المؤسسات الدولية تؤكد زيادة الثقة بالاقتصاد المصري عقب اتفاق صندوق النقد و«التعويم»
(الشرق الاوسط)-08/03/2024
تواصلت ردود الفعل من المؤسسات الدولية المرحبة بخطوة اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي على توسيع برنامج القرض إلى 8 مليارات دولار، وذلك بعد خفض سعر الصرف واتخاذ إجراءات من شأنها إصلاح مسار الاقتصاد، تزامناً مع دخول سيولة دولارية كبيرة إلى البلاد إثر صفقة استثمارية ضخمة مع دولة الإمارات.
وكان البنك المركزي المصري أعلن، الأربعاء، رفع أسعار الفائدة 600 نقطة مئوية وترك سعر الصرف ليتحدد وفقاً لآليات السوق، مما دفع السعر الرسمي للجنيه ليلامس 50 جنيهاً للدولار في البنوك التجارية قبل أن يستقر حول 49.5 جنيه للدولار عند الإغلاق، وهو الوضع الذي استمر على مدار يوم الخميس في حالة واسعة النطاق من الاستقرار.
وأعقب خطوة «المركزي» إعلان مصر التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي يتضمن رفع قيمة برنامج التمويل الذي جرى الاتفاق عليه في 2022 من ثلاثة مليارات إلى ثمانية مليارات دولار. ومن المقرر أن يجتمع المجلس التنفيذي للصندوق قبل نهاية مارس (آذار) الحالي للموافقة على الاتفاق الجديد.
وتوقع بنك الاستثمار «غولدمان ساكس» يوم الخميس أن يتعافى الجنيه المصري من مستوياته المتدنية «الحالية» خلال أسابيع، ليستقر في أوائل نطاق 40 جنيهاً للدولار في المدى القريب، مضيفاً أن الوضع الجديد في مصر ينعش فكرة الاستثمار في الأصول المصرية التي تنطوي على مخاطر.
وذكر في مذكرة أنه يتوقع تعافي الجنيه من تلك المستويات المتدنية بفضل تدفقات الاستثمار في أذون الخزانة خلال المزادات المقبلة، في ضوء تراجع قيمة العملة وارتفاع العائد الاسمي.
وتوقع ألا تستمر أسعار الفائدة المرتفعة لفترة طويلة بفضل استمرار معدلات التضخم في الانخفاض، وعودة المحافظ الاستثمارية إلى السوق المحلية، وانخفاض احتياجات الحكومة للاقتراض.
وأضاف أن الوضع الجديد في مصر قد ينعش فكرة الاستثمار في الأصول المصرية المنطوية على مخاطر في الأجل القريب، مع استمرار شهية المستثمرين للدخول في السوق المصرية، في ضوء الاستقرار المنتظر لأوضاع الاقتصاد الكلي وإعادة بناء احتياطي النقد الأجنبي. كما توقع طلباً أجنبياً قوياً على الدين المحلي المصري ممثلاً في أذون الخزانة في العطاءات القادمة، بالنظر إلى نطاق خفض قيمة العملة والعوائد الاسمية المرتفعة المرجح عرضها.
وقال المحلل لدى «غولدمان ساكس» فاروق سوسة، في المذكرة، إن الجنيه سيستفيد أيضاً من إقبال حائزي الدولار المحليين على بيع العملة الأميركية في البنوك، إلى جانب صرف شرائح قرض صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى العودة المتوقعة لتحويلات العاملين بالخارج إلى النظام المصرفي. واستبعد أن يكون للإجراءات الجديدة أثر تضخمي، لأنها ستسهم في حل أزمة سلاسل التوريد في البلاد إذ أفرجت الحكومة عن بضائع بقيمة 1.3 مليار دولار من الموانئ خلال الأيام القليلة الماضية، كما سيسهم توحيد سعر الصرف في توقف التجار عن تخزين السلع ترقباً لارتفاع أسعارها.
معهد التمويل الدولي
بدوره، توقع معهد التمويل الدولي أن تساهم صفقة «رأس الحكمة» وإبرام مصر اتفاقاً موسعاً مع صندوق النقد الدولي، في تعزيز إجمالي احتياطيات مصر الأجنبية لأكثر من 50 مليار دولار، وهو ما يكفي لثمانية أشهر من الواردات في نهاية السنة المالية الراهنة.
وكانت مصر أعلنت في 23 فبراير (شباط) الماضي عن صفقة ضخمة بقيمة 35 مليار دولار (حوالي 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) مع «القابضة» – صندوق الثروة السيادية الذي يقع مقره في أبوظبي – وهو ما يمثل أكبر تدفق للاستثمار الأجنبي المباشر في تاريخ مصر، وذلك من أجل تطوير مدينة رأس الحكمة بمساحة إجمالية 170 مليون متر مربع غرب الإسكندرية. بموجب هذه الصفقة، ستحصل مصر على 24 مليار دولار من السيولة المباشرة، و11 مليار دولار من الودائع الإماراتية التي سيتم تحويلها إلى الجنيه المصري للاستثمار في مشروعات أخرى تدعم النمو الاقتصادي والتنمية.
ووفقاً للأرقام الرسمية المعلنة، يملك البنك المركزي المصري صافي احتياطيات بالعملات الأجنبية بما قيمته 35.31 مليار دولار بنهاية فبراير، في انخفاض بسيط من 35.25 مليار دولار بنهاية يناير (كانون الثاني).
وقال معهد التمويل إنه توقع في مذكرة له الشهر الماضي أن يصل إجمالي احتياجات التمويل في مصر إلى حوالي 15 مليار دولار، تراكمياً، اعتباراً من السنة المالية «2023 – 2024» – السنة المالية «2025 – 2026». «لقد كنا نشك في أن معظم هذه الفجوة سيتم سدها من خلال برنامج جديد وموسع لصندوق النقد الدولي ومن عائدات الخصخصة. ومع ذلك، فإن 24 مليار دولار من السيولة بالعملات الأجنبية التي ستحولها الإمارات إلى مصر ستساعد في تغطية أي تمويل متبقٍ من الاحتياجات في المستقبل المنظور (رغم أننا نتوقع استخدام جزء من هذه الأموال في وسائل أخرى، مثل تصفية أعمال الاستيراد المتراكمة أو لتخفيف الضغط في سوق سعر الصرف الموازية). وستعمل التدفقات الإضافية من برنامج صندوق النقد الدولي (8 مليارات دولار) على تعزيز الأصول الاحتياطية في مصر، مما يساعد على تغطية بعض عمليات إعادة الشراء الكبيرة لصندوق النقد الدولي المستحقة في السنتين الماليتين المقبلتين، بينما ستساعد أيضاً في تغطية بعض عمليات إعادة الشراء الكبيرة لصندوق النقد الدولي المستحقة في العامين الماليين المقبلين»، حسبما قال المعهد.
وأضاف أنه «من شأن ضخ الأموال المعلن عنها أن يقلل صافي الالتزامات الأجنبية لدى البنك المركزي ويساعد على خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر. فمبلغ الـ11 مليار دولار من الودائع الإماراتية التي يتم تحويلها إلى الجنيه المصري ستساعد في تقليل صافي مطلوبات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي بنحو 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مما يدفع البنك المركزي إلى تسجيل صافي مركز إيجابي للأصول الأجنبية في السنة المالية 2023 – 2024».
من حيث القيمة الدولارية، توقع معهد التمويل الدولي أن ينخفض إجمالي الدين الخارجي من ذروة بلغت 165 مليار دولار في السنة المالية 2022 – 2023 إلى 157 مليار دولار في السنة المالية 2023 – 2024. وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، سيظل الدين الخارجي تحت السيطرة عند مستوى 45 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2023 – 2024، ارتفاعاً من 42 في المائة في السنة المالية 2022 – 2023.
وفي هذا الوقت، كشف مسؤول حكومي مصري أن بلاده تتوقع الحصول على 3.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي خلال شهري مارس الجاري وأبريل (نيسان) المقبل. وأوضح المسؤول لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، طالباً عدم نشر اسمه، أن المبلغ سيتوزع بواقع ثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد، ضمن الاتفاق الذي أبرمته مصر يوم الأربعاء مع الصندوق بقيمة ثمانية مليارات دولار، و300 مليون دولار منتظرة من طلب تمويل محتمل من صندوق الاستدامة والصلابة التابع للصندوق.
الإفراج عن البضائع
من جانبه، قال رئيس مصلحة الجمارك المصرية الشحات الغتوري يوم الخميس إنه جرى الإفراج عن بضائع من الموانئ المصرية بقيمة تتجاوز 12 مليار دولار منذ بداية العام الجاري. فيما أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن «شغلنا الشاغل مع التجار في المرحلة المقبلة هو ضبط الأسعار، لتعكس السعر الحقيقي والواقعي للسلع… وتم التوجيه لوزارة الداخلية بالضرب بيد من حديد لكل تجار السوق السوداء ومنظومة الشبكات التي كانت تسيطر على تحويلات المصريين بالخارج».
وقال رئيس الوزراء المصري يوم الخميس إن الحكومة تخطط لإبرام «صفقات كبيرة» لضمان السيولة، وستعمل مع التجار لضبط الأسعار، وتعطي الأولوية لإتاحة العملة الأجنبية لمستوردي السلع الأساسية بعد السماح بتحرير سعر صرف الجنيه.
ومن جانبه، قال وزير المالية المصري محمد معيط، يوم الخميس، إن البلاد بحاجة إلى إعادة التضخم إلى المستوى المستهدف البالغ 7 في المائة (زائد أو ناقص 2 في المائة). وأضاف أن الحل متوسط وطويل الأجل يحتاج إلى اقتصاد يقوده القطاع الخاص.