“الفنتك” في السعودية: الذكاء المالي في خدمة الاستثمار
(النهار)-13/09/2024
يشهد قطاع التكنولوجيا المالية أو “الفنتك” (FinTech) في المملكة العربية السعودية نمواً هائلاً، مدعوماً بتوجهات استراتيجية تهدف إلى تعزيز الابتكار وتحقيق التحول الرقمي ضمن “رؤية السعودية 2030”. وتعد المملكة حالياً من أبرز المراكز المالية الناشئة في المنطقة، مستفيدةً من تطورات التكنولوجيا الحديثة، خصوصاً الذكاء الاصطناعي، في دعم القطاع المالي.
يعرّف خبير التحوّل الرقمي رامز القارا التكنولوجيا المالية بأنها تطور النظام المصرفي والمالي وتحوله نحو الرقمنة، مقدماً لـ”النهار” أمثلة على ذلك: “المحافظ الرقمية التي شاع استخدامها بين شركات الاتصالات في مصر والسعودية، فهذه تسمح لمستخدم المحفظة بتحويل الأموال من مكان إلى آخر. كما تستخدم هذه التقنيات في منصات القروض الجماعية، تعمل وفق مفهوم التمويل الشعبي أو crowd funding، لتقديم القروض للمشتركين. ومن النماذج الأخرى أيضا خدمة Tap to pay أي استخدام الهاتف للدفع الاستهلاكي”.
أكثر ملاءمة وكفاءة
يؤكد محافظ البنك المركزي السعودي أيمن السياري أن تمكين الابتكار المالي يعد جزءاً أساسياً في التحول الاقتصادي الذي تشهده السعودية، “ويعكس هذا التوجه التزاماً كبيراً من الجهات الرسمية بتطوير النظام المالي، حيث يؤدي القطاع دوراً رئيسياً في تحسين كفاءة الخدمات المالية وتعزيز المنافسة، مع المحافظة على استقرار النظام المالي ومرونته”.
ويعكس “مؤتمر فنتك السعودية 2024” هذا التوجه، حيث كان الحدث منصة لعرض أحدث الابتكارات التكنولوجية، مثل إطلاق أول منصة “فنتك” سعودية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لإدارة الأخطار المالية وتحليل البيانات الضخمة. هذا التوجه يعزز من قدرة المؤسسات المالية على التكيف مع التحولات السريعة في السوق المالية العالمية.
وتوفر التكنولوجيا المالية خدمة عملاء أكثر ملاءمة وكفاءة بأسعار تنافسية من حيث النسبة التي تتقاضاها مقابل التحويل، بحسب القارا، الذي أَضاف أن “هذه الخدمة تمتاز بسرعة عالية، فهي تبسّط عمليات الدفع والتحويلات المالية بين الشركات من جهة ومن الشركات إلى موظفيها، من جهة أخرى، كونها لا تحتاج إلى وسطاء أو معالجين يدويين. وتسمح للشركات والأفراد على حدّ سواء بالوصول إلى أسوق جديدة، من دون الحاجة إلى الوجود جسدياً في هذه الأسواق. فهي تستخدم تقنيات تكنولوجية متطورة مثل ’بلوكشين‘ التي تفعّل دور الرقابة وتعزز الشفافية المالية وتوفّر إدارة أفضل للأموال، كما تفتح الباب أمام منافسة أكبر بين الشركات لتقديم حلول دفع أكثر ابتكار وسرعة وسهولة”.
توسع سريع
شهد قطاع التكنولوجيا المالية في السعودية تطورات استثنائية خلال السنوات الأخيرة. وفقًا لتقرير صادر عن شركة آرثر دي ليتل للاستشارات الإدارية، زاد عدد شركات “الفنتك” في المملكة من 89 شركة في عام 2022 إلى 200 شركة في عام 2023، مع جذب استثمارات تجاوزت 4 مليارات ريال (1,1 مليار دولار تقريباً) خلال السنوات الخمس الماضية.
يعود هذا النمو إلى عوامل عدة، منها مبادرة “فنتك السعودية” وإطلاق البنك المركزي السعودي البيئة التشريعية التجريبية للتكنولوجيا المالية (ساندبوكس). إضافة إلى ذلك، كان للدعم المالي الذي قدمته كيانات كبيرة مثل الشركة السعودية للاستثمار الجريء وبرنامج تطوير القطاع المالي دور كبير في تمكين الشركات الناشئة، حيث تم تخصيص 300 مليون ريال (80 مليون دولار تقريباً) لدعم هذه الشركات.
وأشارت شركة آرثر دي ليتل إلى أن السعودية في طريقها لتصبح مركزاً رائداً للتكنولوجيا المالية على مستوى العالم، بفضل الإصلاحات التنظيمية والدعم الاستراتيجي للاستثمارات. ومتوقع أن يصل عدد شركات “الفنتك” إلى 525 شركة بحلول عام 2030، وفقًا لما ذكره وزير المالية السعودي محمد الجدعان، وأن تساهم هذه الشركات بشكل كبير في تحقيق أهداف “رؤية 2030″، خصوصاً في مجال تعزيز الاقتصاد الرقمي وزيادة حصة المدفوعات الإلكترونية في قطاع التجزئة إلى 80% بحلول عام 2030.
ذكاء اصطناعي وشراكات
كان الذكاء الاصطناعي محوراً أساسياً في مؤتمر “فنتك السعودية 2024″، حيث تم تسليط الضوء على دوره في تحليل البيانات المالية واتخاذ القرارات الاستثمارية. وأشار القارا إلى أنّ “الذكاء الاصطناعي أثبت قدرته على تحسين تجربة العملاء وتقديم خدمات مخصصة تلبي احتياجات الأفراد بشكل دقيق. ويعد هذا التوجه جزءاً من مساعي السعودية لتصبح رائدة في استخدام التكنولوجيا المالية لتعزيز الكفاءة التشغيلية والأمن السيبراني، بالإضافة إلى تقديم حلول مالية مبتكرة”.
ويعد توقيع اتفاقيات تعاون بين السعودية وشركات “فنتك” عالمية دليلاً آخر على التزام المملكة تعزيز مكانتها مركزاً عالمياً للتكنولوجيا المالية. من خلال هذه الشراكات، سيتم تطوير حلول ذكاء اصطناعي مخصصة لتحسين الأمن السيبراني وتعزيز تجربة المدفوعات الرقمية.
كما أظهرت المشاركة الدولية الواسعة في مؤتمر “فنتك السعودية 2024” مدى اهتمام العالم بالتكنولوجيا المالية في السعودية. وتسعى المملكة إلى اغتنام هذا الاعتمام لتوسيع شراكاتها الدولية وتعزيز التعاون عبر الحدود لدعم شركات “الفنتك” المحلية في مشاريعها الدولية.
فوائد وتحديات
من جهته، عدد البروفسور جيهاد فيتروني في حديثه لـ”النهار”، بعض التأثيرات الرئيسية للتكنولوجيا على عالم التمويل، ومنها “تحسين الوصول والشمول المالي، تقليل التكاليف وزيادة الكفاءة، طوير أدوات الاستثمار والتمويل الشخصي، تحسين الأمان والحد من الاحتيال، تحفيز الابتكار المالي، تغيير نماذج الأعمال التقليدية، تعزيز تجربة العميل”.
إلا أنّه وبالرغم من الفوائد الكبيرة التي توفرها التكنولوجيا المالية، اعتبر فيتروني أنّها جلبت تحديات جديدة مثل “زيادة التعقيد في الأنظمة، وصعوبة حماية البيانات في ظل تزايد الهجمات الإلكترونية، وأيضًا التحديات التنظيمية المتعلقة بكيفية التعامل مع الخدمات المالية الجديدة”.
وأضاف “باختصار، التكنولوجيا في عالم التمويل تمثل قوة دافعة للتغيير، تحسن الكفاءة والشمولية وتفتح آفاقاً جديدة للابتكار، ولكنها تتطلب أيضاً تكيفاً مستمراً من الشركات والهيئات التنظيمية”.
“في المحصلة، واضح أن السعودية تحقق تقدماً هائلاً في قطاع التكنولوجيا المالية، مستفيدةً من “رؤية السعودية 2030” وتوجهاتها نحو الابتكار الرقمي. وباستمرار هذا الزخم، تضع المملكة نفسها في طليعة الدول الرائدة في مجال “الفنتك”، ما يساهم في تعزيز اقتصادها الرقمي، وتطوير نظام مالي مستدام يلبي احتياجات المستقبل.