المرزوق: القطاع المصرفي الكويتي مقبل على تمويل مشاريع كبرى
(القبس)-17/10/2025
قدّم رئيس اتحاد مصارف الكويت ورئيس مجلس إدارة بيت التمويل الكويتي، حمد عبدالمحسن المرزوق، رؤية شاملة حول متانة واتجاهات القطاع المصرفي الكويتي، مؤكداً دوره المحوري كمنصة للتحول الاقتصادي الوطني، خلال جلسة حوارية بعنوان «البنية التحتية المالية كمنصة: مرونة القطاع المصرفي الكويتي، وريادة التمويل الإسلامي، والابتكار في الخدمات المصرفية الرقمية»، نظمَّها اتحاد مصارف الكويت ضمن الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن.
واستعرض المرزوق خلالها كيف يترجم القطاع المصرفي استقراره إلى ميزة تنافسية تدعم النمو الإقليمي والعالمي.
وشهدت الجلسة الحوارية حضور وزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة وزير المالية وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار بالوكالة الدكتور صبيح عبدالعزيز المخيزيم، وسفيرة الكويت لدى الولايات المتحدة الأمريكية الشيخة الزين صباح الناصر الصباح، ومجموعة من القيادات والمسؤولين في القطاع المصرفي الكويتي.
أصل إستراتيجي
عند سؤاله حول كيفية استثمار قوة النظام المالي في استقطاب الشركاء والمستثمرين الدوليين على المدى الطويل، أكد المرزوق أن القطاع المصرفي الكويتي يتمتع بمتانة استثنائية، وقال: «القطاع المصرفي الكويتي يتمتع بملاءة رأسمالية قوية، حيث يبلغ معدل كفاية رأس المال حوالي %20، وهي نسبة تفوق الحد الأدنى الرقابي البالغ %13، كما أثبت مرونته العالية خاصة عقب الأزمات الاقتصادية العالمية».
واستعرض بيانات تقرير بنك الكويت المركزي للنصف الأول من عام 2025، مشيراً إلى أن جودة الأصول ما زالت قوية، إذ يبلغ معدل التمويلات غير المنتظمة %1.6 فقط، مع نسبة تغطية بلغت 1%242. تُعد من الأعلى إقليمياً وعالمياً، في حين تتجاوز نسبة تغطية السيولة %150، كما تحقق البنوك المحلية عائداً على حقوق المساهمين يقارب %12، مما يعكس كفاءة تشغيلية وعوائد قوية.
وأضاف: «هذه القوة ليست مجرد وسيلة تحوط، بل أصل إستراتيجي. فالمصارف الكويتية توظف هذا التميز في بناء شراكات إستراتيجية مع مديري الأصول الدوليين، مما يعزز مكانة الكويت كمركز مالي آمن وموثوق في أسواق مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».
وأوضح أن هذه المتانة تُترجم عملياً عبر التمويل المشترك والهياكل التمويلية المبتكرة، مشيراً إلى أن المشاريع الكبرى، التي تمولها البنوك الكويتية، أو بصدد تمويلها، تشمل مشاريع كهرباء، وميناء مبارك الكبير، والرهن العقاري، الذي من المتوقع إقراره قريباً بموجب تشريعٍ جديدٍ.
التمويل الإسلامي
وفي حديثه عن التمويل الإسلامي، أشار المرزوق إلى أن حجم الصناعة عالمياً يتراوح بين 5 و6 تريليونات دولار، مؤكداً أن الكويت واحدة من الدول الرائدة في الصيرفة الإسلامية، حيث منحت أول رخصة لبنك إسلامي عام 1977، تمتلك المؤهلات والخبرة اللازمة لقيادة المرحلة المقبلة من تطور الصيرفة الإسلامية، وأكد أن تلبية الاحتياجات المالية لما يقارب ملياري مسلم يمثلون ربع سكان العالم يعتبر أحد الأهداف الجوهرية للتمويل الإسلامي.
من جهة أخرى، شدّد المرزوق على أهمية التحول الرقمي وتوحيد الممارسات الشرعية، مضيفاً أن بيت التمويل الكويتي يُعد من أبرز المؤسسات التي أسست معايير شرعية موحدة، التي تسهّل تدفقات رؤوس الأموال عبر الحدود وتعزز ثقة المستثمرين، على غرار ما قام به في فروعه بالمملكة المتحدة وألمانيا ومصر.
كما أوضح أن بيت التمويل الكويتي دمج مبادئ الاستدامة (ESG) في أدوات التمويل الإسلامي، مثل الصكوك الخضراء وتمويل الطاقة المستدامة، إلى جانب دعم البيئة الرقابية التجريبية (Sandboxes) للمنتجات والخدمات ذات التقنية المالية المتوافقة مع الشريعة، مما يرسخ مكانة الكويت كمركز عالمي للتمويل الأخلاقي والشامل والمستدام.
التحول الرقمي
وتناول المرزوق أهمية الثقة في مسار التحول الرقمي، موضحاً أنها أهم «عملة» في عالم الصيرفة الحديثة. وقال: «كل مبادرة رقمية يجب أن تعزز هذه الثقة عبر أنظمة أمن سيبراني متقدمة تضمن الحماية القصوى من الهجمات الإلكترونية».
وأشار إلى نجاح الكويت في إطلاق نظام المدفوعات الفورية «ومض»، الذي يتيح تحويل الأموال باستخدام رقم هاتف المستفيد فقط، مؤكداً أن هذه الخدمة شهدت أكثر من مليون معاملة في عامها الأول، مما يعكس ثقة العملاء بالبنية التحتية الرقمية المصرفية.
وأضاف أن مواجهة التهديدات الإلكترونية المتزايدة تعقيداً، تشمل حملات توعية ضد الاحتيال، أطلقها بنك الكويت المركزي، بالتعاون مع البنوك المحلية، إلى جانب غرفة طوارئ مركزية لتلقي بلاغات الاحتيال والاستجابة الفورية.
وفيما يتعلق بالتوازن بين التنظيم والابتكار، قال المرزوق: «رغم أن البنوك حول العالم تواجه عادة تشريعات مقيدة، فإن الوضع في الكويت أفضل، بفضل الحوار المستمر بين البنوك والبنك المركزي والجهات الرقابية الأخرى، مما أفضى إلى تشريعات متوازنة تراعي المصلحة العامة دون أن تحد من مرونة البنوك وقدرتها على الابتكار».
رؤوس الأموال
وأوضح المرزوق أن السياسات المالية يجب أن تُبنى وفق حجم الدولة ونضج مؤسساتها وأهدافها الوطنية، مؤكدًا أهمية الاستفادة من تجارب الأسواق المتقدمة دون فقدان الخصوصية المحلية.
وقال: «من أبرز الدروس التي استخلصناها هي مدى سرعة تقلب السيولة بين الأسواق نتيجة زيادة الأموال الساخنة (Hot money) عالمياً، وقد كشفت أزمة 2008 هشاشة الاعتماد على تدفقات رأس المال المتقلبة».
وأضاف أن هناك مجالات أخرى يمكن الاستفادة منها، مثل تعزيز أنظمة الامتثال وإدارة المخاطر، واستخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات لتقديم خدمات ومنتجات مالية أكثر سرعة وكفاءة.
ما بعد الصيرفة التقليدية
أكد المرزوق أن القطاع المصرفي الكويتي يتطور ليصبح منصة شاملة للنمو والابتكار والشمول المالي، موضحاً أن البنوك المحلية تطور منظومات تمويل للمشروعات الناشئة، وتوسع استخدام الحلول المصرفية عبر الهواتف الذكية، لتشمل جميع فئات المجتمع.
وأضاف أن تبني مفاهيم الصيرفة المفتوحة Open Banking، والصيرفة كخدمة BaaS، يتيح فرصاً جديدة للتكامل بين التقنيات المالية، مما يجعل من الكويت بيئة اختبار إقليمية لتكامل الأنظمة المالية الرقمية.
وتابع: «بهذا الشكل، يتحول نظامنا المالي من مجرد قناة مصرفية إلى منصة متكاملة للابتكار والشمول والتعاون العابر للحدود، تمكّن الكويت من أن تكون محوراً ومحفزاً للتحول الاقتصادي».
وأردف: «يقف القطاع المصرفي الكويتي اليوم عند منعطف محوري. لقد أثبتنا متانتنا، لكن التحدي الآن هو تحويل هذه القوة إلى استثمار وابتكار عالمي. ومن خلال الدمج بين إرثنا في الصيرفة الإسلامية وتطورنا في الصيرفة الرقمية، وتعميق ارتباطنا بالأسواق الدولية، يمكننا ضمان أن الكويت لا تواكب المستقبل المالي العالمي فحسب، بل تسهم في صناعته وتوجه مساره».
التحول الاقتصادي
بيّن المرزوق أن الهدف الإستراتيجي للكويت هو التحول من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع قادر على تحقيق هدفين رئيسيين: توليد مصادر دخل بالنقد الأجنبي بعيداً عن إيرادات النفط وخلق فرص عمل مستدامة.
وأكد أن هذا التحول يتطلب شراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص، مؤكداً أن تعزيز دور القطاع الخاص يمثل أولوية ضمن رؤية الكويت 2035. كما أشار إلى أن المؤسسات المالية والقطاع الخاص يعملان باستمرار على تطوير البنية التحتية التقنية لتسهيل تدفقات رؤوس الأموال.
ترسيخ موقع الكويت كمركز إقليمي للسيولة
ذكر المرزوق: «لقد استثمرنا في بيت التمويل الكويتي بأنظمة الأعمال بين الشركات (B2B) والبروتوكولات، التي تمكننا من الاندماج في شبكات المقاصة والتسوية العالمية، مما جعل الصكوك الكويتية والأدوات المالية الأخرى قابلة للتداول عالمياً بسهولة أكبر».
وأوضح أن هذه الجهود تسهم في ترسيخ موقع الكويت كمركز إقليمي للسيولة وإدارة المخاطر، مدعوماً بشبكات مدفوعات رقمية عبر الحدود، وتمويل تجاري معزز بتقنيات البلوك تشين.