المرأة في قلب الاقتصاد: التحدّيات والسياسات لتعزيز مشاركتها في الدول العربية
(النهار)-07/03/2025
ما زالت المنطقة العربية متأخرة في تدبير مسألة عدم المساواة بين الجنسين، بسبب عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي والمعايير الاجتمتاعية الراسخة. وتسجل الدول العربية (غير الخليجية) أدنى معدل مشاركة للإناث في العالم بنسبة 11.7% (66.2% للرجال) في عام 2024، بحسب تقرير “التوظيف العالمي والتوقعات الاجتماعية: اتجاهات 2024″(World Employment and Social Outlook: Trends 2024)، الصادر عن منظمة العمل الدولية. ويضيف التقرير نفسه: “عند جمع بيانات هذه الدول مع بيانات دول مجلس التعاون الخليجي، يرتفع المعدل إلى 25.5%، ومع ذلك فهو ثاني أدنى معدل بعد منطقة جنوب آسيا (29.7%)، وفوق منطقة شمال أفريقيا (20.1%)”.
وتقول منظمة العمل الدولية إن الفجوات بين الجنسين في المشاركة في القوى العاملة بالدول العربية تبلغ 33 و61 نقطة مئوية بالنسبة للجيل الشاب والبالغين على التوالي، فيما تقل الفجوة العالمية بين الجنسين عن نصف الفجوة بين الجنسين في الدول العربية لكلتا الفئتين العمريتين. وفي عام 2023، بلغت نسبة مشاركة البالغات في القوى العاملة 23.7%، في حين بلغ المعدل البالغين 84.2%. وبالنسبة إلى الجيل الشاب، بلغ المعدل للنساء 9.8%، والمعدل للرجال 42.6%. كما إن نسبة النساء في المناصب الإدارية منخفضة في المنطقة، حيث تشغل 11% فقط من النساء مناصب إدارية مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 27.1%.
إلى ذلك، ذُكر “التوازن بين العمل والأسرة” بوصفه أكبر تحدٍ يواجه النساء اللواتي يعملن في وظائف مدفوعة الأجر، يليه “المعاملة غير العادلة” في الدول العربية، وفقاً لتقرير ” نحو مستقبل أفضل للنساء والعمل: أصوات النساء والرجال” (Towards a better future for women and work: Voices of women and men)، الصادر عن منظمة العمل الدولية في عام 2024. كذلك، تقضي النساء وقتاً في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر أكثر من الرجال بنحو 5 أضعاف الوقت الذي يقضيه الرجال، أي 5 ساعات و29 دقيقة يومياً للنساء وساعة و10 دقائق يومياً للرجال، وفقاً لتقرير بعنوان “قفزة كمية للمساواة بين الجنسين: لمستقبل أفضل من العمل للجميع” (A quantum leap for gender equality: For a better future of work for all)، الصادر عن المنظمة نفسها.
إلى ذلك، يقول تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحتل المرتبة الأخيرة عالمياً من حيث التكافؤ المهني بين الجنسين، عند عتبة 61.7%. وعلى الرغم من هذه النتيجة، شهدت المنطقة مسارًا إيجابيًا منذ عام 2006، حيث تقدمت درجة الفجوة بين الجنسين بمقدار 3.9 نقطة. وفي المشاركة الاقتصادية والفرص المتاحة، تحتل بلدان هذه المنطقة المرتبة السابعة بشكل عام، حيث بلغت درجة التكافؤ بين الجنسين 43.1%.
وبحسب التقرير نفسه، تستمر الفوارق بين الجنسين في مسألة المهارات، ما يؤدي إلى تحريف مشاركة الرجال والنساء في التحول النقني والإمكانيات المتاحة لهم في مستقبل العمل. وبينما يستمر الرجال والنساء في إظهار مهارات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بشكل غير متناسب، زادت حصة النساء من ذوي مهارات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من 24.4% في عام 2016 إلى 27.1% في عام 2024. وتشير البيانات إلى أن التكافؤ بين الجنسين هو الأعلى في الالتحاق بتطوير مهارات التعاون والقيادة، والتدريس والتوجيه، والتعاطف والاستماع النشط، والقيادة والتأثير الاجتماعي. مع ذلك، التكافؤ بين الجنسين في المهارات عبر الإنترنت منخفض جداً في دورات الذكاء الاصطناعي (30%)، والبرمجة (31%)، والشبكات والأمن السيبراني (31%).
الإمارات
احتلت دولة الإمارات المرتبة السابعة عالمياً، والأولى إقليمياً، في مؤشر الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين للعام 2024، كما حصلت على درجة استثنائية من البنك الدولي، وصلت إلى 82.5 نقطة من أصل 100 في مجال حقوق المرأة لعام 2023، وهذا يظهر جلياً التزاماً كبيراً من جانب الإمارات في هذا الملف.
ويقول تقرير وزارة الموارد البشرية والتوطين الإماراتية إن نسبة النساء في القوى العاملة ارتفعت إلى 66% في بعض القطاعات، بفضل رؤية الإمارات 2031، وهي إطار تحويلي يهدف إلى تعزيز مكانة الدولة بصفتها رائدة عالمية في مجال المساواة بين الجنسين.
تركز الرؤية على أهداف رئيسية عدة: زيادة مشاركة المرأة في أدوار القيادة وصنع القرار، وتسهيل الوصول إلى التعليم والتدريب في المجالات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، وتعزيز الأطر القانونية لدعم شمولية مكان العمل. وتعكس هذه الرؤية التزام الإمارات إحداث بيئة تمكّن المرأة من الازدهار مهنيًا، والمساهمة بشكل فعال في تقدم الدولة.
وتبرز في الإمارات مبادرات تمويل لمشاريع تقودها نساء، ومنها شركة دارا هولدينغز لصاحبتها سيدة الأعمال لبنى العليان، حيث تركز في عملها على الشركات التي تقودها النساء في الشرق الأوسط للمساعدة في سد فجوة التمويل بين الجنسين في المنطقة. ومنذ منتصف عام 2024، استثمرت الشركة في شركات ناشئة أسستها نساء في الإمارات، ما يعزز التزامها دعم رائدات الأعمال. ومؤخراً، شاركت الشركة في جولة تمويل بقيمة 10 ملايين دولار لشركة qeen.ai.
السعودية
ارتفعت معدلات مشاركة السعوديات في القوى العاملة، بمقدار 0.8 نقطة مئوية، ليصل إلى 36.2%، فيما ارتفع معدل المشتغلات السعوديات إلى السكان، بمقدار 0.5 نقطة مئوية ليبلغ 31.3.% . ووفقاً لما أعلنته الهيئة العامة للإحصاء عن نتائج مؤشرات سوق العمل في المملكة، للربع الثالث لعام 2024، أظهرت النتائج المتعلقة بالسعوديات في سن الشباب (15-24 سنة) ارتفاع معدل مشاركتهن في القوى العاملة، بمقدار 1.0 نقطة مئوية، حيث بلغ 18.0%، كما ارتفع معدل المشتغلات إلى السكان في الربع الثالث من عام 2024، بمقدار 0.6 نقطة مئوية، وبلغ 13.6%، إضافة إلى ارتفاع معدل البطالة بمقدار 0.9 نقطة مئوية، حيث بلغ 24.5% مقارنةً بالربع السابق من عام 2024. ويُرد هذا الارتفاع إلى سياسات حكومية تهدف إلى تمكين المرأة وتعزيز دورها في الاقتصاد، مثل برنامج “رؤية السعودية 2030”. ومن أهم السياسات والمبادرات، نذكر القوانين الداعمة التي عُدلت لتوفير بيئة عمل أكثر دعمًا للنساء. كذلك تأتي المبادرات الحكومية، مثل مبادرة “تمكين”، لتمويل المشاريع الصغيرة التي تملكها النساء.
إلى ذلك، تعمل رائدة الأعمال السعودية مريم موصلّي، التي ترأس منصة “تحت العباءة”، على تقديم المشورة للسعوديات اللاتي يرغبن في طرق باب المشروعات الناشئة. ولسنوات، كانت مريم تدافع عن تمكين السعوديات، فيما أطلقت في عام 2024 شركة “C-Suite Advisory” الاستشارية التي تساعد النساء على تأسيس أعمالهن الخاص.
مصر
تؤكد البيانات الرسمية المصرية قدرًا كبيرًا من عدم المساواة بين الذكور والإناث في مؤشرات المشاركة في النشاط الاقتصادي، حيث لا تتجاوز نسبة الإناث في قوة العمل ربع إجمالي قوة العمل. كما ترتفع نسبة البطالة بين الإناث بشكل كبير لتصل إلى 19.2% في الربع الأول من عام 2023، حيث ارتفعت بمقدار 1.5% مقارنة بالربع المماثل من العام السابق. وهي معدلات مرتفعة إذا قورنت بنظيرتها بين الذكور. ووفقًا للنشرة الربع سنوية لبحث القوى العاملة (إصدار يناير 2024)، أكبر معدلات إسهام للإناث يأتي لدى حملة المؤهلات الجامعية وفوق الجامعية، إذ يظهر مستوى إسهام يصل إلى 43.7%، يليه المؤهلات فوق المتوسطة وأقل من الجامعي بمعدل يصل نحو 36.2%.
الكويت
تظهر المؤشرات العالمية الخاصة بتمكين المرأة التقدم المحرز في الكويت بهذا الصدد، إذ ارتفعت من المرتبة 123 إلى 61 عالميا من أصل 177 دولة خضعت للتقييم وفق تقرير صادر عن معهد جورج تاون للمرأة والسلام والأمن، كما تقدمت الكويت عشر نقاط في الفجوة العالمية بين الجنسين. وتترجم لغة الأرقام ركيزة تمكين المرأة التي تضمنتها رؤية “الكويت 2035″، إذ تشكل المرأة الكويتية ما يزيد على 58% من إجمالي القوى العاملة الوطنية، بحسب إحصاءات الإدارة المركزية للإحصاء الكويتية لعام 2024، وبلغت حصتها في القطاع الخاص 48%، والقطاع العام 60%. وتبلغ نسبة تمثيل المرأة في المناصب القيادية 28% في كل قطاعات الدولة علاوة على شغل المرأة 47% من إجمالي المناصب القيادية والإشرافية بوزارة الدفاع، و43% من قطاع الهندسة العسكرية. وفي سابقة هي الأولى من نوعها بتاريخ الكويت، شهد ايلول/سبتمبر 2024 تعيين أربع نساء في منصب مديرة في النيابة العامة، فيما يبلغ عدد وكيلات النيابة 88 إضافة إلى 19 قاضية كويتية.
وتعد الكويت الأولى خليجياً في تبني مبادرة تمكين المرأة في القطاع الخاص التي تم توقيعها في عام 2010 بين هيئة الأمم المتحدة للمرأة والاتفاق العالمي للأمم المتحدة، وهي أكبر منصة طوعية للشركات لتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.