العملات الرقمية تتفشى في لبنان: سهولة في الاستثمار ومخاطر مرتفعة
(النهار)-13/03/2025
هل تأخر لبنان عن الركب العالمي، في إصدار العملات الرقمية واستعمالها؟ أم أنه تأنى في دخول عالمها واختبار مخاطرها، حفظا للسلامة ودرءا للندامة؟
الواقع أن تصاعد انخراط اللبنانيين في شراء العملات الرقمية، وظهور مواقع إلكترونية في لبنان تروج لعائداتها المرتفعة، وسهولة الاستثمار فيها، عززت حضورها في السوق اللبنانية، برغم تحذير مصرف لبنان من مغبة استعمالها، لارتفاع مخاطرها وانتفاء القدرة على ملاحقة مرجعياتها.
أمر آخر عجّل في الاندفاعة اللبنانية، يتعلق بسهولة الاستثمار في هذه العملات وتنوعها، وعدم وجود قيود أو شروط تعوق فتح الحسابات، أو إلزامية إبراز وثائق إثبات لمصادر الأموال المستثمرة وقانونيتها، أسوة بما يحصل مع المصارف التجارية.
مصادر مصرف لبنان، المعني قانونا بإصدار تراخيص المؤسسات المالية والمصارف والصرافين، والوصي الحصري على متابعة مدى مطابقة أدائهم للقوانين والتعاميم، تؤكد أن المركزي لم يصدر إلى حينه أي ترخيص مزاولة لبيع العملات الرقمية وشرائها، أو إصدارها على الأراضي اللبنانية.
وكان الحاكم السابق رياض سلامة أنشأ أواسط عام 2021 لجنة مهمتها درس تطوير قطاع التقنيات النقدية، تحضيرا لإطلاق عملة رقمية لبنانية الهوية، لكن بروز أولويات مالية ونقدية أخرى آنذاك ساهم في وقف المشروع.
وشرحت المصادر أن “ثمة عملات رقمية يتم تداولها عالميا خارج المصارف المركزية، وأخرى صادرة عن المصارف المركزية (CBDC).
في ما يخص المصارف المركزية، أثبتت تجارب للعملات الرقمية (CBDC) فشلها في دول عدة. أما في لبنان فكان مصرف لبنان قد شرع في درس إصدار عملة رقمية Elira بغية تطوير التعامل الرقمي، على أن توازي كل ليرة رقمية الليرة الفعلية، بيد أنه عاد وجمّد فكرة إطلاقها انطلاقا من التجارب العالمية، إضافة إلى أن تركيز المصرف المركزي يصب في اتجاه تطوير وسائل دفع جديدة مثل وسائل الدفع الفوري IPS بين الزبائن في المصارف والمؤسسات المالية والمحافظ الإلكترونية.
أما العملات الأخرى فدونها سلبيات، وخصوصا أنها غير تابعة لإدارة المصارف المركزية، وتاليا فإن أسعارها تتقلب كثيرا، أي أن المستثمر يمكن أن يخسر مبالغ طائلة في لحظات. العملات الرقمية أصبحت مقبولة كوسيلة دفع، ولكن في لبنان يمنع مصرف لبنان تداولها، إلا أن ثمة من يتداولها عبر فتح حسابات خارج لبنان من خلال بعض الشركات في الخارج، ويتم تداولها في لبنان.
ولا ترى المصادر حاجة حاليا في لبنان إلى تداول العملات الرقمية، في ظل وجود وسائل دفع من بطاقات الائتمان والـمحافظ الإلكترونية.
يكفي أن تمتلك بطاقة ائتمان، ملاءتها بالدولار لا بـ”لولار”، وهاتفا ذكيا، ورغبة في المغامرة في الاستثمار بأعلى الأدوات المالية مخاطر في العالم، ليتحقق لك ما تريد “بكبسة زر”، ومن هناك “أنت وحظك”، وحكمتك في اختيار العملة التي تملك سمعة موثوقا بها إلى حد ما.
لبنانيون كثر دخلوا ميدان النقد الرقمي. “عم نغامر” هو لسان حال غالبيتهم الساحقة، التي تؤكد أن ما يستثمرونه في تجارة العملات الرقمية لا يعدو نقطة في بحر ما خسروه مع المصارف.
وفي بحث غير موسع، تبين لأحد المتابعين أنه باستثناء رجال المال والأعمال، على قلتهم، ممن استثمروا في “الرقمي” مبالغ تعتبر ضخمة نسبيا، فإن غالبية استثمارات اللبنانيين تراوح بين 500 و5000 دولار فقط. أما حجم مغامرة اللبنانيين بالعملات الرقمية، فقد يكون غير صحيح بالمطلق، والمجموع العام محليا، من دون احتساب المغتربين، لا يتعدى بضع عشرات ملايين الدولارات، وهو رقم هزيل أمام رقم النصف مليار دولار المسوق له.
وبيّن إحصاء لحركة المواقع الإلكترونية ذات الصلة بتجارة العملات الرقمية، وجود نحو 70 عملة رقمية متداولة بين اللبنانيين، أو معروضة للتداول، تراوح أسعارها بين 28.23 دولارا(Ethereum) و96.778 دولارا (Bitcoin).
وفي حين أن لا قدرة لأي جهة مصرفية أو مالية رسمية على إحصاء حركة الأموال الرقمية، لكونها تعمل وتتحرك من خارج النظام المالي والمصرفي اللبناني، حذر مصدر مصرفي من خطورة انعكاس ذلك على لبنان، للأسباب الآتية:
– إمكان استغلال العملات الرقمية في تبييض الأموال.
– استغلالها لتجنيد مجموعات مسلحة غير نظامية، وتمويل أعمال إرهابية وتنفيذها.
– عدم حيازتها أي إبراء أو مشروعية قانونية.
– عدم اعتمادها من الدولة بصفتها إحدى الأدوات النقدية الرسمية.
إلى كل ذلك، هناك مخاطر التقلب القاسي في سعر تسييلها، وانتفاء وجود تأمين على الخسائر، أو ضمانات تحمي الاستثمار أو جزءا من أصوله، أسوة بما كان مع مؤسسة ضمان الودائع في لبنان، أو بعض الأدوات التأمينية في الخارج.