى مجالات السياسات الاقتصادية والمالية سواءً من خلال الدراسات العلمية أو الممارسات التطبيقية التى امتدت لأكثر من ٢٥ عامًا، كما أنه كان شريكًا للدكتور «معيط» فى العبور بالسياسة المالية وسط موجات التحديات، لتستكمل رحلة نجاح السياسة المالية فى مصر من «سفينة معيط» حتى «ميناء كجوك».
بلغة الأرقام فإن «الخطوات التصحيحية» للمسار الاقتصادى بدأت تؤتى ثمارها، بما ينعكس فى تحسين مؤشرات المالية العامة للدولة مع نهاية يونيو ٢٠٢٤، حيث تتوقع وزارة المالية تحقيق معدل نمو ٢,٩% بنهاية العام المالى الحالى و٤,٢% فى العام المالى ٢٠٢٤/ ٢٠٢٥، وتحقيق فائض أولى ٥,٨٪ من الناتج المحلى مقابل ١.٦٪ العام المالى الماضي، أيضًا قدرة المالية العامة للدولة على تحقيق فوائض أولية مع الإشارة لاستهداف ٣,٥٪ من الناتج المحلى فائضًا أوليًا فى العام المالى المقبل، بما يساعد فى تقليل معدلات العجز والدين، وأن يبلغ العجز الكلى ٣,٩٪ مقابل ٦٪ بنهاية يونيه ٢٠٢٣، رغم حدة التضخم وزيادة أسعار الفائدة وتغير سعر الصرف وارتفاع فاتورة الدعم وخدمة الدين، كما أنه كم المتوقع نمو الإيرادات العامة إلى ٢,٦ تريليون جنيه أخذًا فى الاعتبار نجاح صفقة «رأس الحكمة»، وزيادة الإيرادات الضريبية إلى ١,٦ تريليون جنيه نتيجة لأعمال الميكنة ورفع كفاءة الإدارة الضريبية وتوسيع القاعدة الضريبية والسعى الجاد نحو تحقيق العدالة التنافسية بين المستثمرين والحد من التهرب الضريبي، وتسوية النزاعات الضريبية، والنجاح فى إنهاء أكثر من ٤٦١ ألف منازعة وطعن لضريبة الدخل والقيمة المضافة خلال ٦ سنوات بضريبة نهائية مستحقة واجبة الأداء تتجاوز ٣٦٢,٥ مليار جنيه، إلى جانب زيادة المصروفات العامة إلى ٣ تريليونات جنيه بسبب ارتفاع فاتورة خدمة الدين والحماية الاجتماعية والأجور والصحة والتعليم.
ومن المتوقع أن تمضى وزارة المالية مع «كجوك» فى تنفيذ إستراتيجية تحسين إدارة الدين وتقليل مخاطر إعادة التمويل لخفض مديونية الحكومة وأعباء خدمتها، والذى ظهر من خلال سداد ٢٥ مليار دولار من الدين العام المحلى والخارجى منذ مارس الماضي، كما تستهدف النزول مع نهاية «الموازنة الجارية» بمعدلات الدين إلى ٩٠٪ من الناتج المحلى الإجمالى مقارنة بـ٩٥,٨٪ فى العام المالى الماضي، واستهداف وضع سقف لدين أجهزة الموازنة لأول مرة بمبلغ ١٥,١ تريليون جنيه ونسبة ٨٨,٢٪ فى العام المالى المقبل، وصولًا لأقل من ٨٠٪ بحلول ٢٠٢٧، حتى يصل عمر محفظة دين أجهزة الموازنة إلى ٣,٢ عام بنهاية يونيه ٢٠٢٤ للتخفيف من ضغوط الاحتياجات التمويلية.
وجاءت مؤشرات الأداء المالى للموازنة العامة للدولة خلال الـ١١ شهرًا الماضية فى الفترة من يوليو إلى مايو ٢٠٢٤، «أفضل من المستهدف»، حيث بلغ لفائض الأولى ٨٢٢ مليار جنيه بنسبة ٥,٨٧٪ من الناتج المحلى بدلًا من ١١٦ مليار جنيه بمعدل ١,١٥٪ فى نفس الفترة من العام المالى الماضي، وتراجع العجز الكلى إلى ٣,٦٪ من الناتج المحلى بدلًا من ٦,١٪ فى العام المالى الماضى رغم حدة التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وتغير سعر الصرف وارتفاع فاتورة الدعم وخدمة الدين، وارتفعت الإيرادات العامة خلال الفترة من يوليو إلى مايو ٢٠٢٤ إلى ٢,٢ تريليون جنيه بمعدل نمو ٧٣,٧٪ عن نفس الفترة من العام المالى الماضى.
وارتفع حجم الإنفاق الفعلى على الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية إلى ٤٦٧ مليار جنيه بمعدل نمو ٢٦٪ لتقليل الأعباء التضخمية قدر الإمكان عن الفئات الأكثر احتياجًا، كما ارتفع الإنفاق الفعلى على الأجور أيضًا إلى ٤٦٧ مليار جنيه بنسبة ٢٧٪ نتيجة لتحسين دخول العاملين بالدولة بالحزمة الأخيرة، وبلغ دعم السلع التموينية ١١٩ مليار جنيه، وتزايد الإنفاق على برامج «تكافل وكرامة» إلى ٣٢ مليار جنيه بمعدل نمو سنوى ٥٢٪، مع تم سداد ١٨٥ مليار جنيه قيمة مستحقات صندوق التأمينات والمعاشات لدى الخزانة العامة للدولة.
وانعكس ذلك على النظرة المستقبلية للاقتصاد المصرى من مؤسسات التصنيف الثلاثة «فيتش، موديز، ستاندرد آنذ بورز»، والتى بدأت تتحرك إيجابيًا، كما يتوقع البنك الدولى أن تبلغ معدلات النمو ٤,٢٪ فى العام المالى المقبل، وذلك بما يتفق مع ما تستهدفه الحكومة، و٤,٦٪ فى السنة المالية ٢٠٢٥/ ٢٠٢٦.
ومن المنتظر أن تعمل وزارة المالية على انتهاج وتنفيذ سياسات مالية تدفع القطاع الخاص لقيادة التنمية والنمو الاقتصادي، بما يتسق مع جهود الدولة الهادفة لتحسين مناخ الاستثمار بمقومات تنافسية ومزايا تفضيلية، خاصة مع وضع حد أقصى تريليون جنيه للاستثمارات العامة لكل أجهزة ومؤسسات الدولة خلال العام المالى المقبل، فهناك ١٢٠ مليار جنيه تسهيلات تمويلية للأنشطة الإنتاجية الزراعية والصناعية والسياحية، وتتحمل الخزانة العامة للدولة فارق سعر الفائدة.
ويتضح ذلك من خلال أولى تصريحات أحمد كجوك وزير المالية الجديد، والذى أكد أن السياسات المالية تترجم الأولويات الرئاسية وبرنامج عمل الحكومة خلال المرحلة المقبلة، واستهداف خلق مساحات مالية أكبر للتخفيف عن المواطنين بكل السبل الممكنة خلال المرحلة المقبلة، والعمل على مساندة الفئات الأولى بالرعاية، للحد من الآثار المرتبطة بالموجة التضخمية المرتفعة، المترتبة على التحديات الاقتصادية العالمية والإقليمية، وشدد على أهمية وضع وتنفيذ سياسات مالية أكثر تحفيزًا للاستثمار والإنتاج والتصدير ونمو القطاع الخاص لتحسين الأداء الاقتصادي، والالتزام بالإدارة المرنة للمخاطر الاقتصادية المترتبة على الأزمات العالمية والإقليمية لحظيًا، من أجل احتواء الصدمات الخارجية والداخلية والحد من تأثيراتها وتداعياتها على الاقتصاد المصري، والمواطنين أيضًا.
وتتكامل تلك الرؤية من خلال ياسر صبحى نائب الوزير للسياسات المالية، وشريف الكيلانى نائب الوزير للضرائب، حيث قال «صبحي»، إن المواطن هو الهدف الأساسى لأى سياسات مالية، وإن المرحلة المقبلة ستشهد مساندة الفئات الأكثر احتياجًا ودعم مسار تحقيق الاستقرار الاقتصادي، مشيرًا إلى أن فريق العمل بوزارة المالية استطاع أن يدير بكفاءة، المالية العامة للدولة فى ظل تحديات قاسية ترتبط بأزمات عالمية وإقليمية، وسينجح فى تطوير أدائه بشكل أكبر من أجل تحقيق المستهدفات المالية والاقتصادية وتلبية الاحتياجات التنموية للمواطنين.