المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي: الأمن الغذائي العربي مكشوف.. وتغير المناخ يُفاقم الأزمة
(النهار)-15/11/2024
يؤكد الدكتور عبدالله الدردري، مدير المكتب الإقليمي للدول العربية ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن انعقاد مؤتمر المناخ COP29 يأتي في لحظة حاسمة، يواجه فيها العالم معدلات احترارٍ غير مسبوقة. ويضيف في حواره لـ”النهار” خلال مشاركته في المؤتمر، أن الوصول إلى توافق حول ملف التمويل المناخي الذي يحتل صدارة المفاوضات هذا العام، يتطلب إرادة سياسية حقيقية من الدول المتقدمة، لافتًا إلى أن الأوضاع المشتعلة إقليميًا لها تأثير هائل على قضية المناخ ومن ثم على جهود مجابهة الأزمة.
يتصدّر ملف التمويل المناخي أجندة مؤتمر المناخ COP29 هذا العام، كيف يمكن سد فجوة التمويل الحالية؟
دائمًا ما يُعد التمويل القضية الأصعب على الإطلاق في العمل المناخي العالمي، ويبرز الملف بالفعل في قلب المفاوضات الجارية حاليًا، هناك فجوة تمويلية هائلة نحتاج إلى رأبها حتى نتمكن من مجابهة الأزمة. فالتزامات تمويل التنمية والمناخ في العالم لم تتبلور حتى الآن، ونسبة قليلة جدًا منها وصلت بالفعل إلى الدول النامية. تتفاوض الدول حاليًا على تبني هدف تمويلي جديد بتوفير مايزيد عن تريليون دولار سنويًا، ليحل محل هدف الـ 100 مليار دولار، لكن في الواقع لا يمكن الوصول إلى اتفاق منصف يحفظ حقوق الدول النامية، بغير إرادة سياسية حقيقية تعالج أوجه القصور في النظام المالي العالمي، وتضمن تدفق عادل للتمويلات. للأسف لا نعرف مصير الإصلاح المالي العالمي في ظل التوترات السياسية غير المسبوقة والتغيرات المتسارعة عالميًا، ولا نعرف حقيقةً ما هو مصير قضية المناخ بشكل عام، فهناك قوى ذات نفوذ كبير في العالم تراجع اهتمامها بالقضية.
كيف تنعكس التوترات السياسية على أزمة المناخ؟
الأوضاع المشتعلة إقليميًا لها تأثير هائل على قضية المناخ ومن ثم على جهود مجابهة الأزمة، هذا يحدث في الوقت الذي نقف فيه في لحظة مناخية حرجة للغاية. فرغم اتفاق العالم على ضرورة الإبقاء على درجة حرارة الأرض مادون 1.5 درجة مئوية، إلا أننا نسير الآن بسرعة كبيرة نحو 2.5 إلى 3 درجات مئوية، هذا الفرق يعني الدخول إلى مرحلة من الفوضى المناخية العارمة. كما أن النزاعات في المنطقة لها نتائج كارثية على معدلات التنمية، في بلدان تشهد بالفعل هشاشة مناخية كبيرة، ما يضاعف الأزمة التي تعانيها بسبب ثنائية المناخ والصراع، يكفي أن نعرف أن لبنان على سبيل المثال سيخسر حتى نهاية العام أكثر من 9% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما بين 7 إلى 8 مليار دولار، ونظرًا للترابط في اقتصادات المنطقة، نجد أن سوريا في طريقها إلى خسارة 4.7% من ناتجها المحلي، نتيجة مايحدث في لبنان، بسبب النزوح الهائل لنصف مليون لبناني إلى سوريا، إضافة لانقطاع التجارة وتعطل العمليات المصرفية. بخلاف الكارثة الإنسانية المستمرة بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والتي لها آثار مدمرة على الوضع البيئي والمناخي.
ما أبرز الأزمات البيئية التي يشهدها قطاع غزة بسبب العدوان الإسرائيلي؟
يعيش قطاع غزة أزمة إنسانية وبيئية غير مسبوقة ستمتد آثارها لعقودٍ قادمة، هناك ما يقرب من 42 مليون طن من الركام المليء بمادة “الأسبستوس” الخطرة التي تتسرب إلى المياه الجوفية، فضلاً عن نصف مليون طن من النفايات الصلبة، بما تحويه أيضًا من نفايات طبية خطرة يلعب حولها الأطفال. كما تم تدمير جميع محطات معالجة الصرف الصحي داخل القطاع، هذا الصرف يذهب حاليًا إلى البحر أو إلى الخزان الجوفي. للأسف غزة عادت 70 سنة إلى الوراء في التنمية البشرية بجميع محاورها، وهذا يحدث في ظل ما تعانيه فلسطين بالأساس من تحديات مناخية كبيرة، خاصة مع ندرة الموارد المائية والجفاف.
ما التهديدات التي تواجه المنطقة العربية جرّاء تفاقم الأزمة المناخية؟ وكيف يمكن التكيّف معها؟
المنطقة العربية تتجه نحو احترار غير مسبوق يمكن أن يكسر حاجز 3 درجات مئوية، وهذا ينعكس بشكل فادح على تفاقم ظواهر الطقس المتطرف التي تتأرجح مابين موجات الحرارة والفيضانات، فضلاً عن ارتفاع مستوى سطح البحر الذي يهدد المناطق الساحلية بالغرق. هناك موجات جفاف كبيرة تشهدها منطقة شمال أفريقيا وبخاصة دول المغرب العربي، كما تواجه سوريا تصاعدًا كبيرًا لأزمة الجفاف، للعام السابع على التوالي، ونعلم مدى مساهمة الجفاف في انفجار الأوضاع الأمنية والاجتماعية في سوريا ما قبل 2011.
قطاع الزراعة يعتبر من أكثر القطاعات عرضة للآثار المناخية، بينما يعتمد 50% من سكان العالم العربي على هذا القطاع، وهو ما يشكل أزمة كبيرة. كما تعد المنطقة المستورد الأكبر للغذاء في العالم، وهذا يعني أن أمنها المائي والغذائي مكشوف تمامًا من قبل تفاقم أزمة المناخ. هناك مساعي كبيرة للتكيف مع الآثار المناخية في المنطقة لكنها ليست كافية. أطلقنا تحالف التكافل لتوفير بوليصة تكافلية، مصممة باستخدام الذكاء الاصطناعي، لرصد المخاطر المناخية التي يتعرض لها المزارعين، هذا البرنامج سيخدم 100 مليون مُزارع في المنطقة العربية، إلا أن هذا يبقى جهدًا ناقصًا، نحن بحاجة إلى قرار عربي سياسي مشترك لحماية الأمن الغذائي في منطقتنا.