الفقر المائي يهدد العرب.. إليك خطة الإنقاذ من العطش
(النهار)-02/09/2025
“قطرات ماء تتساقط، ومجلس عائليّ الجميع فيه يتبادل أطراف الحديث، ورغم صخب الأجواء تسلّلت أصوات قطرات المياه المهدرة إلى أذن أحد الأطفال الحاضرين في المجلس، حتى قفز من مكانه وسأل الحضور، من منكم لم يغلق الصنبور؟ الصمت عمّ المكان، فقال الطفل: “لو كلّ واحد منكم يعلم كم انخفض نصيبه من المياه، لتسابقتم لغلق الصنبور قبل أن يصيبكم الجفاف والعطش”، إنه مشهد تخيّلي، ولكنه يجسد حجم خطر الشحّ المائي الذي يهدّد الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا؛ فما هي البلدان العربية التي تعاني من الفقر المائي؟ وما هي البلدان المهدّدة بالشح المائي؟ ولماذا وصلنا إلى مرحلة الفقر المائي؟ وكيف تحمي الدول العربية نفسها من العطش؟
أظهرت بيانات صادرة عن الأمم المتحدة أن 19 دولة عربية تحت خط الفقر المائيّ البالغ 1,000 متر مكعب من المياه العذبة للفرد سنوياً، من بينها 13 دولة تعاني الفقر المائي المُدقع، حيث ينخفض نصيب الفرد إلى أقلّ من 500 متر مكعب سنوياً.
وفي عام 2024، بلغ متوسط نصيب الفرد من موارد المياه العذبة المتجدّدة في الدول العربية نحو 480 متراً مكعباً، وفق تقرير أعدّه مركز البيئة والتنمية للمنطقة العربية وأوروبا “سيداري”.
يقول دكتور عباس محمد شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في كلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، لـ”النهار” إن 1,000 متر مكعب متوسط عالمي قد يقلّ في بعض المناطق، ولا يمكن لنا أن نساوي المناطق الحارة بالمناطق الباردة، والدول الغنية بالدول الفقيرة؛ فنحن نحدّد نصيب الفرد من خلال قسمة حجم المياه العذبة المتوافرة من مصادر طبيعية على عدد السكان.
وضرب مثلاً موريتانيا. نصيب الفرد فيها 2,500 متر مكعب، ليس لأن المياه متوافرة، ولكن عدد السكان قليل. وفي الكونغو الديمقراطية نصيب الفرد من المياه نحو 12 إلى 13 ألف متر مكعب من المياه، ورغم ذلك يعانون من المجاعة. وفي السودان نصيب الفرد 1,300 متر مكعب سنوياً، إلا أن وفرة المياه يمكنها أن تُغرق السودان ذي الـ 50 مليون نسمة، منهم نحو 10 إلى 12 ملايين هاجروا بسبب الصراعات الداخلية. وكذلك لدى جنوب السودان وفرة مائية، لكنها ملوثة، ويعاني السكان من المجاعة، رغم أن نصيب الفرد لا يقلّ عن 10 آلاف متر مكعب من المياه سنوياً. ولدى أثيوبيا أيضاً تريليون متر مكعب من المياه، ورغم ذلك فنصف الشعب يعاني بسبب المجاعة.
وتابع أن معظم الدول العربية تقع جغرافياً في أشد مناطق العالم جفافاً، وهي الصحراء الكبرى في أفريقيا وامتدادها في الجزيرة العربية، وأن أشدّ 10 دول جفافاً في العالم هي دول عربية.
وأشار شراقي إلى وجود دول لا تعاني الفقر المائي، لكنها لا تتمتع بالأمن المائي، بسبب سوء الاستخدام والصراعات الداخلية والأوبئة مثل موريتانيا والعراق وجزر القمر والسودان، الذي يعاني من المجاعة حالياً.
ولفت إلى وجود 7 دول عربية نصيب الفرد فيها أقلّ من 100 متر مكعب من المياه العذبة سنوياً، هم ليبيا (96 متراً مكعباً من المياه العذبة سنوياً، وانخفضت إلى 88 متراً مكعباً بعد الصراعات الأخيرة)، الأردن (81)، البحرين (74)، قطر، اليمن (53)، الإمارات (23) والكويت (4).
وعن الدول الأشد جفافاً وندرة أمطار، يقول الخبير الجيولوجي إن مصر تأتي في المركز الأول عالمياً؛ فنصيبها من مياه النيل 55.5 مليار متر مكعب، يضاف إليه مليار متر مكعب من الأمطار، ليصبح الإجمالي 56.5 مليار. وهذه الكمية ثابتة منذ عام 1970 (كنّا 26 مليون نسمة) حتى الآن (107 ملايين نسمة).
وفي المرتبة الثانية على قائمة البلدان العربية الأشد جفافاً وندرة في الأمطار تأتي ليبيا، ثم السعودية، قطر، الإمارات، البحرين، الجزائر، موريتانيا، الأردن، الكويت، وفق الوضع الجغرافي الطبيعي، ويزداد الأمر صعوبة بزيادة عدد السكان.
خطة إنقاذ العرب من العطش: لا تهدروا المياه في الزراعة!
يقول شراقي إننا في مصر نعيد استخدام مياه الصرف الزراعي مرتين وثلاث مرات، ليصبح نصيب الفرد نحو 820 متراً مكعباً سنوياً (لكن المياه الجوفية والمياه المحلاة من البحر والصرف الزراعي لا تحتسب رسمياً)، بينما نصيب الفرد على الورق 502 متر مكعب. وفي السبعينيات بعد بناء السد العالي كان نصيب الفرد أكثر من 2,000 متر مكعب من المياه.
ينصح الخبير الجيولوجي دول الخليج العربي بألا تهدر المياه في الزراعة، مشيراً إلى السعودية التي هي الدولة الأولى عالمياً في تحلية مياه البحر، فبعد أن كان نصيب الفرد فيها 65 متراً مكعباً سنوياً تمكّنت المملكة من إيصاله إلى نحو 600 متر مكعب من تحلية مياه البحر واستخدام المياه الجوفية غير المتجدّدة. فهي كانت في البداية تهدر المياه الجوفية العذبة في زراعة القمح خلال الثمانينيات وتوقفت عن ذلك، لأنها استنزفت المخزون، وتحولت لاستيراد القمح. ويقول: “المياه الجوفية في دول الخليج الستة يجب أن تكون مياه شرب فقط، أما المنتجات الزراعية فبالإمكان استيرادها، فطن القمح لا يتعدى سعره الـ 200 دولار، وهذه دول غنية قادرة على الشراء وتوفير مياه الزراعة للاستخدامات المنزلية والصناعة والسياحة.
وأشاد شراقي بدور الإمارات في استمطار السحب وتحلية مياه البحر، كما أثنى على الحلول التكنولوجية المبتكرة في توفير المياه من الهواء، مؤكداً أن الإمارات حققت طفرة في استغلال المياه في المشروعات الصناعية والسياحية.
خبير لدول شمالي أفريقيا: “ما دمت تُصنّع وتمتلك دولاراً فستأتي المياه لعندك“
وبالحديث عن دول شمالي أفريقيا، مثل تونس والجزائر والمغرب، قال شراقي إن سبب الشح المائي هو زيادة عدد السكان واحتياج هذه الدول إلى الزراعة، قائلاً “موقف دول شمالي أفريقيا أفضل من دول الخليج، ولديها فرصة لحسن استغلال الأمطار، التي تعدّ مصدراً جيّداً للمياه العذبة. هذه الدول في النشاط الاقتصادي غير مطلوب منها التركيز بشدة على النشاط الزراعي، بل التركيز على النشاط الصناعي مثل المغرب، التي أصبحت تصدّر السيارات، كما يعتمد اقتصادها على السياحة، “ما دمت تُصنّع وتمتلك دولاراً فستأتي المياه لعندك”.